عندما وجه رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل دعوة لحزب الله لزيادة فعالية تدخله في الازمة الناشئة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، طالبا منه تقديم ضمانات للتفاهمات التي يجري العمل على انضاجها، فانه حاول «فك شيفرة» تراجع الحزب «خطوة» الى «الوراء» وعدم المضي قدما في فكفكة «الالغام» من طريق العلاقة «المتفجرة» بين عين التينة وكل من بعبدا والرابية. لكن هذا «العتب» الودي ليس في مكانه بحسب اوساط بارزة في 8آذار، لان الوزير يدرك جيدا ان الحزب وصل الى نقطة حرجة للغاية وباتت «النيران الصديقة» مؤذية، فضلا عن اولويات أخرى تشغل بال قيادة المقاومة التي لم تعد تفهم حقيقة اسباب هذا «الكباش» الذي لن يوصل الى اي مكان، فلماذا «الغرق» في مستنقع التجاذبات الداخلية والتعرض «لندوب» يمكن تجنبها، خصوصا ان الجميع محكوم «بالنزول عن الشجرة» مهما بلغ التصعيد؟
وتلفت تلك الاوساط، الى ان تجربة النقاش في الملف الانتخابي وادارة المفاوضات مع التيار الوطني الحر انتهت بنتائج سيئة للغاية، بعد ان عمد الكثيرون في بعض المراحل الى التصويب على الحزب واتهامه بانه من يعرقل حصول المسيحيين على حقوقهم ما اضطر الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله التدخل علنا، ومن وراء «الكواليس» لتوضيح حقيقة موقف حزب الله الذي ايد  من البداية القانون الارثوذكسي، ولا يقف عقبة امام اي خطوة تريح «الجو» المسيحي، لكن بشرط ان لا يكون في الامر تجاوز لمصالح الحلفاء المسيحيين وغير المسيحيين... وبعد ان وصلت الامور الى مراحل «مزعجة» للعلاقة الثنائية، وبدأت تتسرب التشنجات الى جمهور الطرفين، بسبب الكثير من «المفاجآت» الانتخابية التي طرحها التيار على «طاولة» البحث، كان الاسلم تجنيب التحالف «الخدوش»، وقد ابلغ الشيخ نعيم قاسم رئيس الجمهورية ميشال عون بحضور باسيل في قصر بعبدا ضوابط الحزب «العليا والسفلى»، على ان يقوم التيار الوطني الحر بمهمة التفاوض مع باقي الافرقاء وما يتوصل اليه من نتائج سيباركها الحزب الذي لن يخرج عن الاجماع الوطني في قانون الانتخاب..
فالحزب غير معني بان يكون جزءا من الصراع بين الرئاسة الاولى والثالثة، التفريط بالحليفين «خط احمر»، ومن جهة اخرى فان الطرفين لديهما الكثير من الامور الخاطئة وكذلك الصائبة، والحزب لا يمكن ان «يلعب» دور الحكم بين حليفين المشكلة الاساسية بينهما هي غياب «الكيمياء» التي لا حل لها. وقد خاض الحزب ابان الازمة الرئاسية تجربة فاشلة لم تنجح في تقريب وجهات النظر وتركت الامور على حالها، وجرى تمرير الازمة باقل الاضرار الممكنة، ولذلك فهو ليس معنيا بتكرار التجربة، لانه ليس وحده «ام الصبي»، وعلى الجميع تحمل مسؤولياتهم الوطنية بعيدا عن محاولات تسجيل «النقاط» المتبادلة في مرحلة تحتاج الى قرارات مصيرية وليس الى «دلع» سياسي يضع البلاد على «حافة الهاوية».
