أكدت مصادر عراقية لصحيفة “عكاظ” أن وزير الخارجية القطري التقى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في بغداد الأسبوع الماضي، وطلب منه تحويل مبلغ نصف مليار دولار الذي كان مخصصا لإطلاق سراح القطريين المخطوفين كهدية من الدوحة لدعم ميليشيات الحشد الشعبي. هذا عمل انتقامي قطري بعد نجاح قمة الرياض. وتذكر مصادر عربية أخرى أن وزير الخارجية القطري التقى قاسم سليماني وأبلغه بأن الدوحة تنأى بنفسها عمّا تم الاتفاق عليه في قمة الرياض.
ما الذي يجري حقا؟ كيف تنقلب دولة خليجية عربية كل هذا الانقلاب؟ وهل أن كل تلك المسرحية التي ذهب ضحيتها الملايين من السوريين والعراقيين كانت مجرد تمثيل إخواني- إيراني وعبث بحياة البشر؟ كيف يمكننا تفسير هذا المشهد الصادم حقا؟
يقول السعوديون إنه في عام 1992 هرولت قطر لإيران ووقعت معها اتفاقية بقيمة 13 مليار دولار للرد على السعودية إثر خلاف حدودي نشب معها. وتعهدت طهران بإرسال 30 ألف جندي إيراني إلى قطر لتثبيت انقلاب حمد بن خليفة آل ثاني على والده عام 1995. مقابل ذلك عملت قطر على تمكين إيران عام 2006 بالتصويت ضد قرار مجلس الأمن 1696 الذي يطالب فيه طهران بوقف تخصيب اليورانيوم، وعام 2007 امتنعت قطر عن التصويت على قرار مجلس الأمن 1757 الذي يقضي بإنشاء محكمة خاصة تحقق في عملية اغتيال الشهيد رفيق الحريري في لبنان.
فضلا عن دعم حماس وفرت قطر دعما ماديا لحزب الله في لبنان كجزء من طموحاتها لتوسيع نفوذها. ولقطر تاريخ في دعم الحوثيين والتوسط بينهم وبين الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، إضافة إلى دعمهم تحت غطاء “إعمار صعدة” على غرار تمويل حزب الله.
سعت قطر إلى دعم الخمينية التي أوصى كاهنها الشرير روح الله الخميني عند موته “عندما تنتهي هذه الحرب (يقصد مع العراق) علينا أن نبدأ حربا أخرى، أحلم بأن يرفرف علمنا فوق عمان والرياض ودمشق والقاهرة والكويت”.
كانت سياسة قطر منذ البداية تتماشى مع مخططات الإخوان المسلمين المسارعين إلى الخميني، حتى أن ثاني طائرة هبطت في طهران بعد طائرة الخميني كانت تحمل قيادات الإخوان وقد اعترفت بذلك مجلة العهد الناطقة باسم الإخوان في عددها الصادر بتاريخ 25 فبراير 1979 “وفد توجه إلى طهران على طائرة خاصة وقابل الإمام آية الله الخميني لتأكيد تضامن الحركات الإسلامية الممثلة في الوفد كافة”.
عندما اندلعت الحرب مع العراق نتيجة العدوان والتحريض الصفويين كان إخوان العراق قد انحازوا إلى “الثورة الإسلامية” وعملوا في الخفاء مع حزب الدعوة على زعزعة العراق من الداخل خدمة لإيران.
وكانوا يحرّضون في المنابر والمساجد والجامعات على ضرورة التخلي عن جيش البعث الكافر الملحد، فقام النظام الوطني العراقي بنفي وإعدام الكثير منهم بتهمة الخيانة العظمى للوطن. التنظيم الدولي للإخوان أصدر بيانا يهاجم الحكومة العراقية ويحرّض العراقيين على الثورة.
كان الرئيس التنويري المصري الراحل أنور السادات حينها يفنّد مزاعم إيران بأن خصومتها مع مصر متعلقة بالموقف من إسرائيل، فطهران ذات مطامع توسعية وإسرائيل هي التي كانت تمد طهران بالغذاء والسلاح في الحرب ضد العراق.
بعد اغتيال أنور السادات قامت إيران بتكريم قاتله وسمّت شارعا في طهران باسمه وخلدته بطابع بريدي يحمل صورته. قامت قناة الجزيرة القطرية بالترويج لأحد المشاركين في تلك العملية الإرهابية بعد خروجه من السجن، وعقدت معه المقابلات، حيث قال لقناة الجزيرة إنه غير نادم على اغتيال السادات.
ورغم التفجيرات الإيرانية في دول الخليج واختطاف الطائرات وتسميم أجواء الحجيج في الثمانينات من القرن الماضي، فقد استمر الإخوان في خداع المسلمين على أن إيران شوكة في حلق الصهاينة وأن القيادات العربية تحارب في سبيل إسرائيل.
وعلى النقيض من موقف الإخوان المعادي للنظام البعثي في حربه العادلة ضد إيران، وقف الإخوان مع النظام البعثي العراقي في حربه غير العادلة ضد العرب واحتلال الكويت.
التنظيم الدولي للإخوان وصف التحالف الدولي لتحرير الكويت بـ”الشيطاني”، وقاموا بتكفير الحكومات العربية، وتزامن ذاك مع نهاية الجهاد الأفغاني فأقنعهم الإخوان “بجهاد جديد” ضد أوطانهم وأطلقوا على تلك الفترة تسمية “الصحوة” الإسلامية. عام 2000 قام يوسف القرضاوي بتمجيد الخميني على أنه أقام دولة الإسلام وأثنى على حزب الله.
في أواخر التسعينات عملت أميركا على تدريب أعضاء الإخوان المسلمين والأحزاب الشيعية على الحكم في العراق. وكانت المعارضة العراقية تجتمع في لندن والأردن، حيث تم تشكيل قيادات “الحزب الإسلامي العراقي” الإخواني و”حزب الدعوة” الصفوي، وكلا الحزبين كانا محظورين في العراق بسبب التحالف مع إيران ضد بلادهم. فليس فيلق بدر فقط من حارب الجيش العراقي بل الإخوان والدعوة كانا رأس الخيانة للوطن في الحرب القومية العراقية ضد الخميني.
التعاون بين الإخوان والشيعة نتج عنه تقاسم السلطة بينهما فحُجز منصب رئيس الوزراء لحزب الدعوة العميل لإيران، ومنصب رئيس البرلمان للحزب الإسلامي العميل لإيران أيضا. بعد عام 2003 قامت إيران بتصفية القيادات السنية والشيعية الوطنية وخططت لتغيير ديموغرافي وإبادة لسنة العراق. تم كل ذلك بمباركة الإخوان ومشاركتهم في السلطة.
شارك الإخوان في تنفيذ سياسة طهران بالعزل السياسي وحل الجيش العراقي والشرطة والمخابرات، وشجعوا سياسة اجتثاث البعث التي طالت كل وطني بحجة الولاء لصدام حسين. عام 2006 خرج العراق نهائيا من قبضة أميركا وسقط في القبضة الإيرانية بصعود رئيس الوزراء نوري المالكي.
استشعر الملك عبدالله الثاني ملك الأردن الخطر وحذر عام 2004 من تشكل “هلال شيعي” يمتد من المتوسط إلى الخليج. كرر ملك الأردن تحذيره عام 2006 وقال “الهلال الشيعي سيعمل على زعزعة استقرار المنطقة ودول الخليج العربي تحديدا”.
تزامنت أحداث 2006 والسيطرة الفارسية الكاملة على بغداد مع افتعال حزب الله لأزمة مع إسرائيل بإيعاز إيراني واختطاف ثلاثة جنود إسرائيليين، الأمر الذي أدى إلى حرب تموز التي دمّرت لبنان. لكن ذلك أدى إلى صعود نجم الإرهابي حسن نصرالله في العالم العربي وغطى على ما يجري من مذابح وتهجير وهيمنة إيرانية في العراق.
وقف الإخوان مع حزب الله وبشار الأسد ضد الحكومات العربية. سلمان العودة في برنامج “الحياة كلمة” بتاريخ 21 تموز 2006 قال “نختلف مع حزب الله خلافا جوهريا، لكن هذا ليس وقت الخلاف، فعدونا الأكبر هو الصهاينة”. حتى وليد الطبطبائي من الكويت كفّر المسلمين بوصفهم “أعداء الملة” وتمنى الجهاد تحت راية حزب الله. الظواهري أيد حزب الله ودعا إلى الجهاد في لبنان “كيف نسكت ونحن أبا بكر وعمر وعلي والحسين”.
كان الإخوان يمدحون بشار الأسد رغم علمهم بأنه وصف قادة السعودية بـ”أنصاف الرجال” وكذلك دون خجل يروّجون لخطابات حسن نصرالله المليئة بالشتائم للعرب. مواقف الإخوان لخصها خالد مشعل في زيارته لطهران في فبراير 2006 حين وقف على ضريح الخميني وقال “إن حماس هي الابن الروحي للإمام الخميني”.
هذه عيّنة عن حديث المثقفين السعوديين عن الدور الإخواني والقطري تحديدا في المنطقة. قطر يجمعها بإيران هدف واحد هو تمزيق السعودية من الداخل وتقسيمها، وهذا الحقد المشترك وجد ضالته في دواب السنة من الإخوان في العراق وسوريا وليبيا ومصر وغيرها من الدول العربية المغيّبة.
الدوحة تدير مشروع “التدويخ الإعلامي” منذ سنوات بإيهام السنة بوجود حرب مقدسة بين السنة والشيعة، وخير دليل هو برنامج “الاتجاه المعاكس” الذي يديره السوري فيصل القاسم، حيث يضع ضيوفه في حرب ديكة سخيفة لإثارة المشاعر المذهبية بالتنسيق مع إيران لتوريط السنة في التطرف، وتحريض السعوديين ضد حكومتهم الحكيمة بحجة أنها لا تقفز إلى المعركة. السعودية ستقفز إلى المعركة ضد السلوك الخاطئ لقطر أولا، وضد المشروع الإخواني الخميني الإرهابي بشكل عام، الرياض تعرف أنهم جماعة واحدة ووجوه مختلفة.
وثيقة البيت الأبيض عن اتفاق قمة الرياض مهمة وهي ترسم مخطط السياسة الأميركية قانونيا. وثيقة تاريخية سعرها 500 مليار دولار من المشاريع. استثمار مشترك بين الرياض وواشنطن وليس هدية كما يتخيّل البعض. جاء في الوثيقة أن الرياض وواشنطن تدعمان القوات العراقية للقضاء على الإرهاب. والرياض وواشنطن تعملان معا للقضاء على النفوذ الإيراني في العراق.
في مواجهة هذه المؤامرات فإن السعودية اشترت سلاحا بـ110 مليار دولار تستخدمه حاليا على رأس الحوثيين عملاء إيران، وربما تعطي منه لمصر للقضاء على الإرهاب والإخوان في ليبيا. فلطالما كانت أطماع الإخوان كبيرة بالنفط الليبي لتمويل مشروعهم الإجرامي. فكما العراق محفظة نقود للمشروع الصفوي، يمكن لليبيا أن تكون محفظة نقود للمشروع الإخواني.
لم يعد بإمكان الحزب الإسلامي إقناع سنة العراق بأن طرد رجال الدين الشيعة من الحكم والسياسة يعتبر طائفية، أو القول إن مؤسسة المرجعية الشيعية يجب حصارها والتحكم في أموالها، وحصر مهامها بالدفن والسياحة الدينية يعتبر طائفية.
لم يعد بإمكان الحزب الإسلامي إقناع السنة بأن الذي يقول إن ولاية الفقيه نظام عقائدي توسعي ولا يجب أن تكون هناك تدخلات إيرانية بالعراق يعتبر طائفيا.
الحزب الإسلامي يبارك الميليشيات الشيعية على لسان رئيس البرلمان سليم الجبوري، ويتهم كل مَن اعتبر الميليشيات كيانا خطيرا ويجب مواجهته بالصواريخ الأميركية والعربية بأنه طائفي. الوطني العراقي في نظر الإخوان هو الذي يتحدث عن جرائم البعث العراقي والتطرف السني (رغم أنهم يدعمون الإرهاب سرّا ويمنحونه الترويج الإعلامي لتوريط السنة) ويتظاهر الإخوان، مثل حزب الدعوة، كما لو أنهم علمانيون رغم أن كل البنية العراقية السياسية حاليا إسلامية إيرانية.
لقد أصبح مجرد السخرية من السيستاني والصدر والخميني يعتبر طائفية ويتحدثون عن شيء مضحك اسمه احترام المقدسات. وهذه المقدسات قد تشمل جميع رجال الدين. نحتاج إلى مساعدة سعودية وعربية بتنسيق أميركي لتخليص البلاد من الهنود الحمر الإسلاميين ومشروعهم الدموي في المنطقة.
الهدايا القَطَرية للعراق لا تنحصر في نصف مليار دولار للحشد الشعبي والميليشيات الإيرانية بل تمتد إلى الترويج للإرهاب، وتمكين الإخوان في الحكم بحيث أصبح الإخواني وكأنه ممثل السني العراقي الوحيد في حكومة محاصصة طائفية فاسدة.
الهدايا القَطَرية تشمل سرقة الربيع العراقي أيام اعتصامات المحافظات السنية وتحويله إلى ربيع طائفي بالتنسيق مع إيران، حيث تم زج العناصر الإرهابية في الحشود وصار الإخوان يصدرون تصريحات طائفية لإسقاط الاعتصامات العادلة ضد الطائفية الإيرانية. هدايا قطر يمكن تلخيصها بكلمة واحدة “الضحك على عقول السنة في كل مكان وبيعهم لإيران”.
أسعد البصري