عبوتان صغيرتان كانتا الفخ الذي اعتقد حسين الحسن أنه سيُمَكّنُه من تنفيذ مخططه الدموي في بلدة رأس بعلبك ليل الأربعاء - الخميس: «تنفجر العبوتان، فيتجمّع المواطنون والعسكر، وعندها أفجّر العبوة الثالثة، المصنوعة من مسامير، لاسلكياً، لأوقع العدد الأكبر من الضحايا، لكن ما حصل لم يكن في الحسبان...»، بحسب الحسن. فكيف تسلسلت أحداث الليل في رأس بعلبك، وكيف جرت الرياح بعكس ما اشتهت سفن الإرهابي؟ مصدر مطّلع على التحقيقات يروي القصة لـ«الجمهورية».كما بات معلوماً، فإنه نحو الساعة العاشرة من ليل الأربعاء - الخميس، سُمع دويّ انفجار داخل بلدة رأس بعلبك، وعلى الفور توجّهت قوّة من الجيش إلى المكان، ليتبيّن أنّ الانفجار ناجم عن عبوتين صغيرتين، من دون تسجيل أيّ إصابات.
وقد فرض الجيش طوقاً أمنياً حول مكان الانفجار، وفتّش محيطه، وضبط عبوة ناسفة تزن نحو 3 كلغ من المواد المتفجرة معدّة للتفجير عن بعد، وحضر الخبير العسكري وعمل على تفكيكها، توازياً مع مباشرة التقصّي عن الفاعلين لتوقيفهم وإحالتهم إلى القضاء المختص.
وبعد أقل من 24 ساعة، وفي تحرّك لافت، أوقفت مديرية المخابرات حسين الحسن من بلدة عرسال الذي اعترف بالمشاركة في عملية التفجير، وبانتمائه إلى تنظيم «داعش»، لتسقط كامل الشبكة بعد ساعات من توقيفه واعترافه بالتفاصيل، فسارعت مجموعات من المخابرات والقوة الضاربة ونفّذت مداهمات في عرسال وطرابلس أفضَت الى توقيف مطلوبين وَردت أسماؤهم في التحقيقات لمشاركتهم في التخطيط والتنفيذ، بعد رصد حركة اتصالات الحسن.
حقيقة العملية
وفي التفاصيل، إنّ سرعة التحقيقات مع الموقوف قادت إلى مجموعة أسماء بينها إسم المدبّر الأساسي للتفجير وهو بلال إبراهيم البريدي، وقد حال تحرّك الجيش وفرضه لإجراءات أمنية مشددة، دون فراره أو فرار أيّ من المطلوبين.
وفي السياق، يوضح مصدر أمني لـ«الجمهورية»، أنه «أثناء عملية الدهم ولدى وصول القوة الى منزل البريدي لتوقيفه، بادر بإطلاق النار باتجاه القوة المداهمة، ملقياً قنبلة يدوية، فردّت القوة بإطلاق النار ما أدى الى إصابة ثلاثة عسكريين ومقتل البريدي وأحد المتواجدين معه»، نافياً صحة الكلام الذي نُشر عن تفجير نفسه في الآليّة العسكرية أو عن العثور على سيارة مفخخة في بلدة النبي عثمان.
المفاجأة...
لم يراجع الحسن، قبل تخطيطه للعملية، ما حصل في القاع منذ نحو سنة، وكيف أنّ أهالي البلدة خرجوا من بيوتهم وواجهوا المعتدين على ضيعتهم «باللحم الحي» ما ان سمعوا دوي الإنفجار الأول، وخَذلته ذاكرته بأنّ 8 داعشيين قُتلوا في البلدة متسبّبين باستشهاد 5 مواطنين فقط، فيما يوقِع عادةً هذا العدد من الانتحاريين مجازر في غير مناطق.
إعتقد، مخطئاً، أنّ غالبية أهالي رأس بعلبك سيهربون ما ان يسمعوا دوي الإنفجار ليبقى بعض العسكريين وبعض المواطنين القلائل ويكونوا ضحايا تفجيره الدموي، ففاجأه الأهالي بتجمّعهم الحاشد، الذي أرعبه، ودفعه للهروب من دون أن يتمكن من التقصّي عن المكان واختيار الوقت الملائم لتفجير عبوته الثالثة لا سلكياً، بحسب المصدر، الذي يؤكد أنّ العبوتين في البداية كانتا شكليّتين لتجميع الناس، إلا أنه لم يعتقد أنهم سيكونون بهذا العدد.
التحقيقات مستمرة
وفي السياق، يوضح مصدر عسكري لـ«الجمهورية» أنّه «بات من شبه المؤكّد أنّ الأوامر التي تلقاها الحسن أتت من قيادات «داعش» خارج الحدود»، مرجّحاً إختيار رأس بعلبك «لأنها بلدة مسيحيّة ومن أجل أن يتزامن هذا العمل مع العملية التي إستهدفت الأقباط في مصر، وذلك لزرع الرعب في نفوس المسيحيين في لبنان والشرق وإثارة البلبلة». وبالتالي ينتظر أن يعترف الحسن بكل تفاصيل المخطط لتكتمل الصورة خلال الساعات المقبلة مع انتهاء التحقيقات بعد سقوط كامل الشبكة.
أما ما يركّز عليه التحقيق حالياً، فهو معرفة المصدر الذي أتت منه المتفجرات، علماً أن هناك أكثر من احتمال، والأكيد أنها لم تأتِ من الجرود، لكن السؤال: هل أتت من مخازن في عرسال أو خارجها، خصوصاً أنّ كميتها الصغيرة تُمكّن مهرّبيها من العبور بطريقة أسهل؟
محاولة تضليل؟
واللافت في الموضوع أيضاً، أنّ هناك من حاول خلق بلبلة من خلال تضليل المعلومات عن المسؤول عمّا حصل، عبر «التسويق» لكون العملية حصلت نتيجة إشكالات بين أطراف في البلدة ورئيس بلديتها، لكنّ سرعة تحرّك الجيش وتوقيف الفاعل حسمت الفرضيات وأزالت «الصبغة» التي حاول البعض إعطاءها للعملية على أنها نتيجة موضوع داخلي.
وما توقف عنده المحللون هو أنّ المكان الذي وُضعت فيه العبوات والمنطقة يشيران الى أنّ «داعش» استنزف الإمكانات اللوجستية التي تسمح له بتنفيذ عمليات في مناطق بعيدة، وأنّ التضييق الحاصل أثمر، حيث أنّ عناصره باتوا ينفذون عملياتهم في مناطق قريبة من أماكن تواجدهم ليهربوا بسرعة منها، وهو دليل على غياب إمكانات توسيعهم دائرة عملهم.
إذاً، ها هي البلدات المسيحية في الأطراف تدفع مجدداً ثمن الإرهاب، وها هي مرّة أخرى تخذل المتطاولين على أمن أبنائها وتوجّه رسالة لكل متجرئ على المَس في قرى البقاع، بأنها تحوي أبناء لا يهابون الموت ولا يخيفهم مضطربو العقول الإجرامية... وها هو الجيش يثبت مرة أخرى أنه يضرب بيدٍ من حديد ويقف بالمرصاد لكل الدواعش وأخواتهم.