نشرت صحيفة "غارديان" مقالا للكاتب مارتن شولوف، يقول فيه إن جذور الخلاف بين السعودية وقطر ترتبط بأكبر قوتي نفوذ في المنطقة.
ويقول الكاتب: "قرار الرياض، التي هي في العادة مترددة، أن تفتح خلافا علنيا مع دولة خليجية صغيرة، بعد استضافة الرئيس الأميركي دونالد ترامب و40 زعيما آخرين في فترة وجيزة، ينبع من تقدير في العائلة المالكة السعودية بأن الوقت قد حان لتعزيز موقعها".
ويشير شولوف في مقاله، إلى أن "زيارة ترامب كانت إيذانا بالعودة إلى العلاقات الثنائية الطبيعية، التي بقيت قوية حتى الولاية الثانية لباراك أوباما، وحتى ذلك الحين حافظت أميركا على النظام في المنطقة لمدة حوالي 70 عاما، وكان تقديرها دائما أن القيادة السعودية داعمة للاستقرار، أما الربط مع إيران فمنحها فرصة أن تكون لاعبا إقليميا مقابل التراجع عن برنامجها النووي، فغير ذلك كله".
ويلفت الكاتب إلى أن "الرياض بقيت تشعر لمدة ثلاث سنوات كأن أجنحتها قد قصت، فلم تستطع ضمان دعم قوة عظمى، وكانت ترى أن إيران تكسب في سوريا والعراق ولبنان، وتحاول أن تصل إلى حلفاء آخرين، مثل مصر وقطر".
وبيبن شولوف أن "الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت تعرف على ماذا ستحصل من السعودية ومعظم دول الخليج، ولم يكن الحال ذاته مع قطر بشكل متزايد، فالمحمية البريطانية السابقة، التي أصبحت أثرى بلد بالنسبة لعدد سكانها، لم تتبع القواعد ذاتها، خاصة فيما يتعلق بسياستها تجاه إيران والإخوان المسلمين".
وينوه الكاتب إلى أن "الرياض وأبو ظبي رأتا في إيران والإخوان المسلمين تهديدا مدمرا، وكانت الشكوى بخصوص تعاملات قطر ترفض بشكل روتيني، بالإضافة إلى أن الدوحة تعاملت مع إسرائيل وحركة حماس وتنظيم القاعدة وحركة طالبان، وحافظت على وجود دور لها في جميع المناطق الساخنة إقليميا؛ ظاهريا لإثبات الوجود، وفي الوقت ذاته لممارسة نفوذ أكبر من حجمها؛ لعله يكون حماية لها إن تم حصارها".
ويجد شولوف أن "كون الرياض تشعر الآن بأن الأمور عادت إلى نصابها، فهي تطالب شركاءها بالانحياز لخطها، خاصة فيما يتعلق بإيران والإخوان المسلمين، لكن أيضا في مصر وليبيا، حيث تصادم دور قطر في العادة مع دور جاراتها القوية".
ويفيد الكاتب بأن معارضة الإخوان المسلمين أصبحت هاجسا بالنسبة للسعودية وحليفاتها في الخليج؛ شعورا منها بأن الإسلام السياسي المنظم يشكل خطرا لا يمكن التهاون معه على أنظمتها، وفي محاولة سابقة لجعل قطر تلتزم بالخط، فإنه تم قطع العلاقات لفترة قصيرة عام 2014، ويظن أنها كانت ناجحة، لكن ومنذ ذلك الحين، خاصة عندما أصبح دور السعودية ثانويا خلال رئاسة أوباما، فإن القادة السعوديين يتحركون بانتظار لحظتهم المناسبة".
ويقول شولوف: "تمت العودة للعادات القديمة؛ أميركا تشجب إيران بشدة، وتعرب عن استعدادها لغض الطرف عن القضايا الإنسانية والحكم في السعودية، بالإضافة إلى غض الطرف عن التوافق بين رجال الدين الوهابيين في المملكة مع الحكام، وقوبلت الشرعية الجديدة، التي حصلت عليها السعودية، بارتياح واضح في الرياض، حيث لم تتوان عن أخذ فرصتها باستخدام وزنها في المنطقة".
ويضيف الكاتب: "كان التحرك أسرع من المتوقع، فعندما نشر على موقع وكالة الأخبار القطرية خطابًا للأمير ينتقد فيه السعودية، وهو ما نفاه المسؤولون، (واتهموا القراصنة)، بدأت آلة الدعاية بالعمل في غضون ساعة، حيث اصطف كتاب الأعمدة والخبراء والقادة لشجب قيادة الدوحة؛ لعلاقاتها بإيران والإخوان المسلمين، حتى أن أحد المسؤولين السعوديين استحضر مثال الرئيس المصري السابق محمد مرسي المسجون، مشيرا إلى أن المسؤولين القطريين قد يشاركونه المصير ذاته".
ويرى شولوف أن "قطع الصلات البرية والبحرية والجوية هو أشد من قطع العلاقات الذي تم عام 2014، لكنه مصمم على حمل الرسالة ذاتها، وهي أن على قطر الالتزام بالخط مثل بقية دول الخليج، من ناحية الاعتراف بالتهديدات ذاتها، ومقاطعة الأعداء أنفسهم، والأهم من ذلك كله، هو أن الرياض تقوم باستعادة دورها بصفتها زعيمة للمنطقة، وما شجعها الدعم الأميركي المتجدد".
ويخلص الكاتب إلى القول إن "الدوحة تعلم أنها لا تملك مساحة مناورة كبيرة، فلا تستطيع أن تغادر مجلس التعاون الخليجي، الذي يوفر الأمن والتكتل التجاري لأعضائه، ولا يمكنها تحمل العزلة، لكنها لا تريد أيضا أن تتراجع بسرعة، فبعد أن قضت عقودا تبني علامة خاصة بها، بصفتها دولة لها مشاركة واسعة، فإن انحناءها لسيد يعري محدوديتها".
(عربي 21 - غارديان)