ليس بالإمكان إحصاء مدى التوسع الإيراني في التركيبة السورية، دون احتساب انتشار العقيدة الخمينية في أوساط السُنّة الموالين للنظام والعلويين والاسماعيليين وغيرهم من أبناء الأقليات السورية. وهنا من المفيد العودة لنص القرار الرئاسي المنشور في موقع "المدن" قبل أكثر من شهر، وينص على تسوية أوضاع المقاتلين السوريين الخاضعين للقيادة الايرانية. بيد أن هذا القرار يكشف أرقاماً تتجاوز في حجمها عديد الأقلية الشيعية في سوريا، ويُرجح ارتباطها بتغيير مذهبي حاصل. كما يُفيد تحليل هذه الأرقام وفقاً للمحافظات الواردة فيها، في معرفة أحجام كل من الميليشيات المحلية المعروفة بالإسم فقط، وهي كانت مجهولة العديد حتى أمد قريب.
نصُ القرار المنشور في "المدن" بعنوان ”كيف يتم دمج المليشيات الإيرانية بقوات النظام“ في الرابع من الشهر الجاري، يُحدد اجمالي عدد السوريين المقاتلين بإشراف طهران، ب 88733 فرد بينهم 37004 موظفين مدنيين. ورغم أن القرار يُسوي أوضاع هؤلاء العسكريين والمدنيين وفقاً للقوانين السورية، إلا أنه يُبقيهم تحت السيطرة الايرانية، وبشكل صريح بلا مواربة، بما يُذكر بالحالة اللبنانية.
واللافت هنا أيضاً أن المؤسسات الايرانية التي توظف حوالى 88 ألف سوري باتت أقرب الى القطاع العام في البلاد بجسمين مدني وعسكري متناسقين وامتداد على كافة الأراضي السورية، ومن ضمنها الساحل المحرّم على الايرانيين منذ ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.
حلب هي المحافظة الأولى عددياً في القائمة، وفيها 25 ألفاً بينهم 10241 موظفاً مدنياً، والبقية مقاتلون (لواء الباقر ومجموعات نبل والزهراء). ثم تليها دمشق بـ19616 موظفاً بينهم 9485 مدنياً يُرجح أنهم عماد المؤسسات الناشئة والهادفة لتعزيز شعبية الميليشيات الشيعية بصفتها بديلاً عن الدولة في توفير خدمات اجتماعية يعجز عنها جيش النظام. في دمشق أيضاً، يتمركز لواء السيدة رقية، وهو فصيل عسكري شيعي.
لحماة حصة كبيرة (12126 سوريا يخضعون للقيادة الايرانية بينهم 3915 مدنياً). لكن غياب الكتلة السكانية الشيعية في حماة، على عكس حمص ودمشق وحتى حلب، يدفع الى التساؤل عمّا اذا كان هذا الرقم خالصاً لـ”المقاومة العقائدية“ التي تستقطب مقاتلين من مناطق الساحل السوري وغرب محافظة حماة، إلى جانب ”الغالبون“. وهذا يُفسر الاعلانات المتتالية في مناطق ريف حماة مثل مدينة مصياف، عن ”إستشهاد“ مقاتلين من المقاومة العقائدية اعتنقوا المذهب الشيعي بنسخته الخمينية الحديثة قبل سنوات. بيد أن مسجداً شيعياً يُدعى الرسول الأعظم يعمل بجد ونشاط في مصياف، ويستضيف لقاءات مع رجال دين شيعة مثل السيد عبد الله نظام الذي يتولى عادة ادارة شؤون الخدمات الايرانية كالمنح الجامعية. ونظام رجل دين دمشقي مثير للجدل، وتعرض لانتقادات عديدة واتهامات بالفساد من ضمن الطائفة الشيعية السورية. ويُعتبر من رجالات النظام السوري قبل الثورة بسنوات، وله باع طويل في خدمته، لذا قد تكون هناك حساسية خفية بينه وبين مناصرين أكثر حماسة واستقلالية يُفضلون شخصية خمينية جديدة.
الحالة الشيعية في مصياف تنمو على حساب الأقلية الاسماعلية أيضاً، وتنتشر بين علويي اللاذقية (5434 سورياً يعملون بقيادة إيران أكثر من نصفهم مدنيون). ربما صار النظام أكثر تسليماً بالنفوذ الايراني، نظراً الى فشله في استقطاب المزيد من العلويين، سيما الشباب منهم، للقتال دفاعاً عنه. أضحى في حاجة لقوة عقائدية تستقطب نواته الأساسية.
في حمص، تذكر الوثيقة 9 آلاف أكثر من نصفهم مقاتلون، وكذا الأمر في إدلب (8 آلاف). في الحسكة ودرعا، أكثر من 1800 و1400 مقاتل تباعاً، ومئات في كل من طرطوس والرقة ودير الزور. بات للقيادة الايرانية جيش كامل من المقاتلين السوريين الخاضعين لإرادتها في كل أنحاء الجمهورية السورية. هؤلاء هم المقاتلون الفعليون على كافة الجبهات، إلى جانب اللبنانيين والعراقيين والأفغان وغيرهم. هذا جيش سوريا ”المفيد“. أما الجيش العربي السوري، فبات أشبه بديكور يستأنس بالإقامة في الثكنات وإدارة أقبية التعذيب.