مَن يتابع نجم البوب العالمي مساري ويرى حفلاته التي تسجّل حضوراً بالآلاف في مختلف البلدان، ويتمعّن في نجاحات كبرى استطاع أن يحققها في غضون سنوات قليلة من انطلاقته عام 2001 في مشوار احترافي باهر في عالم صناعة الموسيقى الغربية، قد يظنّ للوهلة الأولى أنّ الفنان الشاب الذي هاجر لبنان منذ أكثر من 25 عاماً، دفن هويّته اللبنانية في أرضها ولم يوضّب في حقائب الهجرة سوى كمشة أحلام كبيرة وتصميم قلب صغير شجاع لم يكن يتخطّى في حينها سنواته العشر، ولكنّ الحقيقة هي أنه اختار أن يحتفظ باسمٍ عربيّ وجذورٍ عربية وهويّة لبنانية بدءاً من الأغنية الأولى ووصولاً إلى ألبومه الأخير الذي أعاده إلى «بيروت» لتكون هي عنوان أوّل ألبوم كامل يُطلقه في الولايات المتحدة الأميركية وقريباً في مختلف بلدان العالم.«كلبنانيين كلنا لدينا حلم كبير اسمه بيروت. هي أكثر من مدينة، إنها وعد وأمل بالسلام والوحدة، ولذلك أحببت أن أطلق اسمَ بيروت على ألبومي الجديد» بهذه الكلمات يبدأ الحديث مع نجم البوب العالمي مساري الذي خصّ «الجمهورية» بحوار حصري من الولايات المتحدة الأميركية تزامناً مع صدور أغنيات ألبومه الجديد «بيروت» تباعاً عبر الأسواق الرقمية العالمية.
لهذا اخترتُ «بيروت»
ويؤكّد النجم الشاب: «أحببت أن يحمل أوّل ألبوم يصدر لي في الولايات المتحدة، اسم مدينتي بيروت، خصوصاً أنّ هناك أناساً كثراً ما زالوا يتهرّبون من أصلهم لكي يتمكّنوا من تحقيق النجاح في الأسواق الغنائية الغربية.
وكما اخترت أن يكون اسمي الفني مساري وهو اسم عربي في وقت كان في حينها حساساً ودقيقاً، أحببت اليوم أن أقوم بالمثل من خلال اختيار اسم «بيروت» لألبومي لكي أُظهر للشعب اللبناني والعربي، مدى اعتزازي بهويّتي وجذوري، ولأقدّم صورةً مختلفةً عن الصور النمطية التي تسود في الغرب عن بلداننا ومدننا العربية، وهي الصورة الحقيقية للفن والموسيقى والجمال».
مساري الذي يكتب بنفسه كلمات أغنياته ويؤلّف الموسيقى الخاصّة بها يعرب عن صلته الوثيقة باللغة العربية بشكل خاص ويقول: «منذ أوّل ألبوم لي، قدّمت أغنية «إنتَ حياتي» باللغة العربية، وأحب أن أحافظ على الروح العربية في كل الألحان التي أقدّمها وحتى في كلمات الأغنيات، وأحرص على المحافظة على هذا المنحى الشرقي ولمسة الحنّية الموجودة في الموسيقى العربية عموماً في أعمالي الغنائية. وفي هذا الألبوم سأقدّم أغنية بالاشتراك مع فنان عربي سيقوم بالغناء بالعربية بينما أغنّي أنا بالإنكليزية».
عودة إلى الجذور
وعن سبب تمسّكه بجذوره يقول: «هاجرنا وبقينا 30 عاماً في كندا ولكننا حافظنا على هويّتنا اللبنانية في منزلنا. الإنسان يجب ان يحافظ على أصوله وأن يفتخر بجذوره وأن يمثّلها باعتزاز لأنّ ذلك يساهم في تكوين شخصيته وتكريس فرادته، ومن عمر صغير واظبت على دراسة اللغة العربية في أيام السبت ونهايات الاسبوع لأحرص على عدم نسيان كيفية القراءة والكتابة باللغة العربية، حتى إذا ما رُزقت بأولاد يوماً ما أستطيع أن أنقل اليهم تراثنا وحضارتنا».
وعمّا إذا كان ألبوم «بيروت» سيتفوّق على نجاحاته السابقة التي حققت ملايين المبيعات حول العالم، يجيب: «العمر يلعب دوراً كبيراً في التطوّر، وقد تعلّمت الكثير على مرّ السنوات التي كنت خلالها أواظب على تسجيل الاغنيات والكتابة والتلحين.
وأعتقد أنّ الإنسان طالما يصرّ على التعلّم والتطوّر يستطيع أن يتقدّم ويقدّم أعمالاً أجمل. وأنا ممتنّ أنّ الأغنيات التي نقدّمها في السنوات الأخيرة تحقق نجاحات تفوق نجاحات أعمالي الأولى على رغم أنّ نجاح الماضي كان أيضاً مذهلاً، ولكنّ الأغنيات الجديدة هي من دون شك تحاكي روح الزمن الحالي بموضوعاته المعاصرة وذائقته الموسيقية».
