يتقدم النقاش الانتخابي في لبنان على وقع الخلاف السياسي القائم بين رئيس الجمهورية، ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، حول دستورية دعوة بري لجلسة تشريعية من دون صدور مرسوم عن الحكومة يسمح بفتح عقد تشريعي استثنائي. وبحسب ما أعلن بري خلال مؤتمر صحافي، يوم الإثنين، فإن معظم مواد مشروع القانون الذي أعده نائب رئيس الهيئة التنفيذية في "حزب القوات اللبنانية" النائب جورج عدوان، قد حظيت بتوافق مختلف القوى السياسية.
مع العلم أن البرلمان اللبناني يتألف من 128 مقعداً، مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وموزعين بين المذاهب داخل كل طائفة. ومدد البرلمان لنفسه مرتين، منذ آخر انتخابات في 2009، نتيجة لعجز القوى عن الاتفاق على قانون انتخاب جديد بدلاً من الذي أجريت على أساسه آخر انتخابات، وهو قانون 1960 الأكثري، الذي يعتبره المسيحيون مجحفاً بحقهم.
ومشروع عدوان قائم على تقليص عدد الدوائر الانتخابية إلى 15، واعتماد النظام النسبي، مع الصوت التفضيلي. وقد انحصر النقاش السياسي المُعلن بين الأطراف الممثلة في الحكومة، والتي شاركت في تسوية انتخاب ميشال عون رئيساً مقابل عودة الرئيس سعد الحريري إلى موقع رئاسة الحكومة، بتحديد "العتبة الوطنية" أو "العتبة الانتخابية"، وهي الحد الأدنى من الأصوات التي يشترط القانون الحصول عليها من قبل المرشحين للحصول على أحد المقاعد المتنافس عليها في الانتخابات، وفي توزيع بعض المقاعد النيابية التي ستتبعثر مع تقليص عدد الدوائر الانتخابية من 26 وفق القانون الانتخابي الساري، إلى 15 وفق اقتراح عدوان. وهي بعثرة تريد بعض القوى أن تستفيد منها طائفياً من خلال نقل بعض المقاعد المسيحية من دوائر ذات أغلبية مسلمة إلى دوائر ذات أغلبية مسيحية تحت عنوان "تحقيق صحة التمثيل المسيحي". ويبرز اسم "التيار الوطني الحر" الذي يرأسه صهر رئيس الجمهورية، وزير الخارجية جبران باسيل، كمطالب أول بنقل مقاعد مسيحية من مدينة طرابلس إلى قضاء البترون شمالاً، ومن منطقة البقاع الغربي شرقاً إلى قضاء جبيل غرباً، ومن منطقة بعلبك الهرمل شرقاً إلى قضاء بشري شمالاً.
ويمكن تقسيم طموحات الأحزاب اللبنانية في التمثيل البرلماني طائفياً، مع خوض القوى المسيحية لمعركة نقل المقاعد في مشروع القانون الجديد على أساس اكتساب المزيد من المقاعد المارونية في الدوائر التي تهيمن على أصوات ناخبيها. وذلك تحت عنوان "حماية حقوق المسيحيين" و"تأمين صحة التمثيل المسيحي"، أي انتخاب أكبر عدد من النواب المسيحيين بأصوات ناخبين مسيحيين. ويمنح نقل المقاعد، إذا ما تم، فرصة لرئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، بحجز مقعد نيابي في دائرة "زغرتا - بشري - الكورة - البترون" وفق التقسيم الجديد لعدوان. مع العلم أن حزب "القوات اللبنانية" بادر مبكراً إلى الإعلان عن اسم مرشحه في البترون، وهو ما فتح باب المفاوضات الانتخابية بين الحليفين (القوات والتيار الوطني الحر) وفق سقف مرتفع. ومع إعلان الطرفين خوض المعركة الانتخابية ضمن لوائح مشتركة، من المتوقع أن تتقلص الكتل النيابية لبعض القوى المسيحية كحزب "الكتائب اللبنانية" وآل المر، وغيرهم.
من جهتها، تخوض قوى ذات أغلبية إسلامية كـ"حركة أمل" التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، و"تيار المستقبل" الذي يرأسه رئيس الحكومة سعد الحريري، معركة تحمل عنوانين: رفض نقل المقاعد المسيحية كونها "استكمال لمشاريع التقسيم الطائفي في المنطقة"، ورفض مبدأ الصوت التفضيلي بسبب حسابات انتخابية للحريري، خصوصاً في دائرة "صيدا - جزين". وهي الدائرة الأولى من أصل 3 التي ينصّ عليها اقتراح عدوان في جنوب لبنان. ومن المتوقع أن يدفع القانون الجديد بالحريري نحو توسيع دائرة تحالفاته الانتخابية في المناطق لضمان الحفاظ على كتلته النيابية الأكبر في مجلس النواب (38 نائباً)، مع منح النظام النسبي لقوى سياسية سنية عديدة فرصة المنافسة لا سيما في البقاع والشمال اللبناني.
أما المكوّن الدرزي المتمثل في رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" النائب وليد جنبلاط، ورئيس "الحزب الديموقراطي اللبناني"، الوزير طلال أرسلان، فإن التطمينات السياسية التي أعطيت لهما تمثلت في الإبقاء على منطقتي الشوف وعاليه ضمن دائرة واحدة ذات أغلبية درزية في محافظة جبل لبنان ذات الأغلبية المسيحية. وهو ما يكفي لحفاظ جنبلاط على كتلته المؤلفة من 11 نائباً. وقد يمنح التقسيم الجديد للدوائر فرصة لمرشح شيعي مستقل بحجز مقعد في البرلمان من أصل 27 مقعداً شيعياً يتقاسم "حزب الله" و"حركة أمل" 25 منهم حالياً. بينما يتقاسم المقعدين الباقيين "تيار المستقبل" في بيروت و"التيار الوطني الحر" في جبيل. ولا يزال النقاش قائماً حول تقسيم الدوائر في العاصمة بيروت، مع اتجاه لتقسيمها إلى دائرتين، الأولى ذات أغلبية مسيحية وتضم مناطق "الأشرفية، الرميل، المدور"، والثانية ذات أغلبية مسلمة تضم مناطق "المزرعة، رأس بيروت، الباشورة". ويُسجل في مشروع قانون عدوان تثبيت خرق وثيقة الوفاق الوطني واتفاق الطائف من خلال الإبقاء على عدد النواب 128 بينما نصت الوثيقة والاتفاق على أن يكون عدد النواب 108.
وسبق لمختلف القوى السياسية أن عبّرت عن رفض هذه الزيادة كونها أحد أوجه الوصاية السورية على لبنان في تسعينيات القرن الماضي. ومع مضي النقاش في تفاصيل القانون الجديد، لا تزال مختلف القوى تملك خيار إجراء الانتخابات النيابية وفق القانون الساري الحالي في حال فشل مسعى التوافق الأخير، وبقاء الخلاف الدستوري بين عون وبري حول انعقاد جلسات البرلمان دون فتح الحكومة لعقد استثنائي.
عبد الرحمن عرابي