تحت عنوان "قصّة عمر معين مصطفى من فتح إلى داعش" كتب ناصر شرارة في صحيفة "الجمهورية": قبل أن توقفه مديرية أمن الدولة، كان عمر معين مصطفى تحت مراقبة أجهزة أمنية ولبنانية وفلسطينية على حدّ سواء. خلال حياته في مخيّم برج البراجنة الذي ولِد فيه، تنقّلَ عمر من حركة "فتح" التي كان عضواً ناشطاً فيها خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي، إلى تنظيم "القاعدة" بعد العام 2005 ومن ثمّ إلى "داعش" منذ ظهور الأخيرة. منذ سنوات، ارتدى عمر معين مصطفى فجأةً زيّ "القاعدة" الكاكي الداكن اللون، وفتح محلّ سمانة صغيراً يَملكه في مخيّم برج البراجنة. ومنذ سنوات قطع صلته بـ"فتح"، على عكس شقيقه الذي لا يزال يعمل موظفاً في جهاز أمن السفارة الفلسطينية في بيروت.
داخلَ المخيّم يشتهر عمر مصطفى، بحِرفيته العالية بقيادة درّاجته النارية التي يستخدمها في تنقّلاته داخل المخيم وخارجه تحت حجّة إمداد محلّه بالبضاعة. في الفترة الاخيرة اصبحت قصة انتمائه الى "داعش" شبه معلنة بين اوساط المخيم الأمنية، ومع ذلك ظلّ قرار القبض عليه مرهوناً بلحظة خروجه من المخيّم ليصار الى تنفيذه. وهذا ما حَدث أمس الأول حيث كمنَت له دورية من امن الدولة عند اطراف المخيّم لجهة حي عين السكة.
عمر معين مصطفى يتحرك بتوجيهات قيادي في «داعش» موجود في مخيّم عين الحلوة بحسب ما وَشى به موقوفان اثنان من «داعش» كانا يقيمان في المخيّم. وهذا دليل جديد الى دور عين الحلوة كمركز تستوطنه "النصرة" و"داعش" لتديرا منه الإرهاب عبر لبنان وكلّ المخيمات الفلسطينية الاخرى.
قبل فترة وجيزة أوقَف الامن اللبناني مجموعة تضمّ أربعة أشخاص في مخيّم شاتيلا، هم سوريان وفلسطيني ولبناني، وبيَّنت التحقيقات معهم التي بلغت نحو ثمانين صفحة أنّ ثلث صفحاتها، تضمَّن اعترافَهم بجهود بَذلوها لتنظيم عمليات إرهابية في مخيّمات بيروت الفلسطينية وبينها قتلُ القائد العسكري للقيادة العامة العميد "ابو راتب" ومقرّه في مخيّم برج البراجنة.
وفي حادث آخر ذي صلة، أوقَف الامن العام اللبناني (ش. ك) قبل يومين من توقيف عمر مصطفى، وهو فلسطيني من مخيّم برج البراجنة. والأخير استُدعيَ الى مكتب تنظيم فلسطيني في المخيّم، وهناك ابلغ أنّه مطلوب للأمن العام. يملك (ش ك) صيدلية في المخيّم، علماً أنّه ليس حاصلاً على إجازة صيدلة، وكان سبق توقيفه بتهَم اختلاسات مالية، وتُرجّح أوساط أمنية فلسطينية أنّه مسؤول عن تأمين العملية اللوجستية التمويلية لخلايا «داعش» التي بينها مجموعة عمر معين مصطفى.
لكن ضمن قصّة عمر معين مصطفى، توجد قصة أبعدُ أثراً وهي على صلة برمزيته كنموذج للهجرة التي قامت بها خلال العقدين الأخيرين بيئات داخل حركة "فتح" في سوريا ولبنان في اتّجاه اعتناق فكر "داعش" و"النصرة" والسلفية الجهادية التكفيرية.
بين عامَي 1988 و2017 تغيَّر اللاجئ الفلسطيني في مخيّم برج البراجنة عمر معين مصطفى بدرجة حادة. ويمثّل تحوّله العقائدي نموذجاً لقصّة اقتحام الحالة السلفية الجهادية الشتاتَ الفلسطيني ومخيّماته في لبنان.
يندرج اسمُ عمر في أحداث العنف التي حصلت في مخيّم برج البراجنة عام 1988 بين «فتح ـ الانتفاضة» وحركة «فتح ـ عرفات»، بصفته الرَجلَ الاكثر تشدّداً في انتمائه الى «فتح» وهويتها الوطنية الفلسطينية، وذلك في مواجهة ابو موسى قائد «فتح ـ الانتفاضة» التي خوّنت ياسر عرفات واتّهمته بانعزاليته الفلسطينية على حساب عروبة «فتح».
وتَحفظ السجلات الامنية التابعة لـ«فتح ـ الانتفاضة» عن تلك المرحلة روايةً لافتة عن معين مصطفى، تؤشّر إلى تركيبته العقائدية الصارمة والعنيفة، وكانت قد دارت أحداثها في ساحة مخيّم برج البراجنة، حيث نكّلَ بجثّة قائد من «فتح ـ الانتفاضة» كانت «فتح» اختطفته وقتلته في المخيّم.
وبعد يومين من إبقاء الجثة في ساحة برج البراجنة اقترَب منها عمر معين مصطفى بعد أن أمرَ النِسوة بالابتعاد عن المكان وأحاط نفسه ببعض عناصر «فتح» ثمّ رفع الغطاء عن الجثة وراح يبصق عليها ويبول.
تصف سجلّات «فتح ـ الانتفاضة» عن تلك المرحلة «عمر معين مصطفى» بأنه من أبرز نشَطاء حركة «فتح» الأساسيين داخل مخيّم برج البراجنة المتّصفين بالتشدّد والتعصّب لتنظيمها وخطّها السياسي. وتشير إلى انه بعد انسحاب السوريين من لبنان عام 2005، بدأت مرحلة تحوّلِه الفكري والعقائدي، وذلك بتبديله اعتناقَه المتشدّد لـ«فتح» ذات الطابع الوطني وغير الديني، الى اعتناق أفكار تنظيم «القاعدة» ذات التوجّهات السلفية التكفيرية المغالية، والتي تستبدل شعار «النضال من أجل تحرير فلسطين» بشعار «الجهاد من أجل إقامة دولة الخلافة على مستوى الأمّة الإسلامية».
الصفة المشتركة التي ظلّت ثابتة في شخصية «عمر معين مصطفى» خلال هاتين المرحلتين هي سِمته «كعقائدي متشدّد يميل للتعامل مع الآخر الذي لا يشاطره اقتناعَه بالعنف المفرط» الذي يصل الى حدّ تشويه جثثِ معارضيه في الرأي.
وبحسب خبراء أمنيين فلسطينيين، فإنّ اتّجاه عمر مصطفى للانضمام إلى «القاعدة» بعد عام 2005، حدثَ نتجية تأثُّرِه بإرثٍ فكري بَرز في «فتح» خلال السبيعنات والثمانينات من القرن الماضي، كان يدعو إلى تبنّي «الأسلمة» (من إسلام) الفكرية في داخلها. وإلى مرحلة معيّنة كان علمانيو حركة «فتح» يتّهمون ياسر عرفات نفسه بأنه ينتمي لهذا الاتجاه.
وادّعى هؤلاء آنذاك أنّ حركة «فتح» منقادة فعلاً من تنظيم صغير موجود على نحو خفي في داخلها، يدعى «حزب التحرير الإسلامي» الذي يدعو إلى الخلافة الإسلامية والذي كان «أبو عمّار» و«أبو جهاد» أعضاء فيه في الكويت قبل تأسيسهما حركة «فتح».
والواقع أنّ تنظيم «فتح الانتفاضة» بقيادة أبو موسى الذي قاتله عمر معين مصطفى بشراسة في مخيّم برج البراجنة دفاعاً عن «فتح - عرفات»، نهايات ثمانينات القرن الماضي، كان بدوره شهد لاحقاً أهمّ اختراق سلفي جهادي لبيئات «فتح»، تمثّلَ بظهور حالة شاكر العبسي.
ويُشاع أنّ العبسي الذي كان طيّاراً حربياً، كسبَ ثقة أبو خالد العملة الزعيم الفعلي لـ«فتح الانتفاضة» بعدما عرَض عليه فكرة أنّه يخطط لقيادة طائرة حربية وتفجير نفسِه بها فوق الكنيست الإسرائيلي.
ثمّ جاء العبسي الى لبنان، تحت غطاء أنّه منتمٍ الى «فتح الانتفاضة»، ووزّع مناصريه الجهاديين في ثلاثة مواقع: مخيّمَي برج البراجنة وشاتيلا ومنطقة بئر حسن. ثمّ لاحقاً هاجَر مع جماعته بعدما كشفَت «فتح الانتفاضة» أمرَهم، إلى مخيّم نهر البادر ليكشفَ هناك هويته الجديدة السلفية الجهادية الفلسطينية تحت اسم «فتح الإسلام».
إنّ الرمزية المضاعفة لنموذج عمر معين مصطفى كأخطر إرهابي داعشي في لبنان، كما وصَفه بيان مديرية أمن الدولة، تكمن في أنه داخل قصّة رحلته لاعتناق فكر «داعش»، توجد قصّة تحَوُّل بيئات داخل «فتح» في سوريا ولبنان خلال السنوات العشر الأخيرة، من «الوطنية الفلسطينية» إلى «الإسلامية الجهادية».