لا أدري بعد مرور 17 عامًا على الإنسحاب الإسرائيلي من أرضنا، من يحق له الآن الإحتفال بهذا اليوم؟ نحن اللبنانيون والجنوبيون على وجه الخصوص أم العدو الإسرائيلي؟
لطالما كان سائدًا بين ظهرانينا فكرة تكاد تكون أقرب إلى الحقيقة التي لا تناقش، وهي أن كل ما نعانيه من ويلات ومن حرمان ومن مآسي إنما هو بسبب العدو الإسرائيلي والإحتلال الإسرائيلي! وكنا على يقين بأن دحر هذا الإحتلال عن صدورنا هو بداية الانفراج وبدايات الحل لكل أزماتنا وأن الإنتصار العسكري على أعتى جيش بالمنطقة سيشكل نقطة الإنطلاق لحياة جديدة ملؤها التنمية والتحرر وسيتحول لبنان ومعه الجنوب إلى جنة الله على الأرض.
إقرأ أيضًا: هل يستفيق حزب الله من سكرته؟
هكذا كنا نعتقد، وهكذا كان يظن الشهداء الذين سقطوا على دروب التحرير! وبهذه الخلفية كنا نسفّه ما كان ينشره ضباط وجنود العدو قبيل انسحابهم بأن أهل الجنوب سوف يندمون بعد رحيلهم.
اليوم، وبعد مرور 17 عام، أدركنا بأن الإحتلال لم يكن هو سبب تعاستنا، ولم يكن هو السبب الوحيد لمشاكلنا،، بل على العكس تمامًا، كان من إيجابيات الإحتلال أنه يشكل الشماعة التي نعلق عليه إخفاقاتنا، ليبقى لنا أمل بأن بعده ستكون الحياة أفضل! ومع إنسحابه فقدنا هذه العلّاقة وضاع معه الأمل وبانت كل عوراتنا.
نحتفل اليوم " بعيد المقاومة والتحرير"، وتحيط بنا أبشع وأشنع وأقرف أنواع الروائح الكريهة، رائحة المذهبية، رائحة الصفقات والسرقات، رائحة الليطاني المسرطن، رائحة الفوضى والقتل المجاني، رائحة الطبقة السياسية، رائحة النفايات، رائحة قوانين الإنتخاب، رائحة الإرتهان للخارج، رائحة الفقر، رائحة الإستبداد.
إقرأ أيضًا: المقاومة بعد 17 عامًا على التحرير
لقد استطاع حزب الله وبفترة قياسية أن يحول هذا اليوم من يوم فخر وإعتزاز، إلى يوم حزين يحاول بكل ما أوتي من هوبرة إعلامية أن يتحف واقعنا المزري بشعارات فارغة عن العزة والكرامة والإنتصار، إلا أن الواقع هو الواقع ومعظم اللبنانيين كأن على رؤوسهم الطير، وعلى طريقة الأنظمة الإستبدادية التي تحتفل بيوم ميلاد حاكمها المفروض عليهم فرضًا،، فيدّعون تملقا بأنهم فرحين بمولده وهم يلعنون في سرهم هذا اليوم... فصرنا نحن بكل أسف، نحتفل بحزن وأسى عميقين فيما العدو الإسرائيلي يتشدق مبتسمًا، ولعله يحتفل سرًا بهذا اليوم.