تزامُناً مع مجموعة الورَش السياسية والتشريعية والدستورية القائمة في البلد تحضيراً لقانون الانتخاب الجديد والملفات التي فتِحت على هامشه. وإلى الحديث عن قضايا الفساد ومسلسل الدعاوى القضائية التي القت الضوء على زوايا مختلفة في قطاع الكهرباء والنفايات، يبدو انّ المؤسسة العسكرية هي الوحيدة التي تعيش مرحلة من الاستقرار لا تعرفها سوى زميلاتها من المؤسسات الأمنية. ودون ذلك فبقية المؤسسات الدستورية والإدارية والخدماتية في البلاد تعيش نوعاً من التعثّر في تقديم ما يريده اللبنانيون ويرضيهم على أكثر من مستوى.
فعلى رغم حجم التحديات الداخلية والخارجية التي تخوضها المؤسسات العسكرية والأمنية من خلال المواجهة المفتوحة مع الإرهاب الذي يهدّدها من خارج الحدود أو من الداخل يخرج زوّار قائد الجيش في الفترة الأخيرة بانطباعات ايجابية تجاه الوضع الأمني المستقر قياساً الى ما يجري في المحيط ودول كبرى في العالم.
لكنّ هذه الثقة تصطدم باعترافه بواقع لا يتنكّر له عاقل، فالبلد معرّض لكل أشكال التحديات والمفاجآت. وعلى رغم اعترافه بأنّ الجيش امسَك بالحدود اللبنانية - السورية بعد ان تسلّم مواقع «حزب الله» فإنه لا يستطيع ان يؤكد أنّها ممسوكة بكاملها، فليس هناك امن مضمون 100%، ذلك انّ الحديث عن عمليات تهريب الأشخاص عبر الحدود ممكن ولا يشكّل امراً مستغرباً. لكنّ حراك المجموعات المسلحة على طول الحدود مرصود بدقة وعلى مدى 24 ساعة، «فنحن نرصدهم بطائرات تعمل ليل نهار، ونتحرّك على هذا الأساس.
فليس كلّ ما نقوم به نُعلنه، لا على مستوى العمليات العسكرية، ولا على مستوى التوقيفات شِبه اليومية، وذلك بهدف توقيف أفراد الشبكات والمجموعات بكاملها، ولا أخفي عليكم أنّ التحضيرات جارية يومياً لعلميات عسكرية نوعية واستباقية، خصوصاً لمنعهم من تجميع قواهم أحياناً أو الاستكانة والاعتقاد أنّ في قدرتهم الغدر بنا أو التخطيط لأيّ عملية عسكرية في ايّ نقطة او لحظة معيّنة، وأعطيكم مثلاً على ذلك، أنّه قبل فترة قمنا بعملية جوّية ضد بعض المواقع يوم انتقل فخامة الرئيس الى غرفة العمليات في وزارة الدفاع ليواكبَها.
بكلّ بساطة كنّا نخطط للعملية قبل فترة وننتظر التوقيت والظرف المناسبَين، ففي العِلم العسكري هناك مقوّمات عليك توفيرها قبل ايّ عملية لتكونَ ناجحة وتحقّق أهدافَها، وعندما اكتملت التحضيرات المرتبطة بوضوح الرؤية وحركة الريح اتّصلت بفخامة الرئيس قبل ليلة وسألتُه الرغبة في متابعة العملية مباشرةً من غرفة العمليات، وكان ما كان».
وعن الدعم العسكري المنتظر للجيش اللبناني في القريب العاجل لم يُخفِ العماد عون حجم المساعدات من أكثر من مصدر «لكن أبرزها من الولايات المتحدة الأميركية التي تواكب تعزيز قدرات الجيش. ورغم أنّنا لسنا دولة في الحلف الدولي لكنّ الواقع الأمني الذي نعيشه ووجودنا على تماس مع الحرب السورية جعَلنا في موقع يشبه وجودَنا في الحلف.
