القوى والتيارات الإسلاموية
يُصرُّ البعض على إطلاق الصفة "الإسلامية" على القوى والحركات والتيارات التي تستقي من الإسلام إيديولوجيتها، فتستعمل نُتفاً منه هنا، وشذرات هناك، وإقتباسات وإسقاطات هنالك،في محاولاتها الحثيثة لإحتكار كل " الرأسمال الديني" للإسلام لصالحها، ولكأنّهم همُ المسلمون وبقيّة أبناء المجتمع ليسوا مسلمين، فالإمام الخامنئي وأتباعه كالسيد حسن نصر الله أو الشيخ نعيم قاسم أو النائب محمد رعد، أو عبد الملك الحوثي على الضفة الشيعية هم "إسلاميون" والباقي همجٌ رعاع، وأنّ أبي بكر البغدادي والظواهري والجولاني وخالد مشعل وهنيّة والقرضاوي وسائر "الأبوات" مع مرشدي الإخوان المسلمين على الضفة السُّنيّة هم "الإسلاميون" بإمتياز ، في حين أنّ غيرهم من أهل السّنّة هم الغفلة الذين ران الله على قلوبهم، وما يجمع أهل السّنة والشيعة ممّن ذكرنا أعلاه هو الإنخراط السياسي لقلب موازين الحكم، والسّعي الحثيث وراء السلطة، ومقارعة الأميركيّين والصهاينة والكفار "لعنهم الله أجمعين" ،وملاحقتهم في شوارع باريس ولندن وبروكسل وأخيراً في طهران، دون أن ننسى ملاحقة المدنيين الهاربين من جحيم الموصل بالنّار.
إقرأ أيضا : الإسلاميون هم المستهدفون: ما العمل؟
أولاً: التمييز بين النعت إسلامي والنعت إسلاموي
هنا فرقٌ جوهري لغوي بين النعتين: إسلامي وإسلاموي، فقادة الحركات السياسية "الإسلاموية" يصرّون على إطلاق صفة "إسلامي" عليهم دون غيرهم، في حين ذهب الباحث في الفكر الإسلامي الراحل محمد أركون ،مع آخرين طبعاً، على إستخدام تعبير " الحركات الإسلاموية " أو " الإسلامويّين" ، ذلك أنّ كلمة إسلاموي بحسب إستخدامه تعني: الإستخدام المتطرّف لعقيدة ما، أو لموقف فكري ما، في حين تحمل كلمة إسلامي الموقف الذي يظل مرناً ومُنفتحاً من الناحيتين الفكرية والعقلية، وهذا التمييز يفرضه التحليل الفكري الجاد، وهذا لا يعني تفضيل أيٍ من النعتين على الآخر، فالناس من حقّها أن تنخرط في النشاط السياسي الذي يلبّي طموحاتها، أو ما تتوهمه من طموحات، في حين أنّ الخطاب اللاهوتي لعالم مسلم في علم الكلام أو علم الأصول يختلف جذرياً عن خطاب المواطن أو السياسي الذي ينزل إلى الشارع للإحتجاج السياسي، فهذا يستعمل أو يستخدم "نُتفا" مبعثرة من الفكر الإسلامي كما برع فيه أسامة بن لادن وأتباعه، فالخطاب الإسلاموي مُركّب بطريقه مختلفة عن الخطاب الإسلامي الرصين الذي يستخدم منهجيات تحليلية وجهازاً مفهومياً دقيقاً جداً. في حين ينحو الإسلاموي نحو إستعمال معجم لغوي من أجل تجيّيش المتخيّل السياسي للمناضلين، والتعبئة الجماهيرية.
إقرأ أيضا : الإسلاميون بين هموم الناس وقضايا الأمة: لماذا يتقدم الخارج على الداخل؟
ثانياً: التمييز بين الأصولي والأصولوي
درجت العادة في هذه الأيام للحطّ من علماء أصول الدين، وإعتبار الأصولي مرادف للمُتشدّد والمتطرّف، في حين يعتبر علم أصول الدين وأصول الفقه من أعلى العلوم الدينية كعباً وشرفاً، ذلك أنّ أدبيات الأصول كانت وما زالت من أهم الأعمال التأسيسية التي تطلّبت جهوداً مضنية من التّأمّل الفكري والنظري، في حين أنّ الخطابات الأصولوية ترتكب دون أي رادع أو وازع مغالطات فادحة وخطيرة، لا مجال لتفصيلها هنا،فمعظم من يتنطّح لإحتكار الهيبة الأصولية، يجهل أبسط مبادئ المنهجية الأصولية ومقتضياتها المعرفية، ويبقى فارقٌ كبير بين كتابة الإمام الشافعي في (الرسالة) أو الغزالي في (المستصفى) وبين الخطابات الإسلاموية التي تدّعي الأصولية.
ما يقتضيه هذا التمييز وما ينتج عنه من فوائد، هو عدم الخلط بين التطرّف الدوغمائي الأيديولوجي من جهة، وبين المقاربة الفكرية المنفتحة على الإعتدال والوسطية من جهة أخرى.