وفي عبارة أكثر وضوحاً: إلى أيّ حدّ سينجرف حلفاءُ السعودية وراء إغراء المواجهة مع «الإمبراطورية الإيرانية» في لبنان، وإلى أيّ حدّ سيتفانى جنود هذه الإمبراطورية في الدفاع عنها؟ وأين لبنان واستقراره في هذا الخضم؟تدبَّر اللبنانيون أمورَهم لإمرار «قطوع» الرياض: رئيس الحكومة يترأس الوفد ولا يتكلّم، وزير الخارجية يغادر باكراً، ويبقى الحريري من منطلق أن «اللي عند أهلو عَ مَهلو».
ولكن، في الطائرة، يُفاجَأ باسيل بـ«إعلان الرياض»، فيما رئيس الحكومة يلتقي ولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، بلا ضجيج، ويردّ على باسيل.
واضح أنّ مجلس الوزراء اليوم سيكون اختباراً لمدى التداعيات. فهل تظهر بقية الجزء المخفي من جبل الجليد، أي الجزء المتفجِّر، وينهي «شهر العسل» العوني - الحريري، أم تنتصر رغبة الجميع في احتواء العاصفة التي من المؤكّد أنها ستطيح بكل شيء؟
وبعد ذلك، ستعبِّر كلمة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، المنتظرة غداً، عن المسار الذي يريد «الحزب» اتّباعه: تفجير أم مزيد من المداراة؟
إذا اتّجه الوضع تصعيداً، فالبعض يخشى أن تكون الحكومة أولى الضحايا. فالمحور المحسوب على إيران - بالأصالة والتحالف - قادر على إسقاط الحكومة. وإذا حصل ذلك، فسيأتي في الوقