ليست المرة الأولى التي تعصف بالبيت الخليجي رياح الخلافات بين الإخوة لتتجاوز الحرب الإعلامية والإتهامات المتبادلة بين الشقيقة الصغرى قطر من جهة والسعودية ومعها دولة الإمارات العربية والبحرين من جهة ثانية لتصل إلى مستوى القطيعة الدبلوماسية والسياسية.
ففي العام 2014 أي قبل ثلاث سنوات إتخذت دول الخليج العربي قرارًا بمقاطعة قطر وإستمرت هذه المقاطعة يومها حوالي ثمانية أشهر إلى أن تم ترتيب الأوضاع معها.
واليوم فقد عاد المشهد الخليجي ليتكرر حيث طفًا على سطح الأحداث العربية التباين في الرؤية بين الدول الخليجية إلى العلاقات مع الخارج وتحديدًا مع إيران، وكيفية معالجة المشاكل معها في ظل غياب النظرة الموحدة للتسويات وإيجاد الحلول لأزمات المنطقة وإلى إختلاف نظرة كل دولة عن الأخرى إلى الإرهاب وإلى مصادره وكيفية محاربته.
إقرأ أيضًا: مرحبًا بقطر في الهلال الشيعي
وبدأت الخلافات بين قطر وباقي الدول الخليجية منذ القمة الأميركية - الخليجية التي إنعقدت في الرياض أثناء الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السعودية الشهر الماضي، وتمايز موقف قطر عن باقي الدول الخليجية إزاء العديد من القضايا والملفات ومنها ملف الإرهاب والعلاقات مع دول الجوار وخصوصًا إيران، وإتخذت العلاقات شكلًا حادًا ومنحى خطيرًا بعد الكلمة التي ألقاها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وما جاء فيها عن العلاقات مع إيران ودورها في المنطقة حيث قال: إن إيران دولة جارة ومهمة وإن العلاقة بينها وبين دولنا هي في مصلحة المنطقة، وأن العلاقة الثنائية بين قطر وإيران تنمو وتتطور بإستمرار على أساس المصالح المشتركة والجيرة الحسنة ولا يوجد أي خلاف بين بلدينا، وفي الإقليم تتنوع المذاهب والديانات ولا يوجد صراع سني - شيعي بالجوهر، ولكن هناك نزاعات تحركها المصالح السياسية للدول والقوى التي تثير نعرات طائفية ومذهبية، فالصراعات في المنطقة هي سياسية إقليمية عربية إيرانية وليست سنية - شيعية.
إقرأ أيضًا: إيران الممر الوحيد المتبقي لقطر
وترتب على هذا الموقف القطري ردًا خليجيًا وعربيًا قاسيًا حيث أعلنت كل من السعودية والإمارات العربية والبحرين ومصر قطع العلاقات مع قطر وإغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية معها.
بعض الأوساط الصحافية العربية ترى أن خطيئة قطر السياسية بالدرجة الأولى لا تكمن في الحرب الإعلامية التي تولتها بعض الوسائل التابعة للسياسة القطرية بإنفصالها عن الإلتزام السياسي مع باقي الدول الخليجية وإنما بمحاولة قطر الإضطلاع بدور إقليمي منشق عن الخط العام لدول الخليج سواء في مسألة الخطر الإيراني أو التدخلات السيادية في الشأن المصري والليبي والعلاقة مع حماس وجماعة الإخوان المسلمين على حساب القضية الفلسطينية ذاتها وصولًا إلى الإنقسامات الخطرة في أهم ملف يهم السعودية وهو الحرب في اليمن عبر التعامل مع حزب الإصلاح في ظل رغبة السعودية ودول الخليج بضرب حالة التمرد الحوثي المدعوم إيرانيًا لإنهاء الأزمة اليمنية وبالتالي لإنهاء الثغرة المقلقة التي تحاول إيران النفاذ منها والتأثير على خط الملاحة العالمي عبر إيجاد موطىء قدم لها في مضيق باب المندب.
وإذا كانت قطر قادرة على تجنب أزمة اقتصادية خانقة إلا أن هذه القطيعة لها تأثير خطير على بعض صفقات التجارة والشركات في المنطقة وبخاصة الخطوط الجوية القطرية التي لم يعد بإمكانها تسيير رحلات إلى بعض الأسواق الكبرى في الشرق الأوسط.
من الواضح أن هذه الأزمة الخليجية مرشحة للتأزم في ظل المواقف التصعيدية رغم الوساطة التي يقوم بها أمير الكويت بين الطرفين، وستضاف إلى مسلسل الأزمات العربية والتي لم تجد أي منها طريقا للحل مع إجتياح عوامل الجهل والتخلف والغباء للعقل العربي.