يشكّك مراقبون خليجيون في إمكانية أن تنجح زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى الكويت غدا الأربعاء في رأب الصدع الذي أصاب العلاقات الخليجية جراء تصريحات الشيخ تميم الأخيرة والتي أثارت ردود أفعال ساخطة داخل دول مجلس التعاون الخليجي.
وقالت مصادر دبلوماسية كويتية مطلعة إن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني سيزور الكويت، الأربعاء، لتهنئة أميرها الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك. وأوضحت المصادر أن زيارة أمير قطر للكويت ستستغرق ساعات.
ويرى المراقبون أن الدوحة لم تظهر أي استعداد في السنوات الأخيرة للتراجع عن خيارات سياسية تعتبرها بقية العواصم الخليجية مهددة لأمن واستقرار دول المجلس. وأن تعهدات قطر السابقة، لا سيما بعد أزمة عام 2014، لم تكن سوى محاولة لتهدئة الغضب الخليجي الذي أدى إلى سحب السفراء من الدوحة.
ولم تعدُ كونها شراء للوقت بانتظار توفر ظروف إقليمية ودولية تتيح لقطر مواصلة السياسة الملتبسة التي انتهجتها منذ عهد أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.
ومنذ تفجّر الأزمة الأخيرة لم يصدر عن المراجع السياسية الخليجية الرسمية أي تعليق عدا ذلك القطري الذي عزا تصريحات أمير قطر إلى قرصنة إلكترونية لموقع وكالة الأنباء القطرية. غير أن أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية عبّر الاحد من خلال عدة تغريدات عن موقف رسمي في هذا الصدد.
واعتبر قرقاش في إحدى تغريداته على تويتر أن “درء الفتنة يكمن في تغيير السلوك وبناء الثقة واستعادة المصداقية”.
وبيّن أن “حل الأزمة بين الشقيق وأشقائه طريقه الصدق في النوايا والالتزام بالتعهدات وتغيير السلوك الذي سبب ضررا وفتح صفحة جديدة”.
تعتقد مراجع دبلوماسية خليجية أن أمير قطر سيحاول في الكويت تخفيف التوتر الذي أربك قطر في الأيام الأخيرة من خلال اتخاذ إجراءات تجميلية ظرفية. لكن هذه المراجع تؤكد أن الظروف تغيّرت والعالم قد تغيّر وأن دول الخليج لن تقبل بوعود سبق أن نكثت الدوحة بها، وأن هذه العواصم لن تخضع لتعهدات جديدة سبق أن التزم بها أمير قطر أمام العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز عام 2014 ولم يف بها.
عكس السير
يؤكد خبراء في الشؤون الخليجية أن سياسة المشاكسة والمشي عكس التيار الخليجي التي تنتهجها الدوحة ناهيك عن الدعم العلني المالي واللوجيستي والإعلامي والسياسي الذي تقدّمه الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين وتيارات الإسلام السياسي، هو خيار بنيوي استراتيجي للنظام السياسي القطري، وأنه من المستبعد، إذا لم يكن من المستحيل، التخلي عمّا تعتبره الدوحة من صلب المشروعية السياسية للنظام.
مواقف قطر من إيران والإخوان تكشف أن العهد الذي قطعه الشيخ تميم على نفسه أمام العاهل السعودي الراحل وأمير الكويت قد طواه النسيان
ويضيف هؤلاء أن الدوحة تعتبر أن أمن النظام القطري مرتبط بالوظائف التي يمكن أن تقدّمها داخل شبكة الأجندات المعقدة في الشرق الاوسط، وأن قطر ما زالت، رغم تغير المزاج الدولي العام حيال إيران والإسلام السياسي، تسعى إلى تسويق دور لها لخدمة عواصم متباعدة ومتباينة ومتعددة.
ورأت مصادر خليجية مطلعة أنه من الصعب تخيّل صدقية قطر في البحث عن تآلف مع العائلة الخليجية في الكويت، فيما أمعنت الدوحة في صب الزيت على النار من خلال اتصال أجراه أميرها بالرئيس الإيراني حسن روحاني.
وأضافت هذه المصادر أن الدوحة تسعى ‘اى التقرّب من طهران أو الإيحاء للخليجيين بأنها قد تستقوي بطهران للرد على “محنتها” الخليجية الراهنة.
ونقلت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء عن روحاني قوله لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني “نريد أن يسود الاعتدال والتعقل في العلاقات بين الدول ونؤمن بأن الأولوية ينبغي أن تكون للحل السياسي”.
ولفتت المصادر أن روحاني لا يمثل في موقع رئاسة الجمهورية إلا ظل المرشد علي خامنئي، وأنه ووزير خارجيته محمد جواد ظريف تنافسا على مهاجمة الخيارات الخليجية، وأن دعوة روحاني لعلاقات إيجابية مع دول الخليج، حسب البيان الصادر عن اتصال الشيخ تميم به، تتناقض مع بيان خامنئي الذي شنّ هجوما على السعودية.
وقال خامنئي، السبت، إن حكام المملكة العربية السعودية يواجهون “السقوط الحتمي” بسبب تحالفهم مع الولايات المتحدة. جاءت تصريحات خامنئي بعد ساعات من دعوة الرئيس الإيراني إلى تحسين العلاقات مع دول الخليج العربية.
ووفق حساب خامنئي على تويتر فإنه قال لأتباعه في لقاء ديني “هم (قادة السعودية) يتصرفون بشكل ودي مع أعداء الإسلام في حين يتبعون سلوكا مناقضا مع المسلمين في البحرين واليمن”.
وقال المرشد الأعلى لحضور في مقرأة لتلاوة القرآن في أول أيام شهر رمضان “سيواجهون سقوطا حتميا”.
وفي ذات التوجه الساعي إلى شق الصف العربي، حذا المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي حذو المرشد الأعلى، كاشفا عن زيف ادعاء روحاني بشأن تحسين العلاقات.
اعتبر قاسمي أن “أساس المشكلة بين السعودية وقطر سببها مخرجات القمة العربية الإسلامية الأميركية التي عقدت في الرياض مؤخرا”، و”الاصطفاف الذي جاء في غير محله وقيل إنه حصل بالإجماع”. ونقلت وكالة تسنيم الإيرانية عنه القول في مؤتمر صحافي “لقد دعت السعودية عددا من الدول العربية والإسلامية إلى مؤتمر في الرياض، وحسب ما رصدناه من خلال اتصالات مع جهات دبلوماسية فإن الكثير من الدول لم تكن على علم بأن هذا المؤتمر سينتهي إلى بيان ختامي، عدا عن كون بعض الدول معارضة لفحوى هذا البيان الختامي”.
كافة الاحتمالات واردة
تقول مراجع خليجية مطلعة إنه لم يعد مهما ما تجده قطر مواتيا لمصالحها في خياراتها السياسية، وأن المهم أن الأمور وصلت إلى حدود لم تعد العواصم الخليجية تقبل بها، وأن مصالحها السياسية الأمنية والسياسية، لا سيما بعد انعقاد القمم الثلاث مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرا، تتطلب أكثر من “تراجع” قطر ووعود أميرها.
ولم تفصح هذه المراجع عن الخطوات التي قد تتخذها دول الخليج للدفاع عن أمنها ومصالحها ضد السياسات القطرية، لكنها أكدت أن كافة الاحتمالات باتت واردة لحسم علة باتت تهدد دول مجلس التعاون الخليجي، كما باتت تهدد شعوب هذه المنطقة. وذكّر مراقبون خليجيون بوعد أمير قطر أمام العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز أثناء الوساطة السابقة لأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد عام 2014، بعدم مس الثوابت الخليجية في علاقاتها وأمنها.
وقال المراقبون إن مواقف قطر من إيران والإخوان تكشف أن العهد الذي قطعه الشيخ تميم على نفسه أمام العاهل السعودي الراحل وأمير الكويت قد طواه النسيان، الأمر الذي يسقط الوساطة الكويتية ميتة قبل أن تولد.
واستغرب مسؤولون خليجيون مواصلة الدوحة اعتماد سياسات لا تمتّ بصلة إلى البيئة الخليجية وتقاليدها، لا سيما أن العواصم الخليجية سبق لها وأن أبدت رفضا لهذه السياسات وصلت إلى حد القطيعة وسحب السفراء من الدوحة في عام 2014.وعادت الأمور إلى طبيعتها بعد تعهّد قطر وأميرها أمام العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بالكفّ عن انتهاج سلوكيات تتعارض مع مصالح دول الخليج.