في الأشهر الأخيرة تحولت الساحة السياسية في لبنان إلى ميدان للتنافس على شيطنة قانون الستين، وتركز الهجوم عليه من كل حدب وصوب بإنه عفى عليه الزمن، ولم يعد صالحًا للإستعمال، وأن مدة صلاحيته قد إنتهت ولا بد من البحث عن قانون إنتخابي جديد يتلائم مع تقنيات العصر وتطورات الحداثة ونحن نطرق أبواب القرن الحادي والعشرين ليحقق تطلعات وطموح الشباب نحو المستقبل ونحو غد أفضل وللحد من هجرتهم إلى الخارج بعدما سيطر اليأس عليهم من فساد هذه الطبقة السياسية الحاكمة، وغدت التصاريح الرافضة لهذا القانون من كافة الأطراف السياسية والحزبية والدينية هي الخبز اليومي لكل مسؤول وهي تتزاحم في مقدمات النشرات الإخبارية صبحًا ومساءًا للنيل من هذا القانون المتخلف وتوجيه أسوأ التهم وأقذرها إليه، مع أن الفضل الأكبر يعود إليه في إيصالهم إلى هذه المواقع الراقية في منافذ الحكم بعد إنتشالهم من تحت الأنقاض وساهم في تلميع صورهم التي كانت مغمورة تحت ركام النسيان والضياع.
إقرأ أيضًا: خيارات المواطن في ظل الفلتان الأمني
إلا أنه ومع كل هذه الصفات القبيحة التي الصقت بقانون الستين ورغم كل التهم الشنيعة التي تم توجيهها إليه بأنه يشكل حجر عثرة أمام مواكبة العصر الحديث وأنه يضع البلد في ظلام التخلف والجهل ويحول دون مجاراته للدول الحضارية والمتطورة فإنه مع كل ذلك فإن الأطراف السياسية وطوال عقود من الزمن وتحديدًا منذ توقيع إتفاقية الطائف وإنتهاء الحرب الأهلية اللبنانية ودخول الوطن في ربوع السلام لا زالت عاجزة عن الإتفاق على قانون جديد للإنتخابات النيابية يساهم في أوسع مشاركة للشعب اللبناني في الندوة البرلمانية ووصلت إلى الحائط المسدود، وأوصلت البلد إلى شفير الانهيار مع إصرار كل فريق سياسي وحزبي على فرض قانون يتناغم مع مصالحه ومشروعه الخاص الذي يؤمن له أكبر كتلة نيابية يسعى لتوفيرها داخل المجلس النيابي، الأمر الذي وضع البلد أمام خيارات صعبة وأحلاها مر.
فإما التمديد للمجلس النيابي للمرة الثالثة، وإما التعطيل في كافة المؤسسات الدستورية، وإما العودة إلى القانون الذي أسقطت كل المحرمات بالهجوم عليه وهو القانون المعمول به منذ أكثر من نصف قرن من الزمن وهو قانون الستين.
فمع مرارة خيار التمديد لمجلس نيابي أثبت فشله في كل المجالات وفساده من خلال الصفقات المشبوهة، وخيار التعطيل لما له من إنعكاسات سلبية على الواقع اللبناني.
إقرأ أيضًا: قانون الستين أو الحائط المسدود
يبقى الخيار الأقل مرارة هو العودة إلى القانون المعمول به، وخيار العودة بدأ مع رأس السلطة الحاكمة في البلد، من خلال حديث أدلى به رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مؤخرًا أمام زواره وأشار فيه إلى العودة إلى قانون الستين بدلًا من أن يفلت البلد.
وكان سبق هذا الحديث - وكما نقل عن الرئيس عون - شعوره بالإحباط لإصطدام ما أراده، وما كان يسعى إليه بإمكانية توصل الأفرقاء إلى قانون جديد بالحائط المسدود.
ومرة جديدة يثبت اللبنانيون أنهم ليسوا أصحاب قرار، ولا يمكن لهم إمساك أمورهم بأيديهم وأنهم دائمًا صدى لما يمليه عليهم الخارج ذلك أن كل الوعود بقانون إنتخابي جديد ذهبت أدراج الرياح وكل الأحلام التي حلم بها الشعب اللبناني تبخرت على صخرة فساد هذه السلطة الحاكمة وإصرارها على المضي في فسادها فعادت الأمور إلى نقطة الصفر وعاد قانون الستين يتصدر المشهد السياسي وعدنا والعود أحمد.