مرتاحاً عاد رئيس الحكومة سعد الحريري من المملكة العربية السعودية. يلمس تغييراً في التوجهات تجاه لبنان بشكل معين. والمسألة تبقى في انتظار الترجمة الفعلية لذلك. وهذا ما سيبدأ بحلّ قريب للمشاكل المالية لتيار المستقبل، على حدّ كلام الحريري. هي أفضل مراحل الحريري السياسية. يمدّ يده إلى الجميع: حزب الله، رئيس الجمهورية ميشال عون، وحتى إلى المعارضة السنية. يراقب التطورات الخارجية، وهو غير مستعد للمغامرة، بأي رهان على أي تغير للمعطيات وموازين القوى الإقليمية. يحاول الحريري ابتكار سياسة جديدة بإسمه، يطلق عليها اسم سياسة "الاعتدال والانفتاح".
يسعى لتكريس نفسه قاسماً مشتركاً للجميع. كل محاولات الأطراف الأخرى الإلغائية بحقه لم تنجح، ونجاح التسوية الرئاسية أثبت قدرته على الفعل والتأثير في مجريات الأحداث اللبنانية. ولايزال على تكتيكاته. ففي ظل المواقف المتضاربة، فإن العلاقة ممتازة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وكذلك مع وزير الخارجية جبران باسيل رغم أن الرجلين لا يمكن أن يلتقيا. والأمر نفسه ينسحب على أكثر من طرف وتناقض. وهي ميزة جديدة لدى الحريري. بالتالي، أثبت للسعودية نجاح توجهاته. وأبرز الدلائل على ذلك، الخلافات التي نشبت في شأن قانون الانتخاب وغيره، بين عون وحزب الله. كل ذلك دفع السعودية إلى إعادة تحفيز العلاقة معه، ومنحه الدعم.
هذه التفاصيل والتوجهات السياسية الأشمل والأعم، كانت حاضرة في لقاءات الحريري التي عقدها في السعودية، وأهمها اللقاء مع ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وتؤكد مصادر متابعة لـ"المدن" أن اللقاء طغت عليه أجواء الود والتفاهم بين الرجلين. والأهم فيه التأكيد على منح الحريري هامشاً واسعاً من الحركة السياسية في لبنان، والتي تنطلق من مبدأ ربط النزاع مع حزب الله في لبنان، بمعنى أنه لن يتم حشر الحريري في مواقف تصعيدية، لا بل هو المخول في إدارة المواضيع السياسية في هذه اللحظة الدقيقة، وهو مخوّل بتحييد الوضع في لبنان عن التجاذبات الخطيرة التي تمر بها المنطقة، والاجواء التي تشير إلى أنها على أعتاب حرب يوحي بها التصعيد.
وتؤكد المصادر أن اللقاء يأتي، لتأكيد مرجعية الحريري السياسية في لبنان، ولإزالة كل الإلتباسات والشائعات التي كان البعض يعمل على بثّها في لبنان وكأن هناك تخّلياً سعودياً عنه، لذلك، لجأ إلى إبرام التسوية السياسية. وهذا ما سيُقرن بإعادة الدعم المالي له. والدليل على ذلك، جاء خلال موقف الحريري في الحكومة، الذي كان استيعابياً لكل الأطراف ومبدداً جميع الهواجس، وقد تمسك بالوحدة الداخلية وبخطاب القسم والبيان الوزاري. وإذ لا يريد المواجهة مع أي طرف في هذه المرحلة، لعدم تكرار مواقف عانى منها لبنان في مراحل سابقة كان أبرزها السابع من أيار 2008، يفضّل الهدوء، وانتظار جثث الخصوم على ضفّة النهر، بدون أي مراهنة على أي تدخل خارجي كي لا يتعرض لما تعرَّض إليه سابقاً.