يؤكّد منظّمو مباحثات أستانة أنّ الجولة المرتقبة الاثنين المقبل تتمحور حول تقويم الخطوات العملانية لاتفاق «مناطق خفض التصعيد» الذي أبرَمته موسكو وطهران وأنقرة على الاراضي السورية بداية أيار الماضي، ومحاولة تعميم هذا الاتفاق على مناطق أخرى في البلاد.
ولكن ما قد ينتج عن المستجدّات التي شهدتها المنطقة خلال الفترة الماضية لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام على أجندة أستانة، خصوصاً في ظلّ تزايدِ الحديث في أوساط سوريّة وعربية مناوئة للنظام السوري عن إعادة تفعيل الدور الأميركي في الملف السوري مجدّداً بعد التفاهمات التي أبرَمها الرئيس دونالد ترامب مع السعودية وحلفائها في المنطقة.
لا شكّ في أنّ واقعاً جديداً سيفرض نفسَه في جولة أستانة، في اعتبار أنّ الأميركيين لم يشاركوا في كلّ المباحثات السابقة إلّا بصفة مراقب. أمّا اليوم ووفقَ الإشارات التي تلقّتها الديبلوماسية الروسية فإنّ الإدارة الأميركية ستحاول ترجمة بنودِ اتّفاق أستانة وفقاً لمصالحها ولتطلّعات حلفائها. انطلاقاً من ذلك جاء تحذير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نهاية الأسبوع الماضي من «احتمال تحوّلِ مناطق خفضِ التصعيد إلى نماذج لتقسيم سوريا في المستقبل».
ممّا لا شكّ فيه أنّ مشروع تقسيم سوريا لم يَسقط من أجندات بعض القوى الإقليمية والدولية. فعلى المستوى الاقليمي ينسجم مشروع التقسيم مع الاطراف التي تغذّي حالَ الفرزِ الطائفي والمذهبي الذي يتجسَّد في العديد من الدول، خصوصاً في العراق. أمّا على المستوى العالمي فينسجم المشروع مع القوى الدولية الداعمة لعمليات الفرز العرقي بين مكوّنات الشعب السوري، زِد على ذلك أنّ كلّ مشاريع التقسيم الطائفية والمذهبية والعرقية تندرج ضمن سياق ما يُعرَف بالفوضى الخلّاقة.
ولكنّ تَنامي الدور الروسي في المنطقة وعودته إلى الساحة الدولية من بوّابة الشرق الأوسط، يدفع إلى الرهان على أنّ موسكو حتماً لن تُفرّط بما تمَّ إنجازه في أستانة بعد التعثّرِ المتكرّر الذي يرافق مفاوضات جنيف من انطلاقتها، ولا سيّما أنّها باتت لاعباً أساسياً على مسرح الأحداث في سوريا، إنْ لم نقل اللاعبَ الأساسي الأوحد على المستوى الخارجي، بعدما نجَحت في ترتيب العلاقة مع أنقرة ودمجِها مع طهران تحت العباءة الروسية، في الوقت الذي يَسود فيه التشرذم صفوفَ أطراف المعارضة السوريّة ما بين الرياض وأنقرة والدوحة وباريس وغيرها من العواصم التي أبدت تأييدَها لتغيير النظام في سوريا.