بعد إعتداءات لندن الإرهابية، ثبُت أنّ الداهية الدهماء والضلالة العمياء تكمن في الفقه المنحرف نحو العنف وإباحة سفك الدماء، الفقه المستند على عُنف الدولة النبوية، وحروب الرّدة وحروب الفتوحات الإسلامية، فقه يعود لخمسة عشر قرناً غابراً، يعتبر أنّ القتل ومحق "الكفّار" ما زال صالحاً وشغّالاً في كلّ مكانٍ وزمان، لذا نُقل عن الأصمعي قوله: "صنفان إذا صلُحا صلح الناس: الأمراء والفقهاء. "وقالوا:" لا خير في القول إلاّ مع الفعل، ولا في المال إلاّ مع الجود، ولا في الصدق إلاّ مع الوفاء، ولا في الفقه إلاّ مع الورع." أمّا قتل الأبرياء تفجيراً ودهساً وطعناً بالسكاكين، كما درجت العادة في هذه الأيام الحالكة، فهذه أفعال رهيبة ومقيتة ومُشينة لم تعرفها ديانة ولا أخلاق ولا أعراف.
إقرأ أيضا : هذا ما حصل في لندن هذه الليلة !
أولاً: إسلامُ الإعتدال وحقن الدماء
كتب عمر بن عبدالعزيز :" بلغني أنّ رسول الله(ص) كان إذا بعث جيشاً أو سريةً قال: إغزوا بإسم الله ، وفي سبيل الله، لا تغُلّوا ولا تغدروا ، ولا تُمثّلوا ، ولا تقتلوا إمرأةً ولا وليداً." وعلى سُنّة الرسول كان يوصي الخلفاء الراشدون أمراء السّرايا، فكان عمر بن الخطاب يضيف إلى وصايا الرسول: "لا تعتدوا إنّ الله لا يُحبُّ المعتدين، ولا تُسرفوا عند الظهور، ولا تقتلوا هرماً ولا إمرأةً ولا وليدا"، أمّا أبو بكر الصديق فقد أوصى يزيد بن أبي سفيان عندما شيّعه إلى الشام: "إنّك ستجد قوماً حبسوا أنفسهم للّه ، فذرهم وما حبسوا أنفسهم له- يعني الرّهبان- وإنّي موصيك بعشر: لا تغدر، ولا تُمثّل، ولا تقتل هرماً ولا إمرأةً ولا وليدا، ولا تعقرنّ شاةً ولا بعيراً إلاّ ما أكلتم، ولا تحرقنّ نخلاً، ولا تخرّبنّ عامراً، ولا تغُل، ولا تبخس"، ومن حديث إبن أبي شيبة ،كان علي بن أبي طالب يُخرج مُناديه يوم الجمل يقول:" لا يُسلبنّ قتيل، ولا يُتّبعُ مُدبر، ولا يُجهز على جريح" ، وسُئل عليٌ عن أصحاب الجمل : أمشركون هم؟ قال:" من الشرك فرّوا"، قال: فمُنافقون هم؟ قال: "إنّ المنافقين لا يذكرون الله إلاّ قليلا."قال، فما هم؟ قال: "إخواننا بغوا علينا"، ومرّ علي بقتلى الجمل فقال:" اللهم إغفر لنا ولهم"، ومعه محمد بن أبي بكر وعمّار بن ياسر؛ فقال أحدهما لصاحبه: "أما تسمع ما يقول؟ "قال: " إسكت، لا يزيدك."
وعن العتبيّ عن أبيه قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لإبنه الحسن: "يا بني ،لا تدعُونّ أحداً للبراز، ولا يدعُونّك أحدٌ إليه إلاّ أجبته، فإنّه بغي."
