أولاً: تبادل الأضغان
منذ زمن، ليس ببعيد، لا يُضمر الرئيس نبيه بري وُدّاً ولا تفهماً لمواقف الرئيس ميشال عون، ويبادله هذا الأخير ذات المشاعر والتّوجهات ، وفاقمت معركة جزين النيابية شقّة الخلاف بين الرجلين، ورغم إجتماعهما في حلفٍ واحد (الثامن من اذار) ، إلاّ أنّ الودّ ظلّ عزيزاً ومفقوداً بينهما، ولم يُجاري الرئيس بري حليفه حزب الله الموقف ذاته في مقاطعة جلسات إنتخاب رئيس للجمهورية طوال ثلاثين شهراً، وظلّت المناكفات مستمرة حتى بلغت أشُدّها يوم دعا بري للإتفاق على "سلّة" متكاملة من الإجراءات التي يجب أن ترافق إنتخاب عون لرئاسة الجمهورية، وذلك بعد أن أذعن الحريري لترشيح الجنرال عون لهذا المنصب، وإذ لم يُستجب لطلبه، بلغ السّيل الزُّبى ، وحلّت العداوة المستحكمة بين الرئيسين، ولسان حال بري لعون: أنت تئق وأنا مئق فمتى نتّفق؟ والتّئق السريع الشّر، والمئق الممتلئ الغضب.
إقرأ أيضا : حرب صلاحيات بين عين التينة وبعبدا
ثانياً: صراع النفوذ
بعد وصول الرئيس عون إلى قصر بعبدا، لم يترك صهره المدلل ، الذي ورث رئاسة التيار الوطني ،مناسبة إلاّ ونفخ فيها بمزامير الطائفية وتجاذب النفوذ مع المسلمين "المعتدين" دائما على حقوق المسيحيين، وما لبثت أن فاقمت ذلك مشاريع قوانين الإنتخاب التي فاضت من فوق جبران باسيل وتحته، والتي يحاول حياكتها بخيوط التّعصّب والإستعلاء على شركائه في الوطن، تارة بإسم الميثاقية ،وطوراً بإسم حقوق المسيحيين، وآخر وصفة تقي المسيحيين شرّ "إخوانهم" المسلمين هي صحّة التمثيل، أي التمثيل المختلّ لصالح المسلمين طبعاً ،وكان من الطبيعي أن يتصدى لذلك الرئيس بري بإعتباره رأس السلطة التشريعية، والمعني بسلامة الوحدة الوطنية ما أمكنه ذلك، ومن حُسن الحظ، أن لا عهد ولا ميثاق ولا "ورقة تفاهم" بين الرجلين حتى الآن.
إقرأ أيضا : العونيون يتمنون رؤية بري رئيسا سابقا ولو لساعة !
ثالثاً: تنازع الصلاحيات
خرج الرئيس بري على الدستور والقوانين والأعراف بدعوته لعقد جلسة نيابية ، بجدول أعمال الجلسة المؤجّلة،وذلك في الخامس من شهر حزيران، قبل فتح دورة إستثنائية لمجلس النواب نهاية الشهر الحالي، واضعاً رئيس الجمهورية أمام أمرٍ واقع لا محيد عنه، بضرورة فتح هذه الدورة ، وقد خالف بري بهذه الدعوة ثلاث مواد دستورية صريحة ، لا بل برّر فعلته هذه بسوابق حصلت أمام المجلس النيابي الفرنسي، وهذا ما لا يتصوره عاقل، وتركُ الذنب أيسرُ من إلتماس العذر، أو أنّ بري أراد أن يُعوض الشهر الذي إستهلكه رئيس الجمهورية عبر المادة ٥٩ من الدستور، ولعلّه قطع أي طريق للفراغ قد يخطر ببال أحد، وهكذا يصبح الدستور أُلعوبة بيد الرئيسين، فقد سبق لعون أن تلاعب به طوال ثلاثين شهراً، فلا بأس من أن يتلاعب به بري لمدة أيامٍ معدودات، والشعب يتابع بقرف وطول صبر غريب، فقد بلغ الوهن جسم الهيكل السياسي برُمّته، ونخرهُ السّوس من كلّ جانب، وبعد كل هذا العناء وإستهلاك المهل تباعاً،ما زال قانون الإنتخاب في علم الغيب، والطبقة السياسية تستجدي آخر المهل كي تستطيع النهوض بحملها الثقيل، فباتت كما تقول العرب: كمُثقلٍ إستعان بذقنه، وأصله: البعير عليه الحمل الثقيل، فلا يقدر على النهوض به، فيعتمد على ذقنه.
بسلامة ذقنكم رؤساؤنا الكرام.
إقرأ أيضا : النسبية التي يريدها التيار الوطني الحر!