العلاقة السعودية اللبنانية ليست على ما يرام، خصوصاً بعد موقف وزير الخارجية جبران باسيل الذي لقي دعماً من رئيس الجمهورية ميشال عون، بأن لبنان لم يكن على علم بمقررات قمم الرياض وبأن هناك بياناً سيصدر. فهذا الموقف سبب جديد لبروز التوتر بين الطرفين، بعد العاصفة التي أحدثها موقف عون في شأن حزب الله وسلاحه خلال زيارته مصر.

لكن، في إطار العلاقة الرسمية بين الدولتين، لا أحد يريد إعطاء الخلاف طابعاً علنياً، خصوصاً أن ثمة تأكيدات سعودية بالحرص على الخصوصية اللبنانية ووضع لبنان الداخلي والتوازنات فيه، وبأنه ليس هناك من قدرة على تغييرها حالياً، إنما تغييرها سيكون مرتبطاً بتغير عوامل عديدة في المنطقة، وأساسها سيكون سوريا.

وتلفت مصادر ديبلوماسية إلى أن المنطقة مقبلة على تغييرات، ولذلك لا داعي لحشر لبنان وإحراجه لأن تلك التغييرات ستنعكس عليه عاجلاً أم آجلاً، والسقف الدولي المرفوع حالياً بشأن لبنان، هو أهمية الحفاظ على الاستقرار، وعدم إثارة أي توتر فيه، سواء أكان سياسياً أم غير سياسي. وهذا ما ترجمه موقف رئيس الحكومة سعد الحريري خلال جلسة مجلس الوزراء بأن مقررات قمة الرياض ليست ملزمة للبنان. وتؤكد المصادر أن لبنان يقع في الأولوليات الأميركية، لناحية الحفاظ على أمنه واستقراره وقطاعه النقدي والإقتصادي. وهذا ما سيظهر في الأيام المقبلة.

لكن، مقابل ذلك، ثمة شروطاً أميركية ذات سقف مرتفع تجاه لبنان وأهمية الحفاظ على أمنه وتعزيز قدرات الجيش وحماية القطاع المصرفي، ومن بين هذه الشروط، أهمية الإلتزام بتطبيق التشريعات المالية الدولية، وعدم التساهل بتطبيق العقوبات ضد حزب الله والمرتبطين به. وذلك لعدم العودة إلى ما حصل قبل نحو السنة، حين تم إيجاد مخرج لآلية تطبيق العقوبات بدون أن تشمل فئات واسعة. وهذا الإبتكار يُحسب لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. أما اليوم، فإن هناك مراقبة أميركية حثيثة لآلية تطبيق العقوبات. وقد ترسل واشنطن موفداً لمراقبة هذا التطبيق. فيما تعتبر مصادر أخرى، أن التجديد لحاكم مصرف لبنان، جاء بعد حصول حزب الله على ضمانات بأن في امكانه إيجاد توليفة ومخرج ملائمين لتطبيق العقوبات بشكل لا يؤثر على البيئة الحاضنة للحزب.

أما في ما يتعلّق بالجيش اللبناني والاجراءات التي يتخذها على الحدود مع سوريا، فتشير المصادر إلى أنها تأتي بناء على مطالب أميركية، وإلى أن واشنطن هي التي دفعت إلى تسلّم الجيش اللبناني مختلف المواقع في الجرود، وفي المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا. وتلفت المصادر إلى أن هناك تطورات سيسمع بها اللبنانيون في الفترة القريبة بشأن تقديم مزيد من الدعم للجيش في حربه ضد الإرهاب. وتكشف المصادر عن أن واشنطن أيضاً، وبعد قمم الرياض، سترفع حجم الشروط بشأن الجيش، وثمة مطالبات قد تصل إلى وقف أي تنسيق ميداني مع حزب الله، أو الوجود في مناطق مشتركة كما حصل سابقاً. وهناك من يعتبر أن الواقعية تفرض استمرار التواصل بين الطرفين، خصوصاً أن مسألة المقاومة مدرجة في البيان الوزاري.

في أي حال، هذا الكلام سيكون له ميدان أساسي ينعكس فيه، وهو في جرود عرسال تحديداً، حيث يصرّ حزب الله على انهاء ملف الفصائل المسلّحة في تلك المنطقة، سواء أكان ذلك عبر معركة عسكرية أم مفاوضات سياسية. وهذا ما يتعزز من خلال مواقف الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، في شأن دور حزب الله، والعمليات الأمنية والعسكرية الإستباقية التي ينفّذها الجيش في تلك المنطقة، إذ استطاع إحراز تقدّم في بناء مواقعه وتثبيتها، وتفكيك العديد من المجموعات الإرهابية، وقطع خطوط إمدادها بالنار. بالتالي، فرض واقع يجبر المسلّحين على مغادرة الجرود.