لم يكن يخطر ببال سالم عبدالجليل، الشيخ الأزهري المعمم والمسؤول السابق في وزارة الأوقاف المصرية، مطلع هذا الشهر أنه سيصبح في بؤرة الأحداث، بعد أن هاجم متشددون مركبات كانت تقل أقباطا في محافظة المنيا جنوب القاهرة، وقتلوا 28 شخصا وأصابوا العشرات.
ومنعت وزارة الأوقاف المصرية عبدالجليل من الخطابة في المساجد بعد أن هاجم معتقدات المسيحيين، وقال في برنامج يذاع على قناة فضائية خاصة إن “عقيدتهم فاسدة”.
ولسوء الطالع، تزامنت تصريحات عبدالجليل مع بيانات أذاعها تنظيم داعش، الذي يتمركز فرعه المصري في شمال سيناء، مرارا عن نيته استهداف تجمعات الأقباط، وهو ما حدث بالفعل خلال هجومين منفصلين على كنيستين في مدينتي طنطا والإسكندرية في أبريل الماضي، أسفرا عن مقتل 45 شخصا.
ودفعت تصريحات عبدالجليل الكثيرين للتساؤل عما إذا كانت هذه النظرة المتشددة لعقائد غير المسلمين نابعة من داخل مؤسسة الأزهر، التي لطالما مثلت منارة الاعتدال في العالم الإسلامي، فكيف يكون تصور الجهاديين الذين يستهدفون بانتظام جنود الجيش والشرطة في مصر؟
ووقع الهجوم قبل يوم واحد من حلول شهر رمضان المبارك. ويعتقد الجهاديون أن استهداف غير المسلمين، الذين ينظر إليهم على أنهم “كفار”، وسيلة للتقرب إلى الله ولطلب الأجر.
وسرعان ما دعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي يبدو مغلوبا على أمره إزاء المؤسسة الدينية الرسمية، إلى اجتماع أمني مصغر لبحث تداعيات الحادث.
وارتفع صوت السيسي في مناسبات عدة بالمطالبة بـ”تجديد الخطاب الديني”. لكن دعوته، التي تحولت مع الوقت إلى رجع صدى بعيد، لم تجد إلى الآن بين رجال الدين الرسميين آذانا صاغية.
لكن استهداف الأقباط على وجه الخصوص نقل مستوى المواجهة إلى مستويات غير مسبوقة. ويقول دبلوماسيون عرب إن دولا إقليمية داعمة لمصر بدأ يساورها القلق من حدوث “انقسام في جسد المجتمع المصري على أسس طائفية”.
وقد يكون هذا التصور مستبعدا إلى اليوم، بالنظر إلى العلاقة الخاصة التي تجمع الأقباط والمسلمين السنة، الذين يشكلون غالبية الشعب المصري. لكن يبدو أن الوصول إلى هذا الهدف هو حلم يراود تنظيم داعش.
وصعود الفوضى في مصر هو أحد سيناريوهات “قبلة الحياة” التي يبحث عنها داعش، الواقع تحت ضغط عسكري يهدد وجوده في العراق وسوريا وليبيا وشبه جزيرة سيناء. وإذا ما تهاوى الاستقرار النسبي الذي حافظ على تماسك أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، فسيجد داعش حتما أفقا جديدا بين 92 مليون مصري يواجهون أزمات اقتصادية طاحنة.
وبات مسؤولون مصريون مدركين أكثر من أي وقت مضى أن باب الحلول الأمنية لمواجهة التطرف الديني موصد. وفي الشهور الماضية بدا أن هناك إجماعا بين مؤسسات الدولة الرسمية والمجتمع المدني والمثقفين على البحث عن مخارج فكرية لهذه الأزمة، التي وصلت إلى مرحلة انسداد تنبئ بمخاطر سياسية واقتصادية جمة.
وأول هذه المخاطر عودة الملايين إلى الشوارع من أجل التظاهر ضد أزمات متراكمة، يمثل الإخفاق الأمني والاستخباراتي أحد أوجهها. كما تسود مخاوف من خشية المستثمرين من العودة إلى مصر بسبب عدم الاستقرار الأمني، ومن تحول خطط الحكومة للإصلاح الاقتصادي المتسارع، إلى جهود تبدو كالحرث في البحر.
لكن يبدو أن السيسي يبحث عن مفتاح الحل في الاتجاه الخاطئ. فقد أظهر رجال الدين تحديا لرؤيته الإصلاحية للفكر الديني، وحشدوا صفوفهم في الصحف وعلى الفضائيات لتوجيه انتقادات لهذه الرؤية، التي يقولون إنها تمس بـ”ثوابت الدين”.
ورغم ذلك لم يترجم الغضب، الذي أظهره السيسي الشهر الماضي أثناء إعلانه عن إنشاء مجلس قومي لمكافحة التطرف بعيد الهجوم على الكنيستين، على أرض الواقع. ويقول كثيرون إن على الرئيس المصري أن يعدل من نظرته سريعا لاستراتيجية مواجهة التطرف قبل حلول الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل.