عاد «الوجوم» الى وجوه كل «العتالة» العاملين على خط انتاج قانون انتخابي جديد، دقائق معدودات نقلت البلاد من مساحة واسعة من التفاؤل الى «نقطة الصفر». «لعبة عض الاصابع» بين الرئاستين الاولى والثانية، اخذت منحا جديدا بفعل «الثقة» المفقودة بين الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري. «غامر» عون «باللعب» على اعصاب ابو مصطفى بـ«ورقة» الجلسة الاستثنائية فجاء الرد «استثنائيا» بخطوة نادرة من عين التينة، طور بري «المواجهة» عبر مؤتمر صحافي نظم على «عجل» ليؤكد حجم «الاستياء» من محاولات «التمريك» عليه سياسيا، و«احراجه» بعد ان لمس وجود نوايا مبيتة حيال فتح الدورة الاستثنائية العتيدة، وذلك بعد ان تلقى ضمانات واضحة من قبل حزب الله ورئيس الحكومة سعد الحريري بأن الاتفاق مع الرئيس قد انجز. الان تراجع قانون الانتخابات خطوة الى الوراء، باتت الاولوية محاولة وقف التدهور و«النكد السياسي» بين بعبدا وعين التينة، ودون ذلك لن يكون تفاهم على قانون ولا «يحزنون»، بحسب اوساط سياسية بارزة تعمل على خط انجاز التفاهم...
هذه الاوساط اكدت ان الرئيس بري اراد بالخروج عن صمته ابراز جدية التحذيرات الصادرة من عين التينة ومن «الثنائي الشيعي»، بأن «اللعب» على حافة الهاوية بشأن الفراغ في المجلس النيابي سيكون له تداعياته السلبية على البلاد، رئيس المجلس اراد ايصال «الرسالة» الى كل من يعنيهم الامر خصوصا الى الرئاسة الاولى، بانه لن يسمح بمحاصرته او «ابتزازه» تحت اي ظرف، وما ازعجه بشكل كبير، هو استخفاف الطرف الاخر بخطورة «الازمة» الوطنية الحالية، فهو عندما كان ينتظر اتصالا من قصر بعبدا، جاء الرد المنتظر «مستفزا» الى اقصى الحدود عبر مقدمة قناة «او تي في» التي ربطت مساء السبت فتح الدورة الاستثنائية بالاتفاق على القانون الانتخابي، وهو امر يخالف ما تم التفاهم عليه مع المرجعيات الضامنة، وبعدها غابت الرئاسة الاولى عن السمع... وتسأل مصادر مقربة من عين التينة، هل يجوز التعامل مع قضايا على درجة كبيرة من الاهمية والحساسية بهذا الاستخفاف؟ وما المقصود من تمييع الوقت ومحاولة ابتزاز رئيس المجلس بالدورة الاستثنائية؟ وهل هناك من يريد عرقلة التوصل الى قانون جديد عن سابق تصور وتصميم؟
«محركات» حزب الله
وفي هذا السياق، علم من مصادر «الثنائي الشيعي» ان «محركات» حزب الله «معطلة»، ولا توجد اي وساطة على خط بعبدا عين التينة، فالحزب كان ينتظر ان يتم تنفيذ «التفاهم» بسلاسة، لكن ما حصل عقّد الموقف دون اي اسباب موجبة... والامور تحتاج الى اعاد تقويم. وحده الرئيس سعد الحريري يعمل على «تبريد الاجواء» ويعمل على خط بعبدا لفتح دورة استثنائية للمجلس النيابي خلال 48 ساعة، كونها الخطوة الوحيدة الكفيلة باطلاق عجلة التفاوض على القانون الانتخابي الذي لا تزال امامه الكثير من التعقيدات خصوصا بعد رفض الرئيس بري القاطع لنقل المقاعد النيابية، وهو مطلب اساسي لدى التيار الوطني الحر، فضلا عن استمرار تمسكه بالصوت التفضيلي على المستوى الوطني مع احتمال القبول بربطه بالدائرة الانتخابية وليس القضاء... وفي هذا السياق تحذر اوساط مقربة من عين التينة من الرهان على ترف القبول بالفراغ من خلال الرهان على الذهاب الى قانون الستين لان المسألة قد تكون اخطر من ذلك ولها علاقة بالسؤال عما يمكن ان يحصل بين فترة الفراغ واجراء الانتخابات وفقا للقانون النافذ...؟
بعبدا... والصلاحيات «المسلوبة»
في المقابل ترى اوساط مقربة من القصر الجمهوري ان خطوة الرئيس بري خطيرة لجهة «الاستيلاء» على صلاحيات رئيس الجمهورية، وهو كمن قال له صراحة «لا حاجة لك لفتح دورة استثنائية»، «فيك وبلاك الامور ماشية»، واعتبرت تلك الاوساط ان ثمة تقصداً لالغاء صلاحيات الرئيس، لان بري كان بمقدوره استخدام البند الثاني في مطالعته وهي تأمين 65 نائبا لتقديم عريضة تلزم رئيس الجمهورية فتح دورة استثنائية، لكنه اصر على مخالفة الدستور من خلال فتوى قانونية لا قيمة لها امام النصوص الواضحة في الدستور ومنها المادة 31 من الدستور التي تنص صراحة على ان «كل اجتماع يعقده المجلس النيابي في غير المواعيد القانونية يعد باطلا حكما، ومخالفا للدستور»... ولذلك فان اي جلسة تعقد في 5 حزيران تعتبر كأنها لم تكن لان كل قراراتها ستكون باطلة، والمجلس لن يتمكن من الانعقاد الا بفتح دورة استثنائية...
وكان الرئيس بري قد عقد مؤتمرا صحافيا اكد فيه ان مجلس النواب يحق له استرداد مدة توقفه عن العمل بموجب استخدام رئيس الجمهورية لصلاحياته، ما يعني ان لديه مهلة شهر تعتبر دورة عادية مستمرة، وذلك وفقا للاجتهاد الفرنسي، كما اكد بري رفضه القاطع لنقل اي مقعد نيابي، مؤكدا انه سيرفض القانون اذا ما تم الاصرار على هذا الامر، واشار الى انه ينتظر ردا من التيار الوطني الحر حول نقتطين، الاولى تتعلق بطريقة احتساب المقاعد، و«العتبة الوطنية». وكان رئيس الجمهورية ميشال عون قد ابدى قبل كلام بري تفاؤلا بالوصول قريبا الى الاتفاق على قانون جديد. ومساء اكد الحريري ان الستين والتمديد هزيمة للجميع وامل بالوصول الى قانون انتخاب خلال هذا الشهر، معتبرا ان التدخل في شؤون الدول العربية لا يعبر عن لبنان وحكومته ومؤسساته الشرعية..
السنيورة «الخاسر» الاكبر!
وفي معرض تقويمها للنتائج المترتبة على اجراء الانتخابات النيابية وفق الدوائر الـ15 مع مراعاة التيار الوطني الحر في طلبه نقل 4 مقاعد مسيحية، تبرز الارقام الاحصائية فوز حزب الله مع القوى الحليفة في 8 آذار بـ35 مقعدا، وقوى 14 آذار 48 مقعدا، الاصلاح والتغيير 27 مقعداً، ويبقى 14 مقعدا «للمستقلين» و3 مقاعد غير محسومة، وفي التفاصيل يحصل حزب الله وامل على 23 مقعدا و3 للحزب القومي الاجتماعي، ونائب عن حزب البعث، وآخر للنائب طلال ارسلان، وشخصية سنية محسوبة على هذا الفريق السياسي في دائرة بيروت الثانية. اما المفارقة فتكمن في نجاح اسامة سعد بمقعد في صيدا من المرجح ان يكون مكان النائب فؤاد السنيورة، لان الاصوات الشيعية المضافة بضم جزين الى صيدا ستعطي ارجحية لسعد تمكنه من الفوز دون الحاجة الى الصوت التفضيلي، فهناك 3 الاف صوت محسومة شيعيا تضاف الى نحو 12 الف صوت تنتخب رئيس التيار الناصري في صيدا، وهذا ما يفسر الاستياء ومعارضة السنيورة لموافقة الرئيس الحريري على التقسيمات المقترحة. كما سيفوز عبد الرحيم مراد في البقاع الغربي، ونائبان عن الشمال في دائرة عكار، ودائرة طرابلس - المنية - الضنية، فضلا عن فوز تيار المردة بمقعدين نيابيين في دائرة البترون - الكورة - زغرتا - بشري...
في المقابل يتمكن التيار الوطني الحر من ايصال 24 نائبا، وحزب الطاشناق 3 نواب، اما تيار المستقبل فيستطيع ايصال 23 نائبا، والقوات اللبنانية 12، وترتفع حصة الكتائب الى 7 نواب، النائب خالد الضاهر والوزير ريفي قادران على ايصال 3 نواب، اثنان عن دائرة طرابلس - المنية - الضنية، ونائب عن عكار، الجماعة الاسلامية لن تستطيع الخرق في اي دائرة، وتبقى ثلاثة مقاعد مسيحية غير محسومة والمرجح ان تذهب «لمستقلين».
اللقاء الديموقراطي يستطيع الفوز بعشرة نواب، الوزير محمد الصفدي مقعد، والرئيس نجيب ميقاتي مقعد، ميشال المر مقعد في المتن، الكتلة الشعبية في زحلة نائب واحد... في المحصلة ووفقا لهذا القانون يستطيع المسيحيون انتخاب 51 نائباً بأصواتهم، وهو رقم معرّض للتراجع على نحو طفيف اذا تم رفض نقل المقاعد النيابية، وهو امر بات بحكم الامر الواقع بعد اعلان الرئيس بري رفضه العلني والصريح بالامس لهذا الامر. الطائفة السنية توصل بأصواتها 34 نائبا على الرغم من تقلص حصة تيار المستقبل، اما الشيعة فيساهمون في ايصال 30 نائبا بأصواتهم...
وبشأن طريقة احتساب المقاعد، و«العتبة الوطنية» التي ينتظر الرئيس بري اجوبة نهائية عليها من التيار الوطني الحر، فلها اهمية كبيرة في النظام النسبي، «التيار البرتقالي» معني بابقائها كي يخسر من يعتبرهم الوزير باسيل «الفراطة»، كما يبدو تيار المستقبل اكثر تشددا في التمسك بادخال مبدأ «العتبة الوطنية» ايضا كجزء من القانون لانها تسمح باقصاء خصومه على الساحة السنية، وفي مقدمتهم الوزير اشرف الريفي، فوفقاً لهذه القاعدة يتوجب على كل لائحة ان تحصل على 10بالمئة من نسبة اصوات المقترعين على المستوى الوطني، كي يتم احتساب اصواتها ضمن الدائرة التي تنافس فيها على المقاعد، واذا لم تحصل عليها تلغى اصواتها وتخرج من «السباق» الانتخابي، وتبلغ هذه النسبة وفقا للتجارب الانتخابية الماضية نحو 200 الف صوت تحتاجها اللائحة لتجاوز «العتبة الوطنية»... وعلى سبيل المثال، اذا نال الوزير ريفي او اي من مرشحيه اصواتا كافية للفوز في دائرة طرابلس ولم تتجاوز لائحته الرقم المطلوب على الصعيد الوطني «تشطب» ارقامه ولا يستطيع دخول الندوة البرلمانية.