أظهرت القمة الإسرائيلية الأميركية في شباط الماضي إتجاهاً واضحاً للجم نفوذ إيران في الشرق الأوسط من خلال ضرب «أذرعتها» العسكرية في الدول العربية. وتأتي العقوبات الأميركية المُتوقّعة وقمّة الرياض لتؤكد هذا الأمر. فهل لإسرائيل مصلحة إقتصادية في شن عملية عسكرية على لبنان؟من الواضح أن المسؤولين الإسرائيليين سعيدون بوصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة في الولايات المُتحدة الأميركية. وفي فترة أقل من شهر بعد تسلمه لمنصبه، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بزيارة واشنطن للقاء الرئيس ترامب حيث أن جدول أعمال اللقاء تضمّن نقطتين أساسيتين: الأولى لجم نفوذ إيران في منطقة الشرق الأوسط والثانية المساعدات الأميركية لإسرائيل.
بحسب موقع بلومبرغ، إن لجم النفوذ الإيراني يمرّ عبر ضرب حزب الله وحماس «الأذرع» العسكرية لإيران بحسب الإسرائيليين. هذه الضربة تتضمّن شقا ماليا من خلال فرض عقوبات مالية على حزب الله وحماس كما وإيران في كل مرّة تدعم أذرعتها في المنطقة.
ومُشكلة إسرائيل الثلاثية في المنطقة هي إيران – حزب الله – وحماس حيث يُمثّل الأخيران الخطر الأكبر على إسرائيل من ناحية القرب الجغرافي، وبالتالي تعتبر إسرائيل أن القضاء على هذا الثنائي يحلّ مُشكلتها.
والقضاء على الثنائي، بحسب الإسرائيليين، يتم من خلال طريقتين: الأول عسكرية والثانية مالية.
الحرب المالية بدأت مع العقوبات الأميركية التي ستُصدرها الإدارة الأميركية قريبًا. ويبقى السؤال الجوهري: هل هناك ضربة عسكرية للبنان من قبل إسرائيل شبيهة بعدوان تموز 2006؟
الإقتصاد الإسرائيلي
الإقتصاد الإسرائيلي هو إقتصاد صناعي مُتقدّم من الناحية التكنولوجية حيث تحتلّ إسرائيل مرتبة مُتقدّمة عالميًا من ناحية إستخدام التكنولوجيا في الماكينة الإقتصادية. ويعود السبب في هذا التقدّم إلى الدعم الغربي وخصوصًا الأميركي للدولة العبرية حيث تمّ نقل المعرفة إلى الإقتصاد الإسرائيلي وتمّ إستخدامه في قطاعات التكنولوجيا، خصوصًا في المجال العسكري.
يبلغ حجم الإقتصاد الإسرائيلي 340 مليار دولار أميركي موزعة على الخدمات (65%)، الصناعة (32.6%) والزراعة (2.4%). وعلى الرغم من النمو الإقتصادي المقبول (بين 4 و6% سنويًا) والدخل الفردي المُرتفع (37,556 د.أ في العام 2016)، إلا أن المُجتمع الإسرائيلي يحوي على نسبة فقر عالية (21.7%) لعدد سكان يبلغ 8.6 مليون شخص.
ويبلغ مجموع الصادرات الإسرائيلية 110 مليار دولار أميركي أهمّها الصادرات التكنولوجية والماكينات، والبرمجة المعلوماتية والسلع الزراعية والكيميائية، والألبسة. ومن أهم الدول التي تستورد من إسرائيل: الولايات المُتحدة الأميركية (35% من إجمالي الصادرات)، هونغ كونغ (6%)، بلجيكا (5%)...
تستورد إسرائيل بما قيمته 97 مليار دولار أميركي، ومعظم البضائع هي من الموارد الطبيعية، أسلحة، ألماظ خام، بترول وغيرها من السلع تستوردها من الولايات المُتحدة الأميركية (12.5%)، الصين (7.5%)، ألمانيا (7%)...
يبلغ الدين العام الإسرائيلي 60% من الناتج المحلّي الإجمالي. هذه المديونية تبقى مقبولة على الرغم من الفساد المُستشري في الطبقة السياسية الإسرائيلية (مقال روزنر في النيويورك تايمز بتاريخ 12 كانون الثاني 2017) وذلك نظرًا لحجم المساعدات التي تتلقاها سنويًا.
لكن المُشكلة الأساسية التي تواجهها الدولة العبرية تبقى داخلية وتتمثّل بالخلل الإجتماعي في توزيع الثروات والنقص الحاد في السكن، كما وغلاء المعيشة. والأهم في الأمر وجود لوبي مؤلّف من عائلات إسرائيلية يُسيطرّ بشكل كبير على الإقتصاد الإسرائيلي (تظاهرات العام 2011).
الإقتصاد الإسرائيلي...والضربة
إن أي ضربة إسرائيلية على لبنان ستكون لها حتمًا قيود داخلية وخارجية أي أنها يجب أن تكون محدودة النطاق وقصيرة في الوقت. ونكتفي فيما يلي بذكر القيود الإقتصادية منها:
أولًا – أي عمل عسكري واسع النطاق ستكون له تداعيات سلبية على الشيكل (العملة الإسرائيلية) وبالتالي فإن المصرف المركزي الإسرائيلي سيكون مُرغمًا على قضم مخزونه من العملات الصعبة (105 مليار دولار أميركي) للدفاع عن الشيكل.
ثانيًا – مع إكتشاف إسرائيل للثروة النفطية ورغبتها في أن تزيد حجم إقتصادها بواسطة الصادرات النفطية والغازية كما والقطاعات الصناعية النفطية، يفرض عليها عدم توسيع دائرة المواجهات العسكرية.
ثالثًا – إن أية حرب على نطاق واسع سيجعل من الأراضي الإسرائيلية عرضة لصواريخ ستطال بنيتها التحتية وستُعطّل النشاط الإقتصادي مما يؤدّي إلى خسارة كبيرة على الإقتصاد الإسرائيلي.
رابعًا – الكلفة العسكرية لكل يوم حرب تبلغ حدود الـ 400 مليون دولار أميركي (أرقام عدوان تموز 2006) مما يعني أن عشرة أيّام تُكلّف 4 مليار دولار أميركي! رقم لن يستطيع الإقتصاد الإسرائيلي تحمّله دون مُساعدات أميركية.
هذه القيود الآنفة الذكر تضع سقفا أعلى للعملية العسكرية لكن هناك مصلحة لإسرائيل في شن عملية ضيقة النطاق وقصيرة في الوقت على لبنان وذلك للأسباب التالية:
أولًا – هزم حزب الله يخفّض منسوب الخطر الأكبر على الإقتصاد الإسرائيلي من خلال الصواريخ التي قد يُطلقها وهذا ما سيسمح لإسرائيل بالتركيز على تعظيم إقتصادها مع الثروات الطبيعية الحديثة الإكتشاف.
ثانيًا – إن عملية عسكرية ضد لبنان ستكون مُبرّرة في الغرب بالخطر الذي يُشكّله حزب الله على إسرائيل خصوصًا أن المُجتمع الغربي ما زال يعيش عقدة الهولوكوست وبالتالي فإن المُساعدات المالية ستنهال على الدولة العبرية.
وبحسب الباحث جيريمي شارب (تقرير بحثي للكونغرس الأميركي – ك1 2016)، فإن حجم المُساعدات الأميركية الرسمية للدولة العبرية منذ العام 1949 حتى العام 2017 بلغ 127 مليار دولار أميركي (60 مليار منذ العام 1996) منها 80 مليار مساعدات عسكرية و30 مساعدات إقتصادية.
هذه المُساعدات ستدفع الإقتصاد الإسرائيلي للنمو، وستفتح امام إسرائيل فرصا إقتصادية أخرى مثل فتح أسواق جديدة لصادراتها الغازية عبر إنشاء أنبوب بحري للغاز الإسرائيلي على حساب الغرب.
لذا، نرى أن خطر عملية عسكرية شبيهة بعدوان 2006 هو جدّي ويستوجّب أخذ الحيطة والحذر نظرًا للإستراتيجية الإسرائيلية التي تعتمد الدمار الشامل في عملياتها العسكرية (عقيدة جابونسكي المُعتمدة في الجيش الإسرائيلي) غير آبهة بالمدنيين (مجزرة قانا).
بروفيسور جاسم عجاقة