هذا ما لا يتغيّر
وعمّا تغيّر في مساري بين الأمس واليوم يرى النجم الشاب أنه «مع مرور الزمن هناك أمور كثيرة تتغيّر في الإنسان بشكل عام، ولكن ما لن يتغيّر أبداً من اليوم الأول الذي بدأت فيه في مجال الفن إلى اليوم الأخير هو إيماني بأنّ التواضع هو كساءُ الموهبة الحقيقي، فلا يمكن أن يكون الإنسان فناناً حقيقياً إن فقد التواضع وهذا ما يجب أن يحافظ عليه مهما بلغ من مراتب عالية».
هذه السمة هي بالتحديد ما يقف عنده مساري في حديثه عن التعاون الذي جمعه أخيراً بملكة جمال الكون لعام 2016 «بيا فورتسباخ» في كليب So Long، حيث يقول: «بالطبع إنه شعور رائع بأن تصوّر إلى جانب واحدة من أجمل نساء العالم، ولكنّ الأهم بالنسبة لي هو أنه رغم النجاح الباهر الذي حققته بتبوّئِها عرش الجمال العالمي، إلّا أنها حافظت على إنسانيّتها وتواضعها وهذا ما جعل العمل معها رائعاً بكل المقاييس فقد تعاونت بشكل مذهل مع فريق العمل وساعدتنا لنجعل هذا الشريط المصوَّر بمثابة عمل لا يموت ومرجعيّة في مجاله».
هذه علاقتي بالمرأة
وعن علاقته بالمرأة عموماً يعترف: «المرأة مرادف للجمال ولكنها أكثر من ذلك بكثير. بالنسبة لي المرأة هي الحياة كلها، المرأة هي الأم والأخت والزوجة والإبنة والصديقة المفضلة. وأجد أنه فعلاً خلف كل رجل عظيم امرأة لا تقل عنه روعة. وبالنسبة لي المرأة تشغل جزءاً رائعاً وكبيراً من حياتي، فعلاقتي بوالدتي عزيزة جداً على قلبي ولها فضل كبير في جعلي الرجل الذي أنا عليه اليوم».
وعن علاقته بالمنتج الموسيقي اللبناني-الأميركي وسيم صليبي وزوجته ملكة جمال الولايات المتحدة الأميركية سابقاً ريما فقيه يقول: «أنا ووسيم صليبي «أخوة» منذ 20 عاماً وهو بمثابة شقيقي الأكبر وأنا أتّكل عليه في أمور كثيرة في حياتي وأثق برؤيته، وفي الوقت نفسه أشعر أنّ بيننا صداقة أكبر بكثير من مجرّد العمل.
ومررنا طوال سنوات بظروف صعبة وتخطيناها سوياً وساندنا بعضنا مثل الأخوة. وأنا سعيد من كل قلبي أنه استطاع أن يجد إنسانة صاحبة قلب نقي مثل الذهب كريما فقيه التي اعتبرها أختي الصغيرة وأشعر بفخر كبير بأنها اليوم جزءٌ من العائلة».
نعم لهدم الجدران
وعن أحلامه بعدما حقق النجومية العالمية يقول: «صراحةً أشعر بالامتنان إزاء النجاح الذي حققته والذي يعود الفضل فيه أوّلاً إلى الجمهور والناس. هم السرّ وراء نجاحي. والنجاح بالنسبة لنا كلبنانيين يكتسي قيمةً مضاعفةً لأننا كشعب، لدينا جميعاً الرغبة الصادقة بهدم الجدران التي تُبنى حولنا، ولأننا وُضعنا في ظرف مؤسف جعلنا سجناء خلف جدران وهميّة تفرّق بيننا كشعب واحد، ولذلك نحن بحاجة ماسة لتظهير نجاحاتنا ولنتخطّى اختلافاتنا ونتوحّد من أجل أن يظهر نجاحنا إلى العالم».
نتعلّم من الندم
وعن أكثر ما يندم عليه وما يعتزّ به يكشف: «كلّ إنسان لديه ندم معيّن في حياته ولكنه يجب أن يتعلّم منه ولا يجب أن يسمح للندم أو العقبات أن تمنعه من تحقيق أمور عظيمة في الحياة.
وأعتقد أنّ أجمل قرار اتّخذته في حياتي هو أنه بعدما كنتُ قد مررتُ في ظروف صعبة جداً في حياتي، اتخذت قراراً منذ نحو سنتين بالعودة للعيش في لبنان لأكون متواجداً في بيروت بين أهلي وناسي، فأعود إلى جذوري وأستلهم من أرضي الموسيقى الرائعة التي يمكنني أن أقدّمها من جديد.
وأنا ممتنّ جداً لاتّخاذي هذا القرار رغم صعوبته وما تطلّبه من تغيير جذري في نمط حياتي، وهذه العودة إلى الجذور كانت مصدرَ الوحي الأوّل لإنتاج هذا الألبوم فشكراً لـ «بيروت» ملهمتي وحبيبتي»!