صعدت الولايات المتحدة من موقفها الحازم حيال قطر مطالبة الدوحة بالالتزام بما وقعت عليه هي ودول مجلس التعاون الخليجي في مذكرة التفاهم مع الإدارة الأميركية، والتي تم التوصل إليها في قمة الرياض، والمتضمنة إنشاء آلية للرصد والتحقق من عدم قيام أي طرف بتمويل للمنظمات المتطرفة، في الوقت الذي وصل فيه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى الكويت بحثا عن مخرج لأزمة العلاقة مع الخليج.
ونقلت صحيفة “ويكلي ستاندارد” عن أحد كبار موظفي البيت الأبيض أن الإدارة الأميركية أبلغت قطر بضرورة الالتزام بمذكرة التفاهم التي تم توقيعها في الرياض، مشيرا إلى تصريح سابق لنائبة مستشار الأمن القومي دينا باول والذي وصفت فيه المذكرة الخاصة بإنشاء مركز لمكافحة التطرف بالرياض بأنه “يتضمن أقصى التعهدات بعدم تمويل منظمات الإرهاب، وأن وزارة الخزانة الأميركية ستقوم بموجب ذلك، وبالتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي، برصد الالتزامات التنفيذية للجميع”.
وقالت “إن المذكرة تلزم الجميع بتطبيق مراقبة تمويل الإرهاب ومحاربته ومحاكمة المسؤولين عنه منظمات كانت أم أفرادا”.
وقال موظف البيت الأبيض المطلع على طبيعة الضغوط التي تسلطها واشنطن على قطر أن “أمير قطر السابق كان مصدر قلق وإزعاج لنا إذ غض النظر تماما عن تمويل القاعدة في سوريا وحماس في غزة”.
وتأتي تأكيدات المسؤول في البيت الأبيض على خلفية مكالمة هاتفية بين وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني تناولت القضايا الإقليمية بالمنطقة لا سيما الأوضاع الراهنة في ليبيا وسوريا وفلسطين وجهود مكافحة الإرهاب، وهو الأمر الذي لفت النظر إلى جدية الإدارة الأميركية في الضغط على قطر خصوصا وأن المكالمة قد تطرقت إلى الدور القطري في ليبيا.قطر كانت دوما متمردة على أي ترتيبات تتصل بمكافحة تمويل الإرهاب
ويتزامن الموقف الأميركي المتصاعد من الالتزامات القطرية مع موقف سعودي متشدد حيال الدوحة استبق زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى الكويت.
ووصل أمير قطر في زيارة إلى الكويت التقى فيها بأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح وكبار المسؤولين الكويتيين ويفترض أن تكون بداية لوساطة كويتية لحل الأزمة المتصاعدة مع السعودية والإمارات.
وكشفت مصادر سعودية مطلعة أن الرياض لن ترضى بفتح أي باب للوساطة من دون التزام مسبق بما تم الاتفاق عليه عام 2014 فيما عرف باتفاق الرياض، وأن شروطا أخرى قادمة في الطريق بعد أن أخلت الدوحة بالالتزامات السابقة.
وأكدت هذه المصادر على أن الانطباع العام في السعودية هو أنه لن تحدث تغيرات جوهرية في السياسة القطرية من دون تغييرات أعمق في الدوحة.
وقالت أوساط كويتية مطّلعة إن زيارة أمير قطر الشيخ تميم إلى الكويت وبحثه عن وساطة مع السعودية والإمارات لا يمكن أن يكونا دليلا على حسن النية ما لم تبادر الدوحة إلى إطلاق تصريحات رسمية تنقض التصريحات السابقة التي أثارت غضب دول مجلس التعاون والولايات المتحدة.
واعتبرت هذه الأوساط أن الكويت لا تستطيع أن تبني وساطة تقنع بها الدول الغاضبة من السياسة القطرية دون خطوة واضحة تزيل من خلالها الدوحة اللبس حول علاقتها بالإرهاب.
وأشارت إلى أن الكويت لا يمكن أن تجازف بقبول وساطة غامضة ودون ضمانات جدية تحصل عليها من قطر، لافتة إلى أن الدوحة كان يمكن أن تبادر في سياق إجراءات استعادة الثقة إلى وقف الحملات الإعلامية ضد جيرانها، وأن تعلن عن البدء بترحيل قيادات من جماعة الإخوان المسلمين، وأن يكون ذلك مقدمة لخطوات أوسع تصفي فيها الدوحة الإرث العدائي ضد مصر.
ويرى متابعون للشأن الخليجي أن غياب الجدية القطرية في الاعتذار عن الإساءة لجيرانها يوحي بشكل جلي أن زيارة الشيخ تميم للكويت لا تعدو أن تكون مناورة لربح الوقت بما يساهم في تخفيف الضغوط الخليجية الأميركية على الدوحة.
واعتبروا أن قطر لم تعد تمتلك أي هامش للمناورة، وأن تلويحها بالانفتاح على إيران سيزيد الوضع تعقيدا في ظل التحالف الإسلامي الأميركي الذي سيضع على رأس أولوياته وقف التمدد الإيراني ومحاربة الإرهاب، وقد تجد الدوحة نفسها طرفا في التحالف المقابل ما لم تبدأ بتطويق الأزمة.
وكان اتفاق الرياض عام 2014 قد ألزم الدوحة بـ”الالتزام بالمبادئ التي تكفل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم دعم من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد، سواء عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي، وعدم دعم الإعلام المعادي”.
وشككت مراجع خليجية في أن تنجح الدوحة في فك عزلتها دون تنازلات سريعة وجدية في ضوء نفاد صبر الرياض تجاهها. وقالت هذه المراجع إن الدوحة مدعوة إلى التخلص سريعا من نفوذ الحرس القديم الذي يحكم سيطرته على سياسات قطر، ويتكون في أغلبه من منتمين إلى الإخوان المسلمين، ومن معادين لعمقها الخليجي.