تحت عنوان "ممثلو "الهيبة" أكيد من كوكب آخر!" كتبت رنا اسطيح في صحيفة "الجمهورية": الاستيقاظ باكراً من أجل إيصال الأولاد إلى المدرسة أو الذهاب إلى العمل أو حتى دفع "كمبيالة" البنك المستحِقة، كلّها أمور لم تعد همّاً منذ بداية شهر رمضان. كل شيء قابلٌ للتأجيل في ما عدا المواعيد الثابتة لعرض حلقات مسلسل "الهيبة" الذي يجرُّنا من كلّ حواسنا راغبين أو مكرَهين، للتسمّر أمام شاشاتنا في حال ذهول تتطلّب تشخيصاً فورياً! داخل المنازل، وفي المصعد وأمام البناية وفي الشارع وعند البقّال وحتى في زحمة السير وعند كل مناسبة تسنح للقاء شخص أو أكثر، يحضُر "الهيبة" حديثاً إلزامياً على كل لسان، وكأنّ هناك حالةً من الذهول تسود بين كل من رأى مشهداً أو تابع حلقةً من المسلسل.

منذ الحلقات الأولى يبدو أنّ هناك عدوى حقيقية تنتشر من دون أن ينتبه إليها أحد، فمن شاهد يشهَد ويطالب كل مَن حوله بالمشاهدة، فالسؤال الموحّد الذي بات يباغتنا أينما وُجدنا: هل شاهدت حلقة الأمس من "الهيبة"؟ وبعدها يبدأ سيل طويل من أسئلة لا تنتهي...

من اللحظة الأولى للحلقة الأولى لمسلسل "الهيبة" (mbc drama، السومرية، mtv اللبنانية) عرف مؤلّف النصّ وكاتب سيناريو وحوار "الهيبة" هوزان عكّو أن يوقعنا في فخ المتابعة الإجبارية، ولم يمهِل المشاهد أيّ فرصة لغض النظر.

لم يمهّد أو يؤجّل بل شرع توّاً في تثبيت الألغام في أرض نصّه، لتنفجر بوجهنا مع كل مشهد جديد جماليات القصة وتعقيدات الحبكة المدروسة وشظايا التشويق المتطاير من كل حدبٍ وصوب، لنجد أنفسنا فجأة داخل حرب حقيقية ينتصر فيها النص في كل جولة ومع كل مشهد جديد، فلا يخذل ولا يتباطأ، ليشكّل وعداً منذ حلقاته الأولى بقصّة سيستمرّ سحرُها طويلاً.

وإن كان هوزان عكّو سيّد المعارك النصّية فإنّ المخرج سامر البرقاوي يستحق عن جدارة لقب الساحر، فإما أن يكون بهاء صورته ضرباً من ضروب السحر والخدع البصرية أو أنّ هذا المخرج الفنان لديه قدرة عجائبية على قراءة كل الكلمات التي يقولها النص والتي لا يقولها، وتلك المختبئة خلف نظرات ممثليه.

كاميرته المفتونة بقامات ممثليها تلاحقهم في البيوت والحقول وتتلصّص عليهم من النوافذ، وتسترق نظرةً من خلف الأبواب المشرّعة على نصف انغلاقة، تبحث عنهم في المرايا وحتى في انعكاسات ظلالهم على الأرض، تمعن في الوجوه كعين محقِّق تستجوب موقوفاً، فتُشعِر المشاهد أنّ الكاميرا ليست رفيقته في المشاوير إلى "الهيبة" وحسب وإنما العين التي تأخذه إلى ما بعد الوجه، وإلى داخل الأذهان وأفكار الشخصيات.

ولممثلي الهيبة حكاية أخرى، ممثلون لم نعد نتذكّر أسماءهم ولا هويّاتهم أو جنسياتهم. ممثلون تماهوا في أداورهم لدرجة أنهم أصبحوا ببساطة جبل وعليا وناهد عمران وصخر وشاهين ودب وسواهم من الشخصيات التي رغم أنها تعيش قصصها داخل عوالم النص وعلى أوراق السيناريو وتمثّل أبناءَ تلك البلدة النائية بما فيها من خصوصيّة اللهجة والهوية، إلّا أنها تحمل في صراعاتها الإنسانية أبعاداً عالمية تصلح لأن تكون مشاعر قد يعيشها أيّ إنسان في أيّ زمان ومكان.

وماذا نقول عن هيبة الممثلة منى واصف؟ إمرأةٌ من صخر وصبر، وماردة في صمتها وكلامها وحركتها وفي نومها ويقظتها، وفي نبرة الصوت القادر على التنقّل بين حنّية الأم وصرامة الزعيمة لتكون زعيمةً فعلية للدراما العربية.

وتيم حسن الذي لطالما أغوى الكاميرات بسحر الأداء وإبداع النظرات وكاريزما "الجنتلمان" الرقيق، يبدو في "الهيبة" كوحش كان يخفي أظافره تحت قفازات من حرير، فها هو يمزّقها ويخلع معها جلده، ليتحوّل إلى "جبل" في الزعامة والجبروت والغضب المضغوط في نظرة معدّة للانفجار في أيّ لحظة، وحشٌ كلما مرّر يده لتلامس اللحية المرخيّة مرّر إشارةً بأنه يهدّئ نفسه بانتظار ثورة الغضب المقبلة.

أما نادين نجيم فمايسترا الأداء التلقائي العميق، ممثلةٌ ذات أداوت فتّاكة، عرفت كيف تمهّد حتى الآن بهدوء خطير للعاصفة التي تحضّرها شخصيّتها، فنثرت برشاقة مؤشرات صغيرة في حقل أدائها لتحوّلها قريباً إلى أرض معركة ضروس ستناضل فيها بشراسة من أجل حقوق وحيدها.

وماذا نقول عن عبدو شاهين الذي ما انفك يسحرنا بأداء سخي أو عن أوس مخلالاتي الذي يصلح أن يكون كإسمه صخرةً يتكسّر عليها أيّ أداء آخر ركيك، وسامر كحلاوي الذي كحّل عيوننا بدور مغمّس بالإبداع أو وجيه صقر، أحد صقور الدراما اللبنانية الذي يعرف كيف يقتنص دوره ببراعة صيّاد، وكارلا بطرس المغوية التي تعرف كيف تسحب كل النظرات صوبها كأفاعٍ تتراقص على صوت مزمار أدائها وسحرها...

ماذا نقول عن كل ممثل في "الهيبة"؟ ممثلون يحملون إبداعاتهم هوية، أنسَوْنا أنهم سوريون أو لبنانيون أو عرب حتى، ممثلون من كوكب آخر اسمه حالياً "الهيبة" له قوانين خاصّة في الجاذبية، وقواعد فريدة في المدّ والجزر ومختلف الظواهر غير الطبيعية، التي تجعلنا نسافر إليه بسرعة ضوئية لا تتخطى الثواني الاولى من إنطلاق كل حلقة جديدة في كل مساء. فشدّوا الأحزمة عسى أن تكون الحلقات المقبلة صاروخيةً كما سابقاتها!