هناك ثلاث معلومات يَجدر التوقّف عندها نظراً لأهمّية دلالتها في استيضاح الماهيّة العسكرية والسياسية التي يتفاعل فيها ملف عرسال في هذه المرحلة:
ـ المعلومة الأولى تتصل بتوصيف الوضع الحالي لمجموعات «داعش» المتمركزة في جرود عرسال، وكلّ معطياتها توحي بأنّ هذه المجموعات تواجه هبوطاً في معنوياتها وتُطاوِلها على المستوى اللوجستي والعسكري نتائجُ الانهيار «الداعشي» الجاري في كلّ من سوريا والعراق.
وحسب أحدث التسريبات المستقاة من عمليات التنصّت على اتصالات مجموعة «داعش» في منطقة عرسال مع قيادتها في الرقّة، أنّ الأخيرةَ أبلغَت إليها ضروة تدبّرِ أمورها وأن لا تتوقّع أن تمدّها الرقة بأيّ دعم.
وكنتيجة لشعور مجموعات «داعش» في عرسال بعزلتِها عن خطوط دعمِ قيادتها في الرقة، خصوصاً بعدما اضطرّت الأخيرة إلى الانسحاب من منطقة تدمر التي تشكّل البُعدَ الاستراتيجي للقلمون الغربي حيث الجزء الذي تتمركز فيه «داعش» في الجهة اللبنانية من جرود عرسال، فإنّها (أي مجموعات «داعش» في عرسال) حاولت أخيراً ثلاث مرّات التقدّمَ للسيطرة على منطقة تمركُز «جبهة النصرة» و«سرايا أهل الشام»، والأخيرة هي فصيل سوري معارض يشارك «النصرة» التمركزَ في المنطقة القريبة من مخيّم النازحين في مدينة الملاهي. وتريد «داعش» من ذلك تحقيق هدفين أساسيَين:
ـ الهدف الأوّل، تصفية وجود «سرايا أهل الشام» في تلك المنطقة التي تتحالف مع النصرة في صَدّ هجمات «داعش» عنها، والاقتراب في الوقت نفسِه من مخيّم النازحين في مدينة الملاهي لاستخدامه درعاً بشرياً في الحرب المتوقّعة مع الجيش اللبناني في عرسال، وأيضاً للإفادة من المساعدات الغذائية التي تصل لهذا المخيّم لسدّ حاجة مجموعات داعش من التموين الغذائي.
ـ الهدف الثاني، رغبة «داعش» بطردِ «النصرة» و«سرايا أهل الشام» من الميدان العرسالي لتصبح هي القوّة الوحيدة في معادلة الحرب مع الجيش اللبناني في تلك المنطقة.
ـ المعلومة الثانية تفيد أنّ «سرايا أهل الشام» كانت أوّلَ فصيل متمركِز بمنطقة عرسال استجابَ لعرض الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله في شأن الانخراط في تسوية لإنهاء الوضع سِلماً ووقفِ إراقةِ الدماء.
وفي المعلومات المستقاة من مصادر سوريّة معارضة أنّ «السرايا» أرسَلت قبل فترة عرضاً أهمَله «الحزب» لأنّه وجَد في مضمونه ما لا يستحقّ الاهتمام به. وفيما لم تتوافر معلومات لـ«الجمهورية» عن طبيعة هذا العرض، إلّا أنّ معلومات متقاطعة لاحظت أنّه صيغَ بواسطة مكتب محاماة دولي!.
ـ المعلومة الثالثة، تتّصل بزيارة قائد المنطقة الوسطى الأميركية الجنرال جوزف فوتيل للبنان، والتي أكّدت مصادرُ مطّلعة أنّها في جانب منها تتصل
بالوضع في عرسال وبمزيد من الإشارات الغربية التي تُبدي رغبة التعاون مع الجيش اللبناني في مكافحة الإرهاب.
ويؤكّد سياق هذا الأمرعلى المعلومات الآتية:
أـ خلال لقاء فوتيل برئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أبلغَه الأخير أنّ لبنان يَشكر الرئيس الاميركي دونالد ترامب لأنه خلال كلمته في قمّة الرياض كرّر مرّتين امتداحَه للجيش اللبناني ودوره في مكافحة الإرهاب.
وتَجدر الإشارة ضمن هذا الإطار إلى أنّ اهتمام المحور الغربي بموقع الجيش اللبناني في مكافحة الإرهاب أصبح واضحاً وأكثرَ نضجاً، وذلك كنتيجة للنجاحات النوعية التي حقّقها أخيراً على هذه الجبهة. وفي معلومات لـ«الجمهورية» أنّ مسؤولاً في حلف «الناتو» جسَّ أخيراً عبر محادثات غير رسمية مع قنوات لبنانية إمكانية حصول تعاونٍ عسكري بين الجيش اللبناني و«الناتو»، ولفتَ في المحادثة عينِها إلى اهتمام «الناتو» بإحداث هذا التعاون، مع تركيزه على أنّ الاعتقاد بأنّ واشنطن هي حلف «الناتو» كلّه هو خطأ شائع، فمساهمة الولايات المتحدة في حصّة تمويل «الناتو» مساوية لحصصِ دوَله الأُخرى الأعضاء فيه.
ب- زيارة فوتيل لمنطقة عرسال برفقة قائد الجيش اللبناني لم تكن فقط ميدانية واستطلاعية، بل خُطِطَ لها لتكون منصّة لإطلاق موقفٍ أميركي على لسان فوتيل داعمٍ للأمن والاستقرار في لبنان في مواجهة التطورات الخطرة التي تتلاحق في المنطقة على غير مستوى وفي غير اتّجاه وتنطوي على تعقيدات كبيرة.
ج- في شأن توقيت الزيارة، تَجدر الإشارة إلى أنّها تأتي إحدى ثمار زيارة قائد الجيش للولايات المتحدة الأميركية، وفي الأساس في إطار جولات ميدانية دورية معتادة للقيادة الوسطى الأميركية على ساحة قطاعها الإقليمي التي تشمل تركيا ومنطقة الوجود الأميركي في سوريا والأردن ولبنان.
د- ضمن هذه الجولة لقيادة المنطقة الوسطى للبنان تلفتُ مصادر إلى أنّ مستوى الدعم العسكري الأميركي للجيش اللبناني لم يتأثّر سلباً في عهد ترامب الداعي إلى عصر النفقات، مع ملاحظة وجود ترتيبات جديدة فرَضها الأخير على الجهات الأميركية المختصة بتزويد الجيوش الصديقة، ومن بينها لبنان، السلاحَ، وقوامُها وقفُ تقديم المساعدات العسكرية عبر وزارة الخارجية الأميركية تحت عنوان أنّها ليست ذاتَ اختصاص، وحصرُ تقديم هذه المساعدات بوزارة الدفاع، أي «البنتاغون».