وبحسب تلك الاوساط، فان المخاوف المتبادلة بين الرئاستين غير مبررة،لا احد يريد ان يتجاوز صلاحيات الاخر او تقليصها، الامر معقد ولا يمكن تحقيقه حتى لو توفرت النية لذلك، لكن التفاهم الناشىء والمبهم بين الرئيس عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، يثير «نقزة» عند الرئيس بري، «ادعاء» الوزير باسيل «للعفة» ومحاولة التصويب الدائم على حركة امل ورئاسة المجلس باعتبار انهما احد اهم عوائق الاصلاح السياسي،غير قابل «للهضم» في عين التينة..في المقابل لم يغفر الرئيس لبري موقفه من الانتخابات الرئاسية ويرى انه لم يثبت حتى الان جدية مقولته بان ما بعد الرئاسة غير ما قبلها، وهو يريد ان تبقى الرئاسة الاولى في موقع ضعف لاسباب لها علاقة بادارة «شراكة» تعود عليها خلال حقبة ما بعد الطائف. انها مجموعة من «الشكوك» المتبادلة غير القابلة للحل، وهي اذا خضعت في مرحلة ما لتسوية معينة فان «الصاعق» يبقى جاهزا لتفجير العلاقة.
وازاء ما تقدم يبقى حزب الله معنيا بان لا ينتقل التشنج السياسي الى الشارع، لم تعد تدخلاته حثيثة ويومية، «البرود» يؤمن مصالح الجميع ويحول دون تحويل اي صراع سياسي الى «كباش» طائفي، الحزب لا «يتهرب» من مسؤولياته الوطنية، ولديه الاستعداد للعب دور «الضامن» لاي تفاهم، كما تقول تلك الاوساط، لكن بشرط نضوج «التسوية»، لانه ليس في وارد «حرق اصابعه» من خلال القيام بدور غيره، «تدوير الزوايا» مطلوبة من الجميع ودون «وسيط» لان الجميع في «مركب واحد»، الحزب لا يستطيع ان يكون مفاوضا باسم احد، وعندما تنتهي مرحلة المناورات الهادفة لتحقيق اكبر قدر من المكاسب، ويقتنع الطرفان، وخصوصا التيار الوطني الحر، انه لا يستطيع ان يحقق اكثر مما هو مطروح اليوم على «الطاولة» خصوصا في قانون الانتخابات، فان الحزب سيكون مستعدا للعب دور «الضامن» للتفاهمات، وليس في وارد التخلي عن دوره وهذا ما سيتاكد خلال الساعات المقبلة اذا ما صفت النوايا وولد الاتفاق حول «الدوائر الـ15».
وتلفت تلك الاوساط الى ان ثمة اولويات اخرى تشغل بال قيادة حزب الله في هذه الفترة، وهي تتعلق بمسالتين، الاولى كيفية الاستفادة من الصراع السعودي- القطري لقطف انجاز على الحدود الشرقية عبر التوصل الى تسوية مع جبهة النصرة المحسوبة على الدوحة، تقضي بسحب مسلحيها الى ادلب، وهو امر بات اكثر قابلية للتطبيق في ظل فتح قطر قنوات اتصال مع طهران، وفي ظل الخلاف على الاولويات السورية مع الرياض، والذي ترجم على الارض مواجهات دامية قبل ايام في الجرود... وقد بوشر العمل بجدية لاعادة استكشاف قابلية المضي بهذا الاتفاق الذي سبق ان «فرملته» قطر قبل اسابيع.
اما المسالة الثانية فترتبط بمعركة الحدود المحتدمة في سوريا، وفي هذا الاطار يقود مقاتلو الحزب ميدانيا السباق القائم للسيطرة على الحدود السورية العراقية،على وقع اجتماعات سياسية تعقد في العاصمة عمان بين روسيا والولايات المتحدة لبحث مستقبل تلك الحدود، الحزب جزء من عملية سياسية وعسكرية معقدة تدور رحاها للبت بمصير المنطقة الممتدة من حوض نهر اليرموك، والمثلث الصحراوي بين العراق وسوريا والأردن، وبادية الشمال، وجنوب هضبة الجولان، المفاوضات تفصيلية ومعقدة، يتداخل فيها الميداني بالسياسي، في ظل معلومات عن محاولة الاميركيين فرض منطقة آمنة تمتد من الحدود السورية الجنوبية الغربية مع لبنان وحتى الحدود السورية الجنوبية الشرقية مع العراق... 

 

ابراهيم ناصرالدين