بات واضحاً أنّ الحرب التي اندلعت على هامش تأجيل رئيس مجلس النواب نبيه بري الجلسة التشريعية إلى 5 حزيران الجاري، لم تكن دستورية بمقدار ما هي سياسية مغلّفة بقشرة خفيفة من الدستور والتفسيرات المتناقضة.
 

ذلك أنّ إلقاءَ الضوء على جوانب منها ما زالت مخفيةً كافٍ لإثبات هذه المعادلة. فما هي المعطيات التي أعطتها هذه الصفة؟ وهل استعجَل بري خطواته؟كان واضحاً أمام عدد من المراقبين، وخصوصاً المتورطين في البحث عن مخارج لأزمة قانون الانتخاب والمشاريع المطروحة في الكواليس، أنّ بري عندما عمَّم صباح السبت الماضي تأجيلَ جلسة 29 أيار إلى الخامس من الجاري، قد استعجلَ الخطوة لسبب لم يفهمه كثيرون.

فبديهيّ القول إنّ أكثرية السياسيين الذين يتعاطون بالملف لم يكونوا عالمين بمضمون بعض الاتصالات التي سبَقت بيان التأجيل وما دار في الاتصالات التي جرت بين بري ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.

وأوساط بري كانت قد سرّبت النيّة في التأجيل قبل 24 ساعة من الإعلان الرسمي عنها صباح السبت على أنّها خطوة إلزامية. وجدول أعمال الجلسة لن يتغيّر، وكلّ الدوافع التي قادت إلى تأجيل الجلسة الأولى في 15 أيار إلى 29 منه ما زالت على حالها.

لكن ما خفيَ على البعض من وقائع، كان كافياً لحصول بعض البَلبلة في المواقف من التأجيل والأسباب التي أملته، وهو ما تسَبّب بصدور مواقف ملتبسة عبّر عنها أكثر من مرجع سياسي وحزبي وحكومي ونيابي قبل أن يلقي بري في مؤتمره الصحافي الإثنين الضوءَ على جوانب منها دون الكشف عنها كاملةً.

قدّم بري في مؤتمره شرحاً للظروف التي أدّت إلى تأجيل الجلسة صباح السبت الماضي، حيث كان متّفقاً صدور مرسوم الدورة الاستثنائية، كاشفاً عن رهانه لحظة الإعلان عن التأجيل على وعدٍ قطعَه له الرئيس سعد الحريري وبالنيابة عن رئيس الجمهورية بإصدار المرسوم الخاص بها في ردِّه على منتقديه باتّخاذه خطوةَ التأجيل قبل صدوره، وهو ما تسَبّب ببعض الحرَج الذي حصل.

وبعيداً من التفاصيل التي أورَدها بري حول النصيحة التي أسداها إلى الحريري بعدم تحضير المرسوم الخاص بالدعوة إلى الدورة الاستثنائية قبل التشاور مع رئيس الجمهورية قبل أيام على اتصالات ليل الجمعة.

توقّفَت المراجع السياسية عند ملاحظتين؛ الأولى دستورية، والثانية سياسية مرتبطة بوقائع لم يكشف عنها:

الأولى دستورية تتّصل بإعلان بري عن تأجيل الجلسة إلى 5 حزيران، وهو توقيت جديد يقع خارج موعد الدورة العادية التي انتهت أمس، ويصادف في الأيام الخمسة الأولى من دورة استثنائية وهمية لم تُفتح بعد، وهو ما عُدّ مخالفةً دستورية.

والثانية سياسية مرتبطة بوقائع لم يكشف عنها، وهي تقول إنّ رئيس الجمهورية كان واضحاً عندما أبلغ إلى بري في الاتّصال بينهما ليل الجمعة أنّه لن يُصدر مرسوم الدورة الاستثنائية قبل 5 من الجاري، الموعد الذي اقترَحه بري للجلسة المؤجّلة.

وعليه، وما بين الرهان على وعدٍ تلقّاه بري من الحريري بفتح الدورة، ومضمون موقف رئيس الجمهورية بالنفي، وقعَ الخلاف الكبير في قراءة التطوّرات والخطوات الأخيرة بأشكالها المختلفة، الدستورية منها والسياسية، وكبرت تردّداتها لِما لها من ارتباط لمجرّد تزامنِها والبحث في تفاصيل القانون الجديد للانتخاب وما يَحول دون التوافق عليه، فعُدَّ ما حصل من باب الضغوط المتبادلة.

وباعتراف المراقبين فإنّ اندلاع «الحرب الدستورية» كان على خلفية هذه التفاصيل التي لم تكن في تصرّفِ الجميع وتسبَّبت بتخطّي الخلاف حول توقيت الدعوة الى تأجيل الجلسة والموعد المقبل قبل البتّ بالدورة الاستثنائية ومواعيدها.

وهو ما فتح النقاش على جوانب أخرى لم تكن مطروحة قبلاً، وهي تتصل بالصلاحيات الملاصقة لشخص رئيس الجمهورية في شأن فتحِ الدورة الاستثنائية قبل الحديث عن دور رئيس الحكومة عند اتّخاذه القرارَ النهائي بذلك لإصدار المرسوم وفق الآلية الدستورية المنصوص عنها.

كذلك بالنسبة إلى ما أقدمَ عليه الرئيس بري بفتح جدلٍ حول موضوع حقّ المجلس النيابي في استعادة مهلةِ الشهر التي جَمّد فيها رئيس الجمهورية عمله من 13 نيسان إلى 13 أيار الماضيَين دون أن يشاركه أحد من رجال القانون أو الدستور موقفَه هذا.

وإلى هذه التطورات، يتساءل بعض الأوساط السياسية عن سبب كلّ هذه البَلبلة الدستورية والسياسية. فرئيس الجمهورية لم يشِر يوماً إلى رفضِه فتحَ الدورةِ الاستثنائية، وهو كان يتحدّث في كلّ مرّة عن مهلةٍ جديدة لإصدار قانون الانتخاب وربطها بموعد 19 حزيران الجاري، مشيراً إلى أنّه سيفتح الدورة الاستثنائية التي تُشكّل المعبر الإجباري إلى أيّ حلّ يمكن التوصّل إليه، سواء تمَّ التوصّل إلى قانون انتخاب أم لا. فلماذا حصل ما حصل؟ وهل تسرَّع بري في تحديد الموعد الجديد للجلسة قبل فتحِ هذه الدورة؟