لقد فرَضنا وجودنا على خريطة الدول المدعومة من المجتمع الدولي بقِوانا الذاتية المتواضعة وإنّ حسن استخدامها أدّى الى هذه النتائج الإيجابية، والفضل في ذلك - يضيف قائد الجيش - الى ما انجزَه الجيش من مهمّات كبرى الى ان اكتسبَ احترام الدول والحكومات والجيوش الاخرى. فهو الجيش الوحيد الذي لم ينكسر امام الارهاب وأمام المنظمات الإرهابية تحديداً.
ولم يطلب من احد الدفاع عنه سوى بإمداده بما يحتاج اليه من الأسلحة، وهو اثبتَ قدرةً تقنية وبشرية وعسكرية فائقة على استخدامها بأفضل الطرق، وهو ما شهد له به قادة الجيوش الكبرى. والأهم من كلّ ذلك انّ الجيش اثبتَ وحدته في الأزمنة الصعبة، وكلّ ما سُجّل من انشقاقات بقيَ محصوراً بعسكريين أفراد لا يفوق عددهم اصابعَ اليد الواحدة، ولم نخسر لواءً أو كتيبة، مثلما شهدت الجيوش الأخرى التي عاشت التجربة نفسها تقريباً».
وعندما يُسأل عون عن مصير الحرب القائمة من تلال عرسال الى تلال رأس بعلبك، وهل إنّ في الإمكان ان تنتهي عسكرياً أو بالوسائل السلمية والمفاوضات في ظلّ الحديث عن احتمال التوصّل الى عملية إجلاء للمسلحين المحاصرين في الجرود بعد ان تقلّصَت مساحة انتشارهم؟ يجيب قائلاً بلا تفاصيل: «إنّ افضل الحروب التي تربَحها هي التي تنتهي قبل ان تخوضها ودون إراقة نقطة دم».
ويستدرك ليقول: «إنّ ما يقلقنا أخيراً ظهور شبكات وخلايا إرهابية جديدة يَجري تجنيدها حديثاً وأفرادها لم يكونوا يوماً على لائحة الموضوعين تحت المراقبة حتى الأمس القريب».
وعن حجم التنسيق القائم بين الجيش والقوى الأمنية الأخرى، يجيب قائد الجيش مبتسماً «إنّها في أفضل حال». ويروي أنه عندما عيّن قائداً للجيش زاره المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم مهنّئاً، وقال له «انتظر لبعض الوقت، فأنت أقدمُنا وأنا واللواء عماد عثمان واللواء أنطوان صليبا جُدد، وإلى ان نكتشف مؤسساتنا سنلتقي لنعزّز كلّ أشكال التنسيق المطلوبة، وهو أمر لن يطول كثيراً لنستأنف التنسيق على اكثر من مستوى عملاني واستخباري وعلى الأرض ايضا».
وإزاء الحديث عن اعتداء اسرائيلي محتمل على لبنان، يؤكّد عون «أنّ الهدوء في لبنان امرٌ مطلوب دولياً وإقليمياً، وليس لأيّ طرف، ومنهم العدو الاسرائيلي، أيّ مصلحة في توتير الوضع. ولكنّنا لا نَأمن جانبَهم، فنحن محتاطون لكلّ الاحتمالات، والخطط موضوعة لمواجهة ايّ حَدث أياً كان حجمه وتوقيته ولن نفاجَأ به».
وفي هذه الأجواء يستعدّ قائد الجيش لزيارة قريبة الى الولايات المتحدة تلبيةً لدعوة من إدارة الجامعة التي تَخرَّج منها ليكون مكرَّماً فيها. وقبل ذلك سيزور بيروت اليوم وفد عسكري اميركي كبير ورفيع المستوى يَرأسه قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال جوزف فوتيل ليردّ الزيارة للعماد عون وربّما سيلتقي المسؤولين اللبنانيين.