إقرأ أيضا : لندن.. جرحى في حادث دهس وأنباء عن إطلاق نار وعملية طعن
ثانياً: إسلام العنف وسفك الدماء
نشأ الإسلام بوصفه مشروعاً لبناء علاقات مجتمعية جديدة بين الناس (المؤمنين و سائر الناس قاطبةً) تُؤمّن لهم نوعاً من الإطمئنان لعلاقاتهم المجتمعية فيما بينهم وبالتالي مع خالقهم ومع الناس أجمعين، غير أنّ المشروع سرعان ما تكشّف - شأنُه شأن الكثير من المشاريع العظيمة- عن ثغراتٍ كان بعضها فاغراً وخطيراً بحيث عرّض النظام الإسلامي بأسره للتّصدّع، وذلك منذ فترة مبكرة من تاريخه.وكان حُكم سعد بن معاذ بقتل بني قريظة وسبي النساء والذراري باكورة العنف غير المبرّر، وتلى ذلك ما قام به خالد بن الوليد (أحد أبرز قادة حروب الرّدة) في المغيط عندما أعمل سيفه في قوم مالك بن نويرة بعد أن كانوا قد إستسلموا له "فوضعوا سيوفهم" ونزلوا عند حُكمه، ظنّاً منهم أنّ المسلم لا يقتل من إستسلم إليه. لذا طلب علي بن أبي طالب من أبي بكر بقتله ،وقيل أنّ عمر هو الذي طلب ذلك، فأبى أبو بكر وقال:" لقد إجتهد فأخطأ، وما كنتُ لأُغمد سيفاً سلّهُ الله. "وبعد ذلك قام الحجاج بقصف الكعبة بالمنجنيق، مدفعية تلك الأيام، وكان قبله قد إستباح الخليفة الأموي يزيد بن معاوية المدينة ثلاثة أيام بلياليها، وكان قبله (وخلال الفتوحات) قد أقدم قائد مسلم آخر- يزيد بن المهلّب - بعدما حلف أن "يطحن بدماء أهل جرجان ويختبز من ذلك الطحن ويأكل منه" ، ورغم أنّ القوم ، نزلوا على حكم يزيد، كما يقول مؤرّخ لا شكّ في إسلامه، فقد حكم القائد المظفّر بسبي الذراري وقتل رجالهم (وذُكر أنّ عددهم قارب الأربعين ألفاً) ،و"أجرى الماء في الوادي على الدم وعليه أرحاء ليطحن بدمائهم... فطحن وإختبز وأكل"، وهكذا دخل الإسلام منذ ذلك الوقت في غواية السياسة وغيّها وشركها.
إقرأ أيضا : الشرطة البريطانية: القبض على 12 شخصا لصلتهم بهجوم جسر لندن
الثابت حتى يومنا هذا، أنّ علاقات المجتمع الإسلامي مع محيطه لا تعود بمعظمها لأحكام القرآن الكريم، بل جُلّها يعود لأحكام السُّنّة المُختلف في صحّة أسانيدها، وسياق أحداثها، وإختلاف إجتهاداتها، وهي كما هو معروف ليست وحياً من الله، وعلى رأسها أفعاله وأقواله ومواقفه، وقد عوتب النبي في أكثر من موقف في القرآن الكريم، ولعلّ الحديث المأثور عنه:" إنّما أنا بشرٌ مثلكم، وقد يكون أحدكم ألحنُ بحُجّته من أخيه، فمن حكمتُ له بحقّ أخيه ،فإنّما إقتطع له قطعة من النار خير شاهدٍ على ما نقول."
إقرأ أيضا : بالفيديو : لحظة إعتقال مشتبه به في إعتداء لندن
للأسف الشديد، سوسةُ القتل كانت قد دبّت في المشروع الإسلامي منذ بداياته، وظلت تنمو حتى فتكت فتكاً ذريعاً بأبناء المجتمع الجديد والدين الجديد، دون أن يجد أحدٌ علاجاً لها، ولعلّ الأوروبيين الذين ذاقوا ذرعاً بهذا الإرهاب "المسلم" بين ظهرانيهم واهمون إذ يأملون بالظفر بحلٍّ ناجع لهذه المعضلة، طالما لم يجد المسلمون لأنفسهم حلولاً مفيدة، سواء بالاجتهاد في قراءة النصوص "المقدّسة" وتأويلها بما ينزع عنها صفات الإرهاب والعنف، ويُدخلها في إناسة منفتحة وعصرية وإنسانية تحترم قدسية الحياة وعدم تبخيسها، أو في مصادرة كليات الشريعة وحرق كتب الملل والنحل، وإدخال علم الأديان المقارن، وإعادة الإعتبار لكتب رجال الإعتزال والتصوف وفلاسفة الإسلام من الكندي إلى إبن سينا والفارابي وإبن رُشد وإبن خلدون، وهذه مهمات شاقة ،فهل أوروبا على دراية بما يجب أن تبدأ به، فالعنف لا يُنبت سوى العنف، ويبدو أنّ العالم المفتوح على بعضه بالعولمة، لن يتمكّن ظباط الشرطة من إحكام غلقه، فالإرهاب يتمدّد كأفعى إطمأنّت لحرارة الشمس، وإختلت بضحاياها، للأسف الشديد طبعاً.
إقرأ أيضا : الإمارات تحذر مواطنيها من السفر إلى بريطانيا