لا يجرؤ حزب الله على مواجهة "عاصفة ترامب" التي هبّت على المنطقة نهاية الأسبوع الماضي. الإنحناء هو الخيار الذي فضّله.
في ذكرى اغتيال مصطفى بدر الدين (11 أيار 2017) وعلى مشارف "تهدئة طويلة" في سوريا، قدّم الأمين العام حسن نصر الله نفسه باعتباره "شيخ صلح". عرض "الأمان" على أهالي عرسال، وأكّد أنّه لا يريد تغيير الديمغرافيا في مضايا والزبداني، وأعلن تسليم الحدود الشرقية اللبنانية السورية للجيش اللبناني، وعرض التواصل بين المعارضة والنظام عبر اللبنانيين، لإعادة نازحي عرسال إلى بلداتهم، تمهيدا لإعادة النازحين السوريين كلّهم. وكاد يرشح زيتاً سياسياً مقدّساً... ليختم معلياً الصوت في "الشأن الديني" حصراُ. إذ ردّ على ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بأنّ "خروج المهدي المنتَظَر أمر قطعي لدى المسلمين ولن تستطيع لا أنت ولا آباؤك ولا أجدادك ولا أحفادك أن تغيّروا من هذا القدر الإلهيّ".
وخلال خطابه الأخير في ذكرى تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي (25 أيار 2017)، بدلاً من إعلاء صوته دفاعاً عن حلفائه البحرينيين الذين يتعرّضون لهجوم كبير، خفض صوته ودعا "حكومة لبنان إلى رفض ترحيل الشيخ عيسى قاسم إلى لبنان". لم يستعِن بمنطق "حيث يجب أن نكون سنكون"، ولم يدعُ البحرينيين إلى القتال، كما فعل في مرّات سابقة، ولم يهدّد بضرب العائلة البحرينية المالكة. بل ظهر بثوب الناشط السياسي وليس بالبذلة العسكرية.
إقرأ أيضًا: عودة إعلام المستقبل إلى الطليعة: الآن الآن وليس غداً
هو نفسه الذي كان "ذراع إيران في اليمن والبحرين والعراق وسورية ومصر و..."، هو نفسه صار يعرض المصالحات على المعارضة السورية، وينسحب من حدود لبنان السورية، وينصح بعدم استقبال المعارضين البحرينيين، ومن يدري، ربما يقف غداً إلى جانب المطالبين برحيل بشار الأسد، إذا استدعت التطوّرات منه ذلك.
يتحرّك نصر الله وحزبه وفق متغيّرين أساسيين ظهرا الأسبوع الفائت، الأوّل هو "نزول ترامب" في الرياض، ثم تعريجه على تل أبيب، وفي العاصمتين هدّد إيران وطلب منها "ضبضبة أذرعها". والثاني هو الانتخابات الإيرانية التي أظهرت بما لا يقبل الشكّ أنّ الإيرانيين لا يريدون الحروب بل يطلبون السلام والحوار. لذلك أسقطوا مرشّح الحرس الثوري وخامنئي، وانتخبوا الأقرب إلى الإصلاحيين، حسن روحان، لولاية ثانية.
في هذا الوقت يسلّي نصر الله جمهوره بحروب يخترعها صحافيون قريبون منه، لإبقاء العصب الشعبي مشدوداً، في لحظة "ارتخاء عسكري وسياسي"، وينشر شائعات "الحرب الآتية" عبر واتساب وفيسبوك، ويهدّىء سياسياً معتبراً أنّ "لا انعكاس لقمة ترامب على الأوضاع السياسية في لبنان"، بعدما كان خصومه ينتظرون منه تصعيداً كبيراً في كلمته بذكرى التحرير. وفي الشأن الانتخابي يبثّ "التفاؤل" بدل "التهديدات".
إقرأ أيضًا: مليارات ترامب السعودية ملاليم أمام إنفاق إيران لقتل العرب
حزب الله أكثر الأحزاب العربية واللبنانية براغماتيةً. كان ولا يزال وسيظلّ. لا يقارع موازين القوى. يهجم حيث الانتصار ممكن. يتراجع حيث يكون ضعيفاً. وينحني حين تهبّ العواصف. في 7 أيّار 2008 وجد الفرصة متاحة، بانشغال أميركا وابتعاد العرب وضعف "المستقبل"، فهجم على بيروت والجبل. لكن في أيار 2017 تغيّر كلّ شيء، وها هو ينحني.
حزب الله ينحني لعاصفة ترامب، ونصر الله يتدرّب على "المصالحات"، في الداخل والخارج، بعد سنوات من "فتوّة" منطق "حيث يجب أن نكون سنكون". يعرف أن لا مكان للميليشيات الصغيرة على "طاولة الكبار" في سوريا. للإيرانيين حصّة من الطبق الروسي، إذا فازوا بحصّة. ويعرف أنّ "لبنان خطّ أحمر". فهو معسكر مدني لجيش حزب الله، فيه منامة القادة وعائلات المقاتلين والمصرف والمرفأ والمطار والمستشفى، وهو "ملاذ" النازحين السوريين الذين لا تريدهم أوروبا على أبوابها. ويعرف أنّ أيّ "خربطة" ستجعل كلّ هذا النعيم، خلف خطوط القتال، خطوطَ قتال جحيمية.
نصر الله وحزبه ينحنيان، وسنسمع المزيد من "الصوت المنخفض"، من "شيخ الصلح"، و"أبو ملحم" الفترة الترامبية في لبنان.