مع إقرار اتفاق "تخفيف التصعيد" في أستانة، قبل أقل من شهر، بدأت المعارك في سورية تتركز شرق البلاد، الخاضعة بشكل عام لسيطرة تنظيم "داعش"، والمستثناة من هذا الاتفاق. ويدور صراع غير خفي بين قوى دولية وإقليمية ومحلية مختلفة للسيطرة على "تركة داعش" في تلك المنطقة الممتدة على مساحات شاسعة، والتي تعادل أكثر من نصف مساحة البلاد، والمتصلة مع حدود العراق والأردن. وفي وقتٍ تقترب فيه معركة الرقة من الحسم، تدور بشكل مواز معارك أخرى في الجنوب الشرقي من المنطقة، الممتدة من نقطة تقاطع الحدود السورية العراقية الأردنية قرب معبر التنف، ومنها غرباً كخطٍ مستقيم إلى ريف حمص الشرقي، عند أقرب نقطة وصلت إليها قوات النظام في منطقة السبع بيار (على بعد 50 كيلومتراً من منطقة التنف) وصولاً إلى جنوب هذا الخط في محافظتي درعا والسويداء.

وقد شنّت فصائل من "الجيش الحر" العاملة في البادية السورية، هجوماً على قوات النظام السوري والمليشيات المساندة له، وانتزعت منه مواقع تقدّم إليها النظام في الأيام القليلة الماضية. وأفاد فصيل "جيش أسود الشرقية" في حسابه على "تويتر" أنه "وفصيل قوات الشهيد أحمد العبدو، هاجما مواقع النظام والمليشيات الإيرانية في البادية السورية، ضمن معركة (الأرض لنا). وتمّ كسر خطوط الدفاع الأولى للمليشيات الإيرانية، والسيطرة على نقاط متقدمة بالقرب من حاجز ظاظا والسبع بيار في البادية السورية". وأشار الفصيل في تغريدة أخرى، إلى أن "سيارات محملة بقتلى من المليشيات الايرانية انسحبت باتجاه مطار السين مع تصاعد ألسنة اللهب داخل مواقع النظام بعد استهدافهم بالراجمات".

بدوره، أفاد الناشط وسام القلموني لـ"العربي الجديد"، أن "الاشتباكات تتركّز في محيط منطقة حاجز ظاظا وفي منطقة السبع بيار، في محاولة من الفصائل انتزاع هذه المواقع من قوات النظام"، مشيراً إلى أنه "سُجّل تحليق مكثف للطيران الحربي الروسي في سماء المعركة، بشنّه غارات عدة على نقاط الاشتباكات ومناطق سيطرة الجيش الحر، في محاولة منه لوقف تقدم مقاتلي المعارضة".

وأضاف القلموني أنه "في المقابل فإن الفصائل هاجمت قوات النظام من دون إسناد جوي من طيران التحالف كما كانت تأمل، الذي استهدفت طائراته قبل حوالى أسبوعين قوات النظام خلال محاولتها التقدم نحو معبر التنف الحدودي مع العراق. كما ألقت طائراتهم مناشير أخيراً، تحذّر تلك القوات من الاقتراب من منطقة المعبر ومحيطها وتدعوها للانسحاب من المنطقة".

وكان المتحدث باسم البنتاغون جيف دافيس قد شدّد، مساء الثلاثاء، على أن "وجود المليشيات المدعومة من إيران والمساندة لنظام الأسد قرب منطقة التنف، يهدد قوات التحالف الدولي المنتشرة هناك". وأوضح أن "المليشيات المقرّبة من النظام السوري تواصل حشد قواتها حول المنطقة التي أعلنت الولايات المتحدة أنها منطقة فاصلة".

وحذّر من أنه "في حال رفضت القوات المدعومة من قبل النظام مغادرة المنطقة، فإن الولايات المتحدة سوف تخطو خطوات في إطار مبدأ حماية القوات". وأضاف دافيس أنهم "شاهدوا المليشيات تقوم بدوريات في شمال التنف وغربه، وأن قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة ألقت منشورات من الجو لتحذير تلك القوات من أجل الابتعاد عن المنطقة".

من جانبها، ذكرت قوات النظام أنها "استعادت أكثر من خمسة آلاف كيلومتر مربع من البادية السورية في ريفيَ دمشق وحمص، منذ التاسع من مايو/أيار الماضي، على حساب تنظيم داعش وفصائل المعارضة المدعومة من جانب التحالف الدولي. وامتدت منطقة التقدم من منطقة المحسة ومحيطها جنوباً، إلى تلال محيطة بمنطقة الباردة شمالاً، وصولاً إلى السكري شرقاً، وحتى مثلث ظاظا جنوباً". كما حققت قوات النظام تقدماً على شكل ممر ضيق من حاجز ظاظا وصولاً لمنطقة الشحمي وزركا على الطريق المؤدي إلى معبر التنف الدولي.

كما أعلنت مصادر مختلفة أن "إيران تسعى إلى إيجاد ممر بري يربطها مع البحر المتوسط عبر العراق وسوية ولبنان. وكان من المفترض أن يمرّ هذا الطريق من الشمال السوري قبل أن ينتقل إلى الجنوب، تفادياً للمواجهة مع الولايات المتحدة المسيطرة في الشمال، ولكن وجود قاعدة أميركية بمنطقة التنف بات يهدّد ممر إيران الجديد أيضاً".

وسعت إيران إلى تحدّي التحذيرات الأميركية، وما زالت تطلب من مليشياتها وقوات النظام التقدم في المنطقة، مثلما وجّهت مليشيات "الحشد الشعبي" العراقية التوجه من الموصل باتجاه الغرب نحو الحدود السورية، بهدف زيادة الضغط على الولايات المتحدة وإظهار أن لإيران اليد الطولى في المنطقة.

ويوم أمس الأربعاء، تمكنت "الحشد الشعبي" من الوصول إلى قرية أم جريص على الحدود العراقية - السورية، مقابل ريف الحسكة الجنوبي، وذلك عقب انسحاب "داعش" من المنطقة، فيما تسيطر "قوات سورية الديموقراطية" على الجانب السوري من الحدود.

وأشار محللون، إلى أن "مليشيا الحشد الشعبي ستتجه جنوباً لاستكمال السيطرة على قرية البعاج والقرى المحيطة بها، ثم التعمّق باتجاه الجنوب وصولاً إلى المناطق المقابلة لريف دير الزور. وذلك بالتزامن مع عملية عسكرية لقوات النظام والمليشيات المساندة لها، من تدمر إلى دير الزور لفتح طريق طهران – بغداد – دمشق - بيروت من جديد".

من جهتها، زادت الولايات المتحدة من حجم الدعم المقدم، خلال الأيام الماضية، لفصائل المعارضة لمواجهة الاندفاعة الجديدة للمليشيات المدعومة من إيران. ونقلت وكالة "رويترز" عن مصادر معارضة مسلحة، قولها إن "الدعم الأميركي يأتي عبر قناتين مختلفتين، الأولى ضمن برنامج "الموك" المدعوم من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وأطراف إقليمية، ومقرّه العاصمة الأردنية عمّان، وبرنامج آخر تديره وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون)".

ونقلت الوكالة عن قائد "جيش أسود الشرقية" طلاس سلامة، الذي قال "إن الدعم زاد، ومن غير الممكن أن نسمح لهم بفتح طريق دمشق ــ بغداد". وقال قائد معارض آخر إن "الفصائل حصلت، خلال الأسابيع الماضية، على آليات ثقيلة وصواريخ تاو ومدرعات"، لافتاً إلى "تسارع جهود تجنيد وتدريب عناصر من أبناء محافظة دير الزور في قاعدة التنف".

وليس بعيداً عن هذه المعارك، تدور مواجهات أخرى في محافظة درعا، جنوبي البلاد، ويستقدم النظام تعزيزات لترميم موقفه المتراجع في القتال مع فصائل المعارضة في حي المنشية بدرعا البلد. وتقول المعارضة إنها "دمّرت رتلاً مؤازراً لقوات النظام، كان آتياً من مدينة أزرع في طريقه إلى درعا البلد. كما قصفت مواقع النظام في بلدة خربة غزالة الواقعة على طريق دمشق – درعا".

من جهتها، أفادت صفحة "قاعدة حميميم الروسية" على "فيسبوك"، أن "روسيا أرسلت قوات برية مساندة إلى مدينة درعا لمنع حدوث سيناريوهات مفاجأة في المنطقة الجنوبية من البلاد"، بحسب تعبيرها. ولفت مصدر من المعارضة في درعا لـ"العربي الجديد"، إلى أن "النظام والمليشيات المدعومة من إيران عززوا من وجودهم في محافظة درعا في الآونة الأخيرة، في محاولة لاستعادة حي المنشية بعد سيطرة الجيش الحر على معظمه. ما يشير إلى نذر تصعيد في المحافظة، قد تشارك فيه القوات الروسية أو ربما تحاول ضبط إيقاع القتال، فلا يخرج عن السيطرة. وذلك بالتفاهم مع الولايات المتحدة والأردن، وربما إسرائيل من خلف الستار".

وفي إطار هذا التمدد الروسي المتزايد في الجنوب السوري، أفادت مصادر إعلامية في محافظة السويداء، أن "وفداً روسياً رفيع المستوى، زار المحافظة برفقة عدد من ضباط النظام السوري". وقال ناشطون محليون إن "الوفد الروسي قابل في محافظة السويداء، متزعمي مليشيات الدفاع الوطني واللجان الشعبية وكتائب البعث والحزب السوري القومي الاجتماعي، ورئيس فرع المخابرات العسكرية في المحافظة، العميد وفيق ناصر".
وسبق لـ"الحشد الشعبي" أن أرسل بدوره في 27 مايو/أيار الماضي، وفداً دينياً يتبع لمليشيا حركة "النجباء" العراقية إلى محافظة السويداء، التقى مع شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري.

 

عدنان علي