انطلق بحث التفاصيل في شأن قانون الانتخابات على محورين: الأول مع الوزير نهاد المشنوق لعرض خطته لتطبيق القانون، وحاجة الوزارة إلى سبعة أشهر للاستعداد وتدريب المسؤولين عن العملية الانتخابية؛ والثاني مع النائب جورج عدوان الذي ينشط لمعالجة التفاصيل العالقة. والمحوران يسعيان لإنجاز مهماتهما قبل جلسة الحكومة المقبلة، لإقرار القانون، تمهيداً لإحالته إلى المجلس النيابي للمصادقة عليه فيصبح نافذاً.

الأكيد أن سيناريو الانتخابات الرئاسية قد تكرر. قبلها بأسبوعين ضرب الوزير جبران باسيل بيده على طاولة حوار عين التينة، ورفع الصوت بوجه الرئيس نبيه بري، وخرج ليُنتخب ميشال عون رئيساً للجمهورية بعدها. الامر نفس تكرر في قانون الانتخاب، الجميع عاد إلى ملعب حزب الله، ومجدداً يخرج باسيل بصورة المنتصر على كل الأفرقاء السياسيين. الجميع صعد إلى بعبدا، وعون هو اختار التوقيت الذي يناسبه لفتح الدورة الإستثنائية، وبتحديد عملها بإقرار قانون الانتخاب حصراً.

لا شك في أن التيار الوطني الحر يعرف كيف يستغل الفرص، إستناداً إلى قوته الشعبية والسياسية، لتحقيق ما يريد تحقيقه. ينطلق باسيل من مبدأ حاجة الطرفين السياسيين في البلد، أي السنة والشيعة، إليه، ويجيد اللعب من موقع عرف الحبيب مكانه فتدلل. يستطيع باسيل القول الآن، إنه جلب لحزب الله النسبية، ولم يرد اعطاء الجواب الموافق على قانون الخمس عشرة دائرة إلا الحزب، وكذلك أصبح بإمكانه القول للرئيس سعد الحريري، إن ضمانتك في رئاسة الحكومة معنا، ونحن من يحصل عليها من حزب الله.

بمجرد أن يخرج باسيل ليعلن أن الإتفاق على قانون الإنتخاب قد حصل بعد اللقاء مع السيد حسن نصرالله، فهذا يعني توجيه ضربة معنوية إلى الرئيس بري، وكل الطبقة السياسية. بالتأكيد، أن ما حصل هو تكريس حزب الله وأمينه العام، عراب كل التسويات والمصالحات، فهو دعا قبل فترة إلى فتح الدورة الإستثنائية، وهذا ما حصل، وبعد اجتماعه مع باسيل، حصل التوافق. عرف باسيل من أين تؤكل الكتف، خرج ليعلن أن الإتفاق مع نصرالله لم يكن حول قانون الانتخاب فقط، بل تخطاه إلى ما هو أبعد، ولدى سؤاله عن المدى، قال إلى بعد خمسين سنة. وهو أراد الإيحاء بأنه رغم الهجمة التي يتعرض لها، والرفض القاطع لكل مقترحاته، عاد وحصل على البركة من نصرالله.

هناك مسار جديد في السياسة اللبنانية، الجميع رضخ لآلية تقسيم الدوائر بهذه الآلية. فلا النائب وليد جنبلاط كان يريد النسبية في البداية، ولا بري كان يريد إن يكون القانون على هذا الشكل. في قراءة الرمزيات، ليس من السهل على برّي أن يخرج الاتفاق من قصر عين التينة. الوقائع الجديدة هي ما دفعه إلى التمهيد لحضور إفطار قصر بعبدا، بحضور إفطار السراي الحكومي. هذه في السياسة لها معانٍ، بأن بري وجنبلاط لم يعودا بالجبروت الذي كانا عليه سابقاً.

لم يعد الحريري خياراً مقنعاً أو يمكن الاستناد إليه بالنسبة إلى جنبلاط. لذلك، هو في مكان ما يظهر وكأنه يغرّد وحيداً. وبين حين وآخر، يمرر الرسائل والمواقف، لمغازلة حزب الله والتشديد على عمق العلاقة معه. فالواقعية تقتضي الاقتراب من فلك حزب الله وإرشادات نصرالله. أما بالنسبة إلى بري، فمن الواضح أن ثمة تراجعاً في الأداء والدور. أقصى ما يمكن أن يطمح إليه الآن، هو أن ينهي رئاسته في المجلس النيابي بلا أي مشاكل. وهذا كان واضحاً بعدم فتحه أي معركة مع العهد الجديد. يعني ذلك، أن الجميع يطمح إلى الاحتفاظ بالعلاقة الجيدة مع حزب الله، لضمان مكسبه في السلطة. الفارق هذه المرّة، أن باسيل وتياره قادران على الاحتفاظ بهذه العلاقة من موقع القوة نسبياً، استناداً إلى مسيحيتهما وقوتهما في العهد، بينما الأفرقاء الآخرون يأتون "من تحت".