كسر الجليد السياسي والانتخابي واقترب الإتفاق على قانون الانتخاب. لكن التصلّب بالمواقف بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري لايزال على حاله. لم يرد رئيس الجمهورية أن ينصاع إلى توجهات بري، تنازل بناء على تدخل حزب الله والرئيس سعد الحريري، ووقّع مرسوم فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب، قبيل الإفطار الجامع الذي دعا إليه في بعبدا، إكراماً لبري الذي سيشارك فيه، لكن عون حدد موعد الدورة ليس من تاريخ التوقيع، بل من 7 حزيران، وذلك كي لا يظهر وكأنه انصاع لبري الذي دعا إلى جلسة في 5 حزيران. ما يعتبره عون خرقاً للدستور.
حقّق بري ما يريده في الخلوة الثلاثية التي جمعته والرئيسين عون والحريري. حصل على مرسوم الدورة الاستثنائية، وعلى إقرار من عون بالإقلاع عن مسألة نقل المقاعد أو تخفيض عدد النواب، فيما حصل عون على ما يريده، بتجنب التمديد القسري لمجلس النواب، وبالتوجه نحو إقرار قانون جديد متطور يُسجّل للعهد. كان بري أول الواصلين، وجهت إليه مباركة على المصالحة مع الحريري، فما كان منه إلا أن نظر إلى الرئيس نجيب ميقاتي قائلاً إليه: "يا نجيب عم يباركولك بالصلحة". هي سرعة بديهة بري الطريفة، والتي كانت كفيلة بالإيحاء إلى أنه يسير بالتسوية والإتفاق على مضض، إن لم يكن مرغماً. الأمر نفسه فعله النائب وليد جنبلاط من على المائدة، إذ غرّد قائلاً: "يا ترى هل سيكون طبق Fettuccini ضمن افطار الرئاسة؟ لا اعتقد وحتى clark gabel غائب نحن في بعبدا وليس روما". وهي إشارة أيضاً إلى إمتعاض ما.
وحقق عون ما يريده، بأن مرسوم الدورة الإستثنائية وإعلان الإتفاق على القانون حصل من قصر بعبدا، وبأنه مرجعية الجميع، والإنجاز تحقق حين كان الجميع في حضرته. في موازاة ذلك، كان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والنائب جورج عدوان، أكثر المزهوين. قانونهما هو الذي سلك طريقه إلى التطبيق. تعتبر القوات أنها حققت إنجازاً في ذلك. وهو سيفتح أمامها دوائر لم تكن تتوقع أن تُفتح لها. بالتالي، فإن النتيجة ستكون بالحصول على كتلة نيابية لا تقل عن خمسة عشر نائباً. مقابل ذلك، اعتبر بعض المنزعجين من خطوة القوات، أن تحالف تياري المستقبل والوطني الحر متقدّم، ما سيجعل القوات من النادمين لاختيار هذا القانون. الجميع كان منهمك باحتساب المقاعد والنتائج، فيما الوزير نهاد المشنوق، كان على هدوئه، معتبراً أن هذا القانون يحتاج إلى ستة أشهر أو أكثر من التحضير لتطبيقه واجراء الانتخابات على أساسه. الجميع يخرج منتصراً، من يريد التمديد، ومن يريد القانون الجديد، ومن يريد النسبية.
خلال اللقاء الثلاثي بين الرؤساء، كانت الأجواء تفاؤلية. اقتضت الواقعية التغاضي عن الخلافات، والإقرار بوجوب التوافق لأن الوقت داهم. وفيما ترك بعض التفاصيل إلى الأيام المقبلة، تم الاتفاق على الخمس عشرة دائرة، وإبقاء عدد أعضاء المجلس على ما هو عليه، وأن يكون الصوت التفضيلي على القضاء وليس على أساس طائفي. ووسط هذه الأجواء، اعتبر الوزير جبران باسيل، في دردشة مع الصحافيين، أن الإتفاق تم ولكن هناك عمل ومناقشة في ما يخص بعض التفاصيل. وفي هذا إشارة إلى أن التيار يريد تحصيل بعض المكاسب، في ما يخص الحسابات، أي العتبة، والكسور والحاصل الانتخابي.
يوحي الجميع بأنهم مستفيدون من هذا الإتفاق، فيما تقديرات البعض هي أن تيار المستقبل سيكون خاسراً إلى حد ما، إذ من المتوقع أن يتضاءل عدد كتلته. لكن الحريري يؤكد أنه يفعل ذلك في سبيل مصلحة البلد، ومستعد للتنازل. فخسارة الحريري تكمن في أن بعض المعارضة السنية ستفوز بمقاعد معينة، وقد يخسر بعض النواب المسيحيين. لكنه يكون ضمن التوافق مع التيار الوطني الحر وحزب الله، لتأمين فوزه برئاسة الحكومة لمرحلة ما بعد الانتخابات.
لدى مغادرته اكتفى الرئيس بري بالتأكيد أن "كل شي منيح". أضاف: "الأمور كانت إيجابية. وحصَل تفاهم بشأن قانون على أساس 15 دائرة مع النسبية. وهو اتفاق على الخطوط العريضة. واقترحتُ تشكيل لجنة لدرس التفاصيل التقنية". فيما أكد الحريري أن الإتفاق تم، وأن هناك لجنة ستتابع إنجاز التفاصيل التي ستنتهي خلال أيام قليلة. ولا شيء سيؤخر ولادة القانون أو يعرقله.
وبعد الإفطار، عقدت خلوة بين عون وجنبلاط. وتلفت المصادر إلى أن اللقاء كان إيجابياً، وتخلله بحث على تعزيز العلاقات، وتوفير إنطلاقة جيدة للعهد، بمعزل عن الخلافات السياسية، وبتعزيز التنوع ومصالحة الجبل، التي يجب أن تتعمق في الانتخابات المقبلة بناء على القانون الجديد. وأكد جنبلاط لعون أنه حريص على التنوع في الجبل. وأوضح له وجهة نظره بكل صراحة. وقال بعد اللقاء: "اللقاءات مع عون تكون دائماً صريحة. وأعتقد أنّنا مقبلون على قانون انتخاب جديد. لا للتمديد ولا للستين. إذاً، هذه السهرة مباركة".