توتر بين بري وعون يعيد الامور إلى المربع الاول

 

المستقبل :

«في الفقه واللغة والقانون»، احتدمت خلال الساعات الأخيرة أزمة تفسير رئاسي لنص المادة 59 بين عين التينة وقصر بعبدا في ضوء خروج رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى العلن باجتهاد دستوري رداً على تأخير فتح دورة استثنائية للمجلس استقاه من روحية الدستور الفرنسي بما يتيح تمديد العقد العادي الحالي ذاتياً لمدة شهر إضافي ينتهي نهاية حزيران من دون الحاجة إلى انتظار استخدام رئيس الجمهورية صلاحيته بفتح الدورة الاستئنائية، مستنداً في ذلك إلى كلمة «تأجيل» انعقاد المجلس الواردة في نصّ المادة 59 والتي لا تعني، بحسب بري (الذي يُخبئ في جعبته «مفاجآت أخرى قادمة» وفق زواره)، سوى تأخير مدة الانعقاد إلى موعد آخر «فإذا ما انقضت المدة المؤجلة يعود المجلس للانعقاد فيستمر انعقاده حُكماً لتعويض الفترة التي أُجّلت»، الأمر الذي سارع القريبون من بعبدا بالرد عليه عبر قناة «otv» متسلّحين بـ«المادة 32 من الدستور التي تؤكد بنصٍ واضحٍ لا لبسَ فيه أن العقد النيابي تتوالى جلساتُه حتى نهاية شهر أيار.. ونقطة على السطر». وبعيداً عن الرد والرد المضاد، كانت لرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري مساءً كلمة وطنية جامعة مركزيتها «حماية لبنان وتعزيز كرامة اللبنانيين»، مشدداً فيها على ثابتتين جوهريتين تتمحوران حول «الإيمان بالقدرة على التغيير» ووجوب «التمسك بالتضامن العربي».

وخلال مأدبة الإفطار التي أقامها غروب أمس في السراي الحكومي بحضور رسمي تقدمه رئيس مجلس النواب إلى جانب حشد من الرؤساء السابقين وقادة الأجهزة العسكرية والأمنية وشخصيات سياسية وروحية وديبلوماسية واقتصادية وإعلامية، دعا الحريري «كل السياسيين 

والزعماء إلى اعتبار التفاهم السياسي الحاصل فرصة حقيقية لحماية لبنان وتعزيز كرامة اللبنانيين»، مشيراً في إطار حديثه عن «الحرب الاقتصادية والإنمائية والمعيشية» التي تخوضها حكومته إلى إنجاز دراسة مشاريع مهمة «تنتظر فقط صدور قرارات سياسية جريئة بعيداً عن المحاصصة والطائفية والفساد وشبهاته، وعن الذين تهبط عليهم فجأة صحوة النزاهة والشفافية». 

وإذ تساءل: «هل هناك من يريد للدولة أن تفشل ليبقى المواطن رهينة بعض السياسات الخاطئة؟»، نبّه رئيس مجلس الوزراء في معرض مقاربته ملف قانون الانتخاب إلى أنّ «المهل الدستورية تداهم الجميع، وما بعد منتصف ليل 19 حزيران لن يكون كما قبله»، محذراً من أنّ «العودة إلى قانون الستين أو التمديد ستُشكل هزيمة للجميع واهتراءً لا يصب في مصلحة البلد». وفي حين نوّه بالجهود التي يبذلها بري للتوصل إلى قانون جديد وعصري للانتخابات، جزم الحريري بحتمية التوصل إلى هذا القانون «لأنّ الفشل غير مسموح به ولأنه الموضوع الوحيد الذي لا يزال يفصلنا عن الاستقرار الذي يجب أن نعيشه».

الحريري، الذي دعا بمناسبة حلول شهر رمصان كل المنابر الإسلامية في العالم العربي إلى إعلانه «شهراً لنبذ التطرف ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله»، أعرب في هذا السياق عن التطلع إلى «استكمال إمساك الجيش بكامل الحدود الشرقية والشمالية لضبطها في الاتجاهين»، مع تجديد التأكيد على حصرية مسؤولية الجيش والقوى الأمنية في حماية الاستقرار، والتشديد «في المقلب الآخر على أنّ التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية لا يُعبّر عن الدولة اللبنانية وحكومتها ومؤسساتها الشرعية التي تلتزم ميثاق جامعة الدول العربية»، لافتاً الانتباه إلى أنّ «التحديات الناشئة عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية تستدعي التمسك بالتضامن العربي ورفض الإجراءات الإسرائيلية المعلنة لتهويد القدس الشريف والتي ستُشكل تهديداً جديداً لمشاريع السلام وخروجاً على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة». ليختم كلمته بالتضرع إلى الله «أن ينأى بوطننا عن الحروب والنزاعات، ويحفظ وحدتنا واستقرارنا، ويعين أهل السياسة على التوصل إلى قانون جديد للانتخابات». 

وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد طمأن اللبنانيين أمس إلى أنّ «الاتصالات قائمة حالياً للاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية على أساس النسبية»، مبدياً الأمل أمام زواره بأن «نبشّر اللبنانيين بإنجاز هذا القانون قبل نهاية ولاية مجلس النواب في 20 حزيران المقبل».

 

الديار :

عاد «الوجوم» الى وجوه كل «العتالة» العاملين على خط انتاج قانون انتخابي جديد، دقائق معدودات نقلت البلاد من مساحة واسعة من التفاؤل الى «نقطة الصفر». «لعبة عض الاصابع» بين الرئاستين الاولى والثانية، اخذت منحا جديدا بفعل «الثقة» المفقودة بين الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري. «غامر» عون «باللعب» على اعصاب ابو مصطفى بـ«ورقة» الجلسة الاستثنائية فجاء الرد «استثنائيا» بخطوة نادرة  من عين التينة، طور بري «المواجهة» عبر مؤتمر صحافي نظم على «عجل» ليؤكد حجم «الاستياء» من محاولات «التمريك» عليه سياسيا، و«احراجه» بعد ان لمس وجود نوايا مبيتة حيال فتح الدورة الاستثنائية العتيدة، وذلك بعد ان تلقى ضمانات واضحة من قبل حزب الله ورئيس الحكومة سعد الحريري بأن الاتفاق مع الرئيس قد انجز. الان تراجع قانون الانتخابات خطوة الى الوراء، باتت الاولوية محاولة وقف التدهور و«النكد السياسي» بين بعبدا وعين التينة، ودون ذلك لن يكون تفاهم على قانون ولا «يحزنون»، بحسب اوساط سياسية بارزة تعمل على خط انجاز التفاهم...
هذه الاوساط اكدت ان الرئيس بري اراد بالخروج عن صمته ابراز جدية التحذيرات الصادرة من عين التينة ومن «الثنائي الشيعي»، بأن «اللعب» على حافة الهاوية بشأن الفراغ في المجلس النيابي سيكون له تداعياته السلبية على البلاد، رئيس المجلس اراد ايصال «الرسالة» الى كل من يعنيهم الامر خصوصا الى الرئاسة الاولى، بانه لن يسمح بمحاصرته او «ابتزازه» تحت اي ظرف، وما ازعجه بشكل كبير، هو استخفاف الطرف الاخر بخطورة «الازمة» الوطنية الحالية، فهو عندما كان  ينتظر اتصالا من قصر بعبدا، جاء الرد المنتظر «مستفزا» الى اقصى الحدود عبر مقدمة قناة «او تي في» التي ربطت مساء السبت فتح الدورة الاستثنائية بالاتفاق على القانون الانتخابي، وهو امر يخالف ما تم التفاهم عليه مع المرجعيات الضامنة، وبعدها غابت الرئاسة الاولى عن السمع... وتسأل مصادر مقربة من عين التينة، هل يجوز التعامل مع قضايا على درجة كبيرة من الاهمية والحساسية بهذا الاستخفاف؟ وما المقصود من تمييع الوقت ومحاولة ابتزاز رئيس المجلس بالدورة الاستثنائية؟ وهل هناك من يريد عرقلة التوصل الى قانون جديد عن سابق تصور وتصميم؟
 

 

 

 

 

 

 

 

 «محركات» حزب الله


وفي هذا السياق، علم من مصادر «الثنائي الشيعي» ان «محركات» حزب الله «معطلة»، ولا توجد اي وساطة على خط بعبدا عين التينة، فالحزب كان ينتظر ان يتم تنفيذ «التفاهم» بسلاسة، لكن ما حصل عقّد الموقف دون اي اسباب موجبة... والامور تحتاج الى اعاد تقويم. وحده الرئيس سعد  الحريري يعمل على «تبريد الاجواء» ويعمل على خط بعبدا لفتح دورة استثنائية للمجلس النيابي خلال 48 ساعة، كونها الخطوة الوحيدة الكفيلة باطلاق عجلة التفاوض على القانون الانتخابي الذي لا تزال امامه الكثير من التعقيدات خصوصا بعد رفض الرئيس بري القاطع لنقل المقاعد النيابية، وهو مطلب اساسي لدى التيار الوطني الحر، فضلا عن استمرار تمسكه بالصوت التفضيلي على المستوى الوطني مع احتمال القبول بربطه بالدائرة الانتخابية وليس القضاء... وفي هذا السياق تحذر اوساط مقربة من عين التينة من الرهان على ترف القبول بالفراغ من خلال الرهان على الذهاب الى قانون الستين لان المسألة قد تكون اخطر من ذلك ولها علاقة بالسؤال عما يمكن ان يحصل بين فترة الفراغ واجراء الانتخابات وفقا للقانون النافذ...؟
 

 بعبدا... والصلاحيات «المسلوبة»


في المقابل ترى اوساط مقربة من القصر الجمهوري ان خطوة الرئيس بري خطيرة لجهة «الاستيلاء» على صلاحيات رئيس الجمهورية، وهو كمن قال له صراحة «لا حاجة لك لفتح دورة استثنائية»، «فيك وبلاك الامور ماشية»، واعتبرت تلك الاوساط ان ثمة تقصداً لالغاء صلاحيات الرئيس، لان بري كان بمقدوره استخدام البند الثاني في مطالعته وهي تأمين 65 نائبا لتقديم عريضة تلزم رئيس الجمهورية فتح دورة استثنائية، لكنه اصر على مخالفة الدستور من خلال فتوى قانونية لا قيمة لها امام النصوص الواضحة في الدستور ومنها المادة 31 من الدستور التي تنص صراحة على ان «كل اجتماع يعقده المجلس النيابي في غير المواعيد القانونية يعد باطلا حكما، ومخالفا للدستور»... ولذلك فان اي جلسة تعقد في 5 حزيران تعتبر كأنها لم تكن لان كل قراراتها ستكون باطلة، والمجلس لن يتمكن من الانعقاد الا بفتح دورة استثنائية...
وكان الرئيس بري قد عقد مؤتمرا صحافيا اكد فيه ان مجلس النواب يحق له استرداد مدة توقفه عن العمل بموجب استخدام رئيس الجمهورية لصلاحياته، ما يعني ان لديه مهلة شهر تعتبر دورة عادية مستمرة، وذلك وفقا للاجتهاد الفرنسي، كما اكد بري رفضه القاطع لنقل اي مقعد نيابي، مؤكدا انه سيرفض القانون اذا ما تم الاصرار على هذا الامر، واشار الى انه ينتظر ردا من التيار الوطني الحر حول نقتطين، الاولى تتعلق بطريقة احتساب المقاعد، و«العتبة الوطنية». وكان رئيس الجمهورية ميشال عون قد ابدى قبل كلام بري تفاؤلا بالوصول قريبا الى الاتفاق على قانون جديد. ومساء اكد الحريري ان الستين والتمديد هزيمة للجميع وامل بالوصول الى قانون انتخاب خلال هذا الشهر، معتبرا ان التدخل في شؤون الدول العربية لا يعبر عن لبنان وحكومته ومؤسساته الشرعية..
 

  السنيورة «الخاسر» الاكبر!


وفي معرض تقويمها للنتائج المترتبة على اجراء الانتخابات النيابية وفق الدوائر الـ15 مع مراعاة التيار الوطني الحر في طلبه نقل 4 مقاعد مسيحية، تبرز الارقام الاحصائية فوز حزب الله مع القوى الحليفة في 8 آذار بـ35 مقعدا، وقوى 14 آذار 48 مقعدا، الاصلاح والتغيير 27 مقعداً، ويبقى 14 مقعدا «للمستقلين» و3 مقاعد غير محسومة، وفي التفاصيل  يحصل حزب الله وامل على 23 مقعدا و3 للحزب القومي الاجتماعي، ونائب عن حزب البعث، وآخر للنائب طلال ارسلان، وشخصية سنية محسوبة على هذا الفريق السياسي في دائرة بيروت الثانية. اما المفارقة فتكمن في نجاح اسامة سعد بمقعد في صيدا من المرجح ان يكون مكان النائب فؤاد السنيورة، لان الاصوات الشيعية المضافة بضم جزين الى صيدا ستعطي ارجحية لسعد تمكنه من الفوز دون الحاجة الى الصوت التفضيلي، فهناك 3 الاف صوت محسومة شيعيا تضاف الى نحو 12 الف صوت تنتخب رئيس التيار الناصري في صيدا، وهذا ما يفسر الاستياء ومعارضة السنيورة لموافقة الرئيس الحريري على التقسيمات المقترحة. كما سيفوز عبد الرحيم مراد في البقاع الغربي، ونائبان عن الشمال في دائرة عكار، ودائرة طرابلس - المنية - الضنية، فضلا عن فوز تيار المردة بمقعدين نيابيين في دائرة البترون - الكورة - زغرتا - بشري...
في المقابل يتمكن التيار الوطني الحر من ايصال 24 نائبا، وحزب الطاشناق 3 نواب، اما تيار المستقبل فيستطيع ايصال 23 نائبا، والقوات اللبنانية 12، وترتفع حصة الكتائب الى 7 نواب، النائب خالد الضاهر والوزير ريفي قادران على ايصال 3 نواب، اثنان عن دائرة طرابلس - المنية - الضنية، ونائب عن عكار، الجماعة الاسلامية لن تستطيع الخرق في اي دائرة، وتبقى ثلاثة مقاعد مسيحية غير محسومة والمرجح ان تذهب «لمستقلين».
اللقاء الديموقراطي يستطيع الفوز بعشرة نواب، الوزير محمد الصفدي مقعد، والرئيس نجيب ميقاتي مقعد، ميشال المر مقعد في المتن، الكتلة الشعبية في زحلة نائب واحد... في المحصلة ووفقا لهذا القانون يستطيع المسيحيون انتخاب 51 نائباً بأصواتهم، وهو رقم معرّض للتراجع على نحو طفيف اذا تم رفض نقل المقاعد النيابية، وهو امر بات بحكم الامر الواقع بعد اعلان الرئيس بري رفضه العلني والصريح بالامس لهذا الامر. الطائفة السنية توصل بأصواتها 34 نائبا على الرغم من تقلص حصة تيار المستقبل، اما الشيعة فيساهمون في  ايصال 30 نائبا بأصواتهم...
وبشأن طريقة احتساب المقاعد، و«العتبة الوطنية» التي ينتظر الرئيس بري اجوبة نهائية عليها من التيار الوطني الحر، فلها اهمية كبيرة في النظام النسبي، «التيار البرتقالي» معني بابقائها كي يخسر من يعتبرهم الوزير باسيل «الفراطة»، كما يبدو تيار المستقبل اكثر تشددا في التمسك بادخال مبدأ «العتبة الوطنية» ايضا كجزء من القانون لانها تسمح باقصاء خصومه على الساحة السنية، وفي مقدمتهم الوزير اشرف الريفي، فوفقاً لهذه القاعدة يتوجب على كل لائحة ان تحصل على 10بالمئة من نسبة اصوات المقترعين على المستوى الوطني، كي يتم احتساب اصواتها ضمن الدائرة التي تنافس فيها على المقاعد، واذا لم تحصل عليها تلغى اصواتها وتخرج من «السباق» الانتخابي، وتبلغ هذه النسبة وفقا للتجارب الانتخابية الماضية نحو 200 الف صوت تحتاجها اللائحة لتجاوز «العتبة الوطنية»... وعلى سبيل المثال، اذا نال الوزير ريفي او اي من مرشحيه اصواتا كافية للفوز في دائرة طرابلس ولم تتجاوز لائحته الرقم المطلوب على الصعيد الوطني «تشطب» ارقامه ولا يستطيع دخول الندوة البرلمانية.

 

 

الجمهورية :

المشهد الداخلي مشحون سياسياً ودستورياً، والمناخ الإيجابي الذي ظهر على السطح في الفترة الأخيرة يبدو أنّه تَوارى خلف تصادمِ الصلاحيات وتفسيرات دستورية متناقضة حول فتحِ الدورة الاستثنائية ومن هو صاحب الصلاحية في هذا الفتح. وأمّا القانون النسبي المطروح كمخرج بدوائره الـ 15، فجامد في مكانه من دون أيّ تقدّم يُذكر على صعيد الاتصالات التي يقال إنّها جارية، فيما هي غير مرئية، بينما العقدة الأساس ما زالت كامنة في الخلاف المستحكم على نقلِ المقاعد من منطقة إلى أخرى، والذي قد يشكّل رصاصة الرحمة في رأس هذا القانون.

البارز في الساعات الماضية كان الحديث المتجدد لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن إمكان ولادة القانون الانتخابي الجديد قبل نهاية ولاية المجلس في 20 حزيران المقبل.

وهو الامر نفسه الذي اكّد عليه رئيس الحكومة سعد الحريري مساء امس بقوله: «عندما اقول انّنا سنصل الى قانون للانتخابات يعني انّنا سنصل الى قانون للانتخابات، وقد اصبحنا قاب قوسين من التوصّل الى ذلك».

الدورة الاستثنائية

اللافت انّ رئيس الجمهورية لم يتطرق امام زوّاره الى الدورة الاستثنائية إنْ حول سببِ التأخّر في فتحها او حول ما إذا كان سيصدر مرسوم فتحِها، او موعد إصدار هذا المرسوم، فيما لوحِظ انّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري رَفع من سقف خطابِه ضد ما سمّاه الهجوم المستغرب الذي تعرّضَ له من «التيار الوطني الحر» على خلفية تحديدِه موعد الجلسة التشريعية في 5 حزيران المقبل، مستغرباً تصويرَ خطوتِه هذه وكأنّها افتئات على صلاحيات رئيس الجمهورية.

فيما رأيُ رئاسة الجمهورية مناقض لموقف بري، إذ تحيل الجميع إلى المواد 31 و32 و33 من الدستور والتي هي شديدة الوضوح حول كيفية فتحِ الدورة، ومن هو صاحب الصلاحية بذلك، وبالتالي لا اجتهاد امام النص.

قريبون من بعبدا

وفي هذا السياق، اكّد قريبون من قصر بعبدا لـ»الجمهورية» انّ رئيس الجمهورية «اعلن من اللحظة الاولى انه اذا انقضى العقد العادي لمجلس النواب من دون اقرار قانون انتخاب فهو جاهز لتوقيع مرسوم دورة استثنائية حتى 20 حزيران لإقرار قانون الانتخابات حصراً، وبالتالي هذا أمر محسوم ومعروف، لكن ذلك يجب ان يتم وفق الدستور والاصول. والدستور واضح في المواد 31 و32 و33 حيث يحدّد كيفية فتح الدورة، وبدايتها ونهايتها وجدول اعمالها».

ولذلك، اضاف القريبون من بعبدا، «فإنّ أيّ تحديد لأي جلسة من خارج هذه الاصول يُعدّ باطلاً ومخالفاً للقانون والدستور، بحسب نصّ المادة 31. والمرسوم يصدِره رئيس الجمهورية بعد الاتفاق مع رئيس الحكومة، وجدول اعمال العقد الاستثنائي يحدّده مرسوم فتح الدورة وليس أحد آخر. ورئيس الجمهورية مؤتمن على الدستور وأقسَم بالحفاظ عليه وسيطبّق هذه المواد ولا يمكن ان يخرج عنها او يسمح بالخروج عنها».

وهل دخَلنا في كباش واجتهادات دستورية؟ أجاب هؤلاء:» لا كباش ولا اجتهادات، الدستور واضح ويجب تطبيقه، والنص واضح، وبالتالي لا اجتهاد في موضع النص. لذلك وجبَت قراءة المواد 31 و32 و33 الواضحة وضوح الشمس ولا تحتاج لا الى تفسير او الى اجتهاد، ورئيس الجمهورية سيطبّق هذه المواد حرفياً».

وتعليقاً على المؤتمر الصحافي للرئيس بري، اوضَح القريبون من بعبدا «انّ المهم هو ما ختم به المؤتمر، إذ اكّد انه يمكن انّ هناك محاولات للإيقاع بينه وبين رئيس الجمهورية، وأنّ ما قبل الانتخابات ليس كما بعدها والباقي خاضع للدستور. وأمّا في السياسة فإنّ للكلام هوامش كبيرة، وأمّا الدستور فليس له هوامش بل هو نصّ واضح وصريح».

ولاحَظ القريبون من بعبدا «انّ الغريب في هذا التطور الذي حصل هو انّه أتى فوراً بعد كلام رئيس الجمهورية بأنّ الاتصالات متقدّمة لكي يبصر قانون الانتخاب النور قبل 20 حزيران المقبل».

وحول نقلِ المقاعد النيابية، لفتَ القريبون من بعبدا الانتباه الى «أنّ رئاسة الجمهورية لم تتعاطَ بهذا الموضوع، بل هو متروك للقوى السياسية. وإن كان البعض يتفهّم بعض القوى بالعودة الى اساس الطائف وتخفيف الطائف من اعباء زمن الوصاية».

توتّر دستوري

الواضح انّ هذه الاجواء التي استجدّت بالامس، تنفّس المناخ التفاؤلي الذي ساد في الساعات الاخيرة، وتضعِف احتمال بروز ايجابيات جدّية تؤسس لولادة سريعة للقانون النسبي، ذلك انّ البلد عاد ليتأثّر بـ»التوتر الدستوري» الذي اشتعل فجأةً بين بعبدا وعين التينة، الذي يبدو انّه مفتوح على محطات اشتباكية اخرى، ما يعني زيادة منسوب التوتر، الامر الذي يجعل من الايام الـ 20 المتبقية من عمر الولاية المجلسية اياماً شاقة سياسياً ستقود الى واحد من اتجاهين: إمّا نحو حلّ نهائي عبر قانون انتخابي يرسّخ الاستقرار السياسي، وإمّا نحو الأسوأ بعد 20 حزيران.

إلّا أنّ مصادر عاملة على خط الاتصالات لم تقطع شعرةَ الامل في تجاوزِ هذه الأزمة، بل إنّ المعركة الجانبية التي فُتحت على هامش القانون، لم تلغِ مناخ التفاؤل بالكامل، بل إنّ الامل ما يزال موجوداً، والرهان يبقى على الحركة التي يمكن ان يقوم بها النائب جورج عدوان مع القوى السياسية، خصوصاً اتصالاته مع «التيار الوطني الحر»، وكذلك مع بري وسائر القوى الحليفة له، وتحديداً «حزب الله»، الذي يبدو جليّاً أنه يتبنّى موقف بري في هذه الفترة.

إلّا انّ المصادر تعترف بأنّ مهمة عدوان قد تكون شاقة جداً، وإمكانية تحقيق خرقٍ صعبة جداً تبعاً للمواقف المتصلبة للقوى السياسية كلها. فـ»التيار الوطني الحر» ومعه «القوات اللبنانية» يصرّان على وضعِ الضوابط للقانون وكذلك تضمينه الإصلاحات التي تؤمّن تحقيقَ سلامة التمثيل وصحته للمسيحيين، ويأتي نقلُ المقاعد من امكنةِِ فرَضتها الوصاية السورية الى امكنتِها الطبيعية. فيما يقابل هذا الإصرار بإصرار مقابل من بري وحلفائه على رفض خطوة نقلِ المقاعد حتى ولو ادّى ذلك الى تطيير القانون.

وفيما تخلو روزنامة القوى السياسية من مواعيد محدّدة لاستئناف الاتصالات، لم تستبعد مصادر مواكبة لحركة عدوان ان يبادر الى استئناف اتصالاته على الخطوط كلها، وبالتالي التحرّك مجدداً نحو عين التينة والسراي الحكومي وبعبدا و»التيار الوطني» الذي قالت اوساطه إنّ موقفاً مهمّاً سيصدر عنه اليوم ربطاً بالتطورات الاخيرة.

ووصَفت المصادر هذه الاتصالات بالفرصة الاخيرة التي لا بدّ لها ان تُنتج تفاهماً ولو في اللحظة الاخيرة، وهذا يفترض بالدرجة الاولى ألّا تصطدم بطروحات من هنا وهناك، تنطوي على شيء من التعجيز، الامر الذي يعزّز احتمالات الفشل، وتجنّبُ هذا الاصطدام يوجب بداية سلوكِ الاطراف جميعها طريقَ التنازلات المتبادلة، لتؤدّي الى قانون جديد لا تنحصر فائدته بتعزيز سلامة التمثيل وصحته، بل بتعزيز الاستقرار السياسي الذي يعاني من هشاشة كبيرة في هذه الايام.

«القوات اللبنانية»

وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» إنّ التقدّم الذي حصل انتخابياً غيرُ مسبوق لجهة إنجاز التوافق السياسي على النسبية الكاملة وحجم الدوائر والصوت التفضيلي، فيما انتقل النقاش لبحثِ الأمور التقنية المتصلة باحتساب الأصوات، واستمرار البحث في مسألة نقل المقاعد بإخراجها من اللغط الحاصل أو التشويه المتعمّد، حيث إنّ «القوات» أحرصُ ما يكون على المسيحيين في الأطراف، والدليل انّ فكرة الاقتراح المختلط تستند إلى قاعدة أساسية، وهي تمكين الصوت المسيحي في الدوائر المختلطة، وتحديداً في الأطراف، من ان يكون مؤثّراً لا هامشياً ولزوم ما لا يلزم على غرار ما هو قائم وأدّى إلى تيئيس المسيحيين من سياسة المحادل والبوسطات وتغييبهم عن اختيار نوّابهم».

وتمنّت المصادر «عدم حرفِ النقاش عن التطور الأساس الذي نجَحت المقاربة القواتية في تحقيقه، والمتّصل بتجاوزِ الخلافات من أجل الوصول إلى مساحة مشتركة فعلية وللمرّة الأولى»، وحذّرت «من العودة إلى النقطة الصفر لأنّ المسافة الزمنية الفاصلة عن نهاية ولاية مجلس النواب لم تعد تسمح بتضييع الوقت وتمييع النقاش، خصوصاً أنّ الاتفاق السياسي الذي أنجِز على النسبية الكاملة وتفاصيلها بنسبة 90% يستحيل استنساخه على اقتراح آخر، ما قد يضع لبنان أمام احتمالات أسوأ من بعضها البعض».

ودعَت «القوات» إلى «عدم تضييع الفرصة التاريخية التي بَرزت مع التوافق الأخير، بل يجب التقاطها سريعاً وترجمتها بقانون تُجرى على أساسه الانتخابات، بما يصحّح التمثيل الوطني ويحقّق المساواة ويطبّق الطائف بشقّه الميثاقي ويقدّم جرعة إصلاحية ويحصّن الاستقرار ويعطي العهد زخماً استثنائياً وانطلاقة متجدّدة».

 

 

اللواء :

أبعد من النقاش الدستوري، أو الجدل، تطايرت شظايا المؤتمر الصحفي الذي فاجأ الرئيس نبيه برّي المجتمع السياسي بعقده بكل اتجاه، ووضعت البلاد امام احتمالين لا ثالث لهما: إما الإسراع بفتح دورة استثنائية تتيح للمجلس النيابي عقد جلسة أو اكثر لمناقشة وإقرار قانون انتخاب جديد، بلا نقل مقاعد أو فرز إضافي للمجتمع اللبناني، المنهك بالازمات، وإما انشطار السلطات العامة والوصول إلى مكان في البلد تنتهي فيه ولاية المجلس النيابي، او لا تنتهي، اذا ما سارت الأمور على نحو غير متوقع، ومدد المجلس لنفسه في «جلسة ما» من دون فتح الدورة الاستثنائية، عملاً بما قاله الرئيس برّي في مؤتمره الصحفي من ان تأجيل انعقاد المجلس لمدة شهر، هو ارجاء عقد الجلسات وهو دين للسلطة الاشتراعية.
وقال الرئيس سعد الحريري في افطار أقامه غروب أمس في السراي الحكومي، كان من أبرز حضوره الرئيس برّي والرؤساء امين الجميل وحسين الحسيني ونجيب ميقاتي وتمام سلام، والمفتي عبداللطيف دريان، وقاطعه النائب وليد جنبلاط أو من يمثله، أن المهل الدستورية تداهم الجميع، وما بعد منتصف ليل التاسع عشر من حزيران لن يكون كما قبله.
والخيار السليم بالنسبة لرئيس الحكومة الوحيد الاتفاق على قانون انتخاب جديد.
ومن وجهة نظره فان العودة إلى الستين أو التمديد سيشكل هزيمة لنا جميعاً امام قواعدنا الشعبية، ويعبر عن اهتراء سياسي.
الا أن الرئيس الحريري، الذي وجه تحية إلى «الرئيس الصديق نبيه بري» رأى أن الفشل غير مسموح به، واننا أصبحنا قاب قوسين من التوصّل إلى ذلك، جازماً عندما اقول اننا سنصل إلى قانون للانتخابات يعني اننا سنصل إلى قانون للانتخابات.
عاصفة برّي
على أن الرئيس الحريري، ولئن تجنّب ما طرأ على المواقف من تشنج، بعد عاصفة برّي، التي اعادت عقارب الساعة إلى الوراء، وقابلتها بعبدا ببرودة، وبرد دستوري على النقاط التي أثارها في مؤتمره الصحفي، فان الاوساط السياسية تتحدث عن نكسة للأجواء الإيجابية، متخوفة من تصعيد في الايام القليلة المقبلة، وإن كانت بعبدا قالت انه لا اجتهاد في موضع النص، وان مرسوم الدورة الاستثنائية سيصدر حتماً، ولكن وفق «الأصول الدستورية الدقيقة» (والتعبير لمحطة O.T.V).
استأثرت «انتفاضة بري» وفقاً لتعبير أحد المشاركين في الطبخة الانتخابية بأحاديث المدعوين إلى افطار السراي، ولاقت مواقفه استحساناً، في ضوء التأخير الحاصل بفتح دورة استثنائية، والطروحات التي تمعن في تسعير الخطاب الطائفي، وإن كانت بعض أوساط بعبدا تروج ان الرئيس ليس متمسكاً بنقل المقاعد شرط العودة إلى الطائف من حيث عدد النواب الـ108.
وعلمت «اللواء» أن الرئيس الحريري حاول على هامش الإفطار احتواء التصعيد الناشئ، والتقى بالرئيس برّي قبل الإفطار، ثم عاد واجتمع إلى الوزير جبران باسيل، (ووفقاً للمعلومات فان خرقاً ما لم يسجل، وبقيت المواقف على حالها).
ومن المتوقع أن تتواصل جهود «احتواء العاصفة السياسية» التي تُهدّد قانون الانتخاب قبل جلسة مجلس الوزراء وربما بعدها في ضوء موقف التيار الوطني الحر بعد اجتماعه الأسبوعي بعد ظهر اليوم.
وقال مصدر وزاري أن الجلسة التي تعقد غداً في السراي الكبير، يغيب عنها قانون الانتخاب، وعلى جدول أعمالها 32 بنداً ابرزها:
مشروع قانون يرمي إلى تعديل الجدول الرقم (6) المتعلق بتمويل سلاسل رواتب العسكريين في الجيش وقوى الامن الداخلي لجهة إضافة تعويض لعناصر قوى الأمن الداخلي العاملين في السجون ومراكز السجون الطبية.
ومشروع مرسوم بنقل اعتماد بقيمة مليارين و250 مليون ليرة من احتياطي الموازنة لتنفيذ مشروع مصب طوارئ بحري للصرف الصحي في ساحل كسروان، ومشروع مرسوم يرمي إلى تسوية أوضاع العاملين لدى الصندوق المركزي للمهجرين ومشروعي اتفاقيتين بين لبنان والبنك الاسلامي للتنمية لتمويل مشروع تطوير وادارة خدمات الصرف الصحي في حوض نهر الغدير، فضلاً عن مشروع قانون يرمي الى تعديل قانون السير، فضلاً عن 11 بندا في الجدول يتصل بالسفر.
قانون الانتخاب
ورغم الأجواء التفاؤلية والتي شاعت خلال الساعات الماضية، ومنها تأكيد الرئيس ميشال عون بان الاتصالات قائمة حالياً للاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية على اساس النسبية، آملاً ان يبشر اللبنانيين بإنجاز هذا القانون قبل نهاية ولاية مجلس النواب في 20 حزيران المقبل، فان التجاذبات السياسية واستمرار «الكباش» بين قصري بعبدا وعين التينة بددت من أجواء هذا التفاؤل، خصوصاً بعد ما اعلنه الرئيس نبيه برّي امس من معطيات ووقائع تتصل بقانون الانتخاب ورفض نقل مقاعد عدد من النواب، وفتح الدورة الاستثنائية، حيث علمت «اللواء» ان الرئيس عون لم يوقع مرسوم فتح الدورة رغم احالته إليه من قبل دوائر رئاسة مجلس الوزراء مساء الجمعة الماضية، وانه سيوقع عندما يصبح قانون الانتخاب جاهزاً، خصوصاً وان الهدف من فتح الدورة هو اقرار هذا القانون حصراً، بحسب ما أكدت مصادر مطلعة.
غير أن مصدراً سياسياً رفيع المستوى ومعنياً بالاتصالات الجارية حول إنتاج قانون الانتخابات أكّد لـ«اللواء» أن ليس هناك من شيء محسوم بعد، وأن هناك حاجة للقيام بمزيد من الاتصالات والمشاورات للوصول إلى صيغة نهائية لقانون الانتخابات.
واعترف المصدر بان هناك تقدماً يشهده الملف، ولكنه أشار إلى انه لا يمكننا أن ننسى بأن الشياطين تكمن في تفاصيل الأمور، لافتاً إلى أن هناك الكثير من التفاصيل لا تزال بحاجة إلى اجراء المزيد من الدرس والمراجعة قبل الاعلان عن النجاح في الوصول إلى القانون العتيد الذي يطمح اليه جميع اللبنانيين.
من ناحيته، رأى مصدر نيابي في «تيار المستقبل» لـ«اللواء» ان اعتماد قانون انتخابي يعتمد على النظام النسبي كما هو معلن حالياً من الصعب التوافق عليه والسير به، ولفت إلى ان الأمور لا زالت تحتاج إلى مزيد من التشاور وإعادة النظر في تفاصيله.
وجزم المصدر بان هناك صعوبة بالنسبة لاعتماد الصوت التفضيلي، لا سيما أن المواقف السياسية واضحة من هذه النقطة، كذلك رفض المصدر رفضاً قاطعاً ما يُحكى عن نقل بعض المقاعد المسيحية من مناطق إلى مناطق أخرى، خصوصاً أن هناك مناطق ومدناً تتميّز بتنوعها الطائفي وهذا يعتبر من الامور الأساسية فيها، ويشير المصدر إلى ان هذا الموضوع مرفوض من قبل شريحة كبيرة من السياسيين المسيحيين كما المسلمين، لانه يزيد التشنج الطائفي والمذهبي.
ومن جهتها، قللت مصادر في «الثنائي المسيحي» من حجم الخلاف القائم حول مشروع النائب جورج عدوان لقانون الانتخاب، وقالت: إن هوّة الخلاف باتت ضيقة والأمور ستمشي في نهاية المطاف برغم موقف الرئيس نبيه برّي حول قانونية الدعوة لجلسة مجلس النواب في 5 حزيران. وأن الاتفاق تم على 15 دائرة والصوت التفضيلي في القضاء.. وباقي بعض التفاصيل التي ما زالت موضع نقاش، مثل نقل بعض المقاعد المسيحية من دائرة الى اخرى، وتكتمت المصادر على التفاصيل «لان الموضوع حساس ودقيق وتفصيلي، وحتى لا يفسّر اي موقف يصدر للاعلام على انه ضد فريق أو انه تراجع هنا أو تصلب هناك». واكدت ان موضوع فتح الدورة الاستثنائية تفصيلي والدورة ستفتح بكل الأحوال.
وأشارت المصادر إلى أن القوى السياسية الاساسية سائرة في المشروع وأن كانت هناك بعض الملاحظات لقوى أخرى سيجري تذليلها.
وربطت بين فتح الدورة الاستثنائية وعقد جلسة 5 حزيران، وبين ما يمكن أن يحصل خلال اتصالات الساعات المقبلة لتجاوز العقبات.
«ارنب» بري
وتمثلت انتفاضة برّي، باخراج الرئيس برّي ارنباً جديداً من قبعته، في سياق تبريره لأسباب دعوته إلى جلسة في الخامس من حزيران المقبل، خارج العقد العادي للمجلس، والتي اعتبرت مخالفة للدستور، فرأى في مطالعة دستورية مطولة أن استخدام رئيس الجمهورية للمادة 59 من الدستور والتي تجيز له «تأجيل» انعقاد المجلس شهراً، هو بمثابة «دين» يبقى للمجلس دورته العادية المؤجلة شهراً، من دون حاجة الى فتح دورة استثنائية، طالما ان الرئيس عون يرهن فتح الدورة بالاتفاق على القانون الانتخابي.
وسارعت دوائر قصر بعبدا إلى الرد على الرئيس برّي مشيرة إلى أن الرئيس عون لم يقل يوماً انه لن يوقع مرسوم فتح الدورة، لكن هذا المرسوم يفترض الاتفاق أولاً على القانون الانتخابي، معتبرة الدعوة إلى جلسة 5 حزيران باطلة استناداً الى المادة 31 من الدستور، الا ان مصادر قصر بعبدا نفت ان يكون قد صدر أي كلام من بعبدا في خصوص التعليق على برّي.
وروى برّي في مؤتمر صحفي دعا إليه على عجل ظهر أمس، دوافع دعوته إلى عقد الجلسة من دون انتظار فتح الدورة الاستثنائية، موضحاً انه وفق النظام الداخلي للمجلس فان عليه أن يثبت موعد الجلسة قبل 48 ساعة، مشيراً إلى انه انتظر حتى مساء الجمعة، أي قبل موعد الجلسة التي كان مقرراً عقدها أمس الاثنين، وبعدما تبين صعوبة التفاهم على قانون انتخاب، اتصل بالرئيس عون وابلغه بانه لا يستطيع أن يؤجل جلسة الاثنين الا إذا جرى فتح دورة استثنائية، وان عون ردّ عليه طالباً منه الاتكال على الله وانه سيتحدث مع الرئيس الحريري في الموضوع، لكن برّي، بحسب ما رواه، بادر الى الاتصال بالرئيس الحريري واطلعه على ما جرى مع الرئيس عون، ودعاه الى التشاور معه في موضوع مرسوم الدورة، ولاحقاً ارسل اليه الحريري مايفيد انه ارسل مشروع مرسوم فتح الدورة الى رئيس الجمهورية، الا ان المرسوم لم يصل إلى عين التينة مقترناً بتوقيع عون، الامر الذي دفعه الى تحديد موعد الجلسة الجديدة ظهر السبت من دون انتظار المرسوم.
ولفت برّي إلى انه كان امامه ثلاثة خيارات، الدورة والعريضة النيابية، أو اللجوء الى الدستور الفرنسي الذي استوحي منه الدستور اللبناني، تلافياً لاشكال مع رئيس الجمهورية، ومؤدى هذا الخيار ان دور الانعقاد هو حق دستوري لا يجوز الغاؤه أو تقصير مدته، وان كان التأجيل متاحاً ولكن بمعنى تأخير انعقاده.
وكان الرئيس برّي قد أعلن في سياق رواية تأجيل الجلسة انه اتصل شخصياً بالنائب جورج عدوان وابلغه قبوله بالنسبية مع 15 دائرة في القانون الانتخابي، لكنه أوضح انه رغم قبوله بهذا الأمر، بدأت الشروط وكان اولها: هل ستكون المناصفة، فأجبنا بنعم بالتأكيد، ثم قالوا بالصوت التفضيلي، فقلنا ان هذا لا يُشكّل مانعاً للقانون، مع العلم انه لا ضرورة له بعد ان اصبحت الدوائر 15، لكن شرط ان لا ينحصر بالطائفة أو المذهب.
وأعلن برّي رفضه نقل مقاعد النواب شكلاً واساساً، معتبراً نقل النواب انه فرز مقلد لمشاريع التقسيم القائمة في المنطقة، خاتماً انه بانتظار القرار النهائي لتكتل التغيير والإصلاح لمتابعة النقاش حول نقطتين لم يتطرق اليهما مع عدوان، وهما العتبة الوطنية وطريقة احتساب المقاعد، وحتى ذلك التاريخ، نأمل ان شاء الله ان يكون القانون جاهزاً وتترك الامور للمجلس النيابي.
ورداً على سؤال أوضح برّي انه إذا لم يفتح رئيس الجمهورية الدورة فانه سيدعو إلى جلسة أخرى غير جلسة 5 حزيران، وانه إذا حصل إصرار على نقل المقاعد فانه لن يسير بالقانون، مستغرباً ما يقال عن وجود مشكلة بينه وبين الرئيس عون، مشيراً إلى ان ما كان قبل الانتخابات الرئاسية غير ما بعدها، وهذا الكلام اتفقت انا وهو عليه بعد الانتخابات الرئاسية مباشرة في المجلس النيابي

 

الاخبار :

هل يعود البحث في قانون الانتخابات المطروح أخيراً (النسبية على أساس 15 دائرة) إلى النقطة الصفر؟
السؤال راج في ضوء نتائج المؤتمر الصحافي لرئيس المجلس النيابي نبيه بري أمس، وسط ملامح أزمة أكبر، فيها صراع على الصلاحيات الدستورية في تفعيل المجلس أو تعطيله، بما يوحي بأنّ الخلاف بين الرئاستين الأولى والثانية آخذ في الاحتدام. وفيها أيضاً، ما لم يخرُج إلى العلن بعد، وهو مطالبة التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بتعديل دستور يثبت الطائفية والمذهبية في مجلس النواب.

ما سبق دفع بأسئلة إضافية، من قبيل ماذا سيحدث بعد أن تنتهي الدورة العادية للمجلس (غداً) إلى الفشل في التوافق على أي صيغة قانون جديد للانتخابات النيابية، وعدم توقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مرسوم الدورة الاستثنائية؟
ثم ما الهدف من وراء تعقيد الأزمة بطروحات تمسّ جوهر الطائف في أدق لحظة سياسية تمُرّ فيها البلاد؟
الثابت الوحيد في كل الدائرة المفرغة التي ندور فيها، إما أنّ هناك من لا يريد حصول الانتخابات إلا وفق ما يراه مناسباً له، وإما أن القوى السياسية تبدو مصرة على استدراج لبنان إلى دائرة النار التي تضرب المنطقة منذ سنوات، بوعي أو من دون إدراك.
ولذلك، تحتاج البلاد إلى مَن يقدر على وقف الملهاة، وقول الأمور بصراحة:
أولاً: الاتفاق على «النسبية المشوّهة» في 15 دائرة هو أفضل ما يمكن أن تنتجه الطبقة السياسية اليوم.
ثانيا: البلاد لا تحتمل الدلع، ولا الهرطقة، ولا تهشيم الدستور والقوانين التي تحوّلت إلى هيكل صدئ، لا يُقام له أي اعتبار.
ثالثا: ما تحقق تحت عناوين «الشراكة» و«استعادة التمثيل» و«حفظ الحقوق» هو أفضل الممكن حالياً. ولا داعي للذهاب أبعد، وطرح مطالب استفزازية وتعجيزية، لحفظ ماء وجه من صعد إلى شجرة وبات عاجزاً عن إيجاد سبيل للنزول.


 


رابعا: ليست الأيام العشرون الفاصلة عن عهد الفراغ النيابي الوقت الأمثل لإطلاق النار على العهد ومحاولة عرقلته. يكفي البلادَ الجمود «البنيويّ» الذي يشل مفاصل الدولة، ولا حاجة إلى مزيد من النزف السياسي والأمني والمالي.
في جميع الأحوال، ثمة مَن لم يفقد الأمل بإمكان التوصل إلى قانون جديد للانتخابات. ولا يقتصر ذلك على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري اللذين عبّرا أمس عن أملهما بالاتفاق على قانون قبل نهاية الولاية النيابية. فما قام به الرئيس نبيه بري أمس، وبصرف النظر عن الرأي الدستوري به، يحمل إيجابيات كثيرة، برأي سياسيين بعضهم من خصوم رئيس المجلس. فبرّي أكد أولاً موافقته على النسبية في 15 دائرة، وعدم ممانعته إدخال نص على الدستور لتثبيت المناصفة، رغم أنها واضحة في مواد الدستور بلا أي لبس. ودفع عن نفسه سيف التهديد لعدم فتح دورة استثنائية من خلال القول إنه مستعد للذهاب في المواجهة إلى أقصاها. كذلك فإنه رسم خطاً أحمر يحول دون نقل المقاعد من دائرة إلى أخرى (ربما يُستثنى من ذلك إعادة مقعد الإقليات، أو المقعد الإنجيلي، من الدائرة الثالثة في بيروت إلى الأشرفية).
وبحسب مصادر عونية، وأخرى من فريق 8 آذار، فإن بري سيزور قصر بعبدا الخميس، ليشارك في الإفطار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية. وقال مصدر وزاري من فريق 8 آذار إن مشاركة بري في إفطار السرايا الحكومية غروب أمس لم يهدف إلا إلى التمهيد للمشاركة في إفطار بعبدا، وكسر الجليد مع عون، وفتح أفق للحل.
مصادر في التيار الوطني الحر قالت لـ«الأخبار» إن التشنّج يسيطر على العلاقة بين عون وبري، لكن ذلك لا يعني أن الأمور أعقد من أن تُحل. وتعوّل المصادر على اتصالات ستشهدها الأيام المقبلة لخفض حدة التوتر. وفيما رأى سياسيون عونيون أن «اجتهاد بري بشأن استمرار العقد العادي لمجلس النوب أقرب إلى الهرطقة الدستورية في مقابل نصوص لا تقبل التأويل»، فإنهم أكّدوا أن الخلاف على تفسير الدستور لن يؤدي إلى إطاحة الجهود التي بُذِلت وأدّت إلى تقريب وجهات النظر بشأن قانون الانتخابات.
المسارات السياسية ليست مقفلة بالكامل إذاً. وحتى اللحظة، لم يتدخّل حزب الله لمحاولة نزع فتائل التفجير. وما يصعب تصديقه أن الاتفاق شبه منجز على قانون جديد للانتخابات، ولم يعد بحاجة إلى إلى الكف عن الدلع والنكد السياسيين.
مؤتمر برّي أمس أتى في لحظة يُحاول فيها التيار الوطني الحر والقوات طرح مسألة تعديل الدستور تحت عنوان «ضمان حقوق المسيحيين». وطرحهما يُطالب بـ «تعديل المادتين 22 و24 من الدستور، بهدف الإبقاء على المناصفة والتوزيع الموجود حالياً في المجلس النيابي بشكلٍ دائم ونهائي، حتى بعد استحداث مجلس للشيوخ يُنتخب على أساس مشروع قانون اللقاء الأرثوذكسي»، ما يعني الإبقاء على مجلس نيابي مذهبي واستحداث مجلس مذهبي جديد.
مصادر عين التينة رأت هذا المطلب «لعباً بالنار»، مؤكّدة أن موقف برّي «واضح وقد كرّره أكثر من مرّة، وهو اللاعودة عن المناصفة ولكن في إطار وطني». وأشارت إلى أن برّي في مؤتمره أطاح هذا الطرح، إذ إنه «حين اقترح إنشاء مجلس شيوخ اجتهد في الدستور مفسراً مصطلح مجلس نواب وطني لا طائفي، بأن المجلس يحافظ على المناصفة، ولكن من دون الإبقاء على التوزيع المذهبي عند المسيحيين والمسلمين».
من جهة أخرى، أعلن رئيس المجلس أنه «تلقى وعداً من رئيسي الجمهورية والحكومة بإصدار مرسوم فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب»، قائلاً: «تواصلت هاتفياً مع الرئيس عون ووعدني بأن ينسق مع رئيس الحكومة لإصدار المرسوم، خصوصاً أنني ملزم بمهلة محددة هي 48 ساعة، لتثبيت الجلسة أو تأجيلها. كان هذا الكلام الساعة التاسعة من مساء الجمعة.


 


وبعد الاتصال مع عون تواصلت مع الحريري الذي وعدني بأن يوقع المرسوم، وطلبت منه أن ينسق مع فخامة الرئيس. وبعدها أخبرني الحريري أنه وقّع المرسوم وأحاله على بعبدا لتوقيعه وإبلاغي به في الليلة ذاتها. انتظرت حتى ظهر السبت، ولم يصلني المرسوم، علماً أن المعلومات أشارت إلى أنه على الطريق، وعلى هذا الأساس دعيت إلى جلسة في الخامس من حزيران».
وقدّم رئيس المجلس مطالعة دستورية لمسألة دعوته إلى جلسة بعد انتهاء العقد العادي ومن دون إصدار مرسوم الدورة الاستثنائية، مشيراً إلى أنه «لدى استخدام الرئيس المادة 59 من الدستور، وتأجيل عمل المجلس لفترة لا تتعدى الشهر، فهذا لا يعني إلغاء الجلسة أو عمل المجلس، بل تأجيله»، مشيراً إلى أن «هذا الخيار موجود في الدستور اللبناني، وفي الدستور الفرنسي. وقد استخدم في فرنسا في عام 1898، بمعنى أنه يحق له الدعوة إلى جلسات بعد انتهاء العقد العادي لفترة شهر».
وفيما أكد برّي أنه وافق على اقتراح النائب عدوان بشأن قانون الانتخاب «لأنه خرج من لقاءات بكركي»، فإنه أكّد رفض نقل المقاعد النيابية واعتماد الصوت التفضيلي على أساس طائفي، مشيراً إلى أن هذه الطروحات تنسجم مع طروحات التقسيم في المنطقة. واستمر برّي بعدم الإفصاح عن سيناريو ما بعد 20 حزيران، مجدّداً رفضه الفراغ في المجلس النيابي. وأبدى استغرابه لعدم توقيع المرسوم، قائلاً: «سمعت أن هذا من أجل الضغط عليّ للقبول بما يريدون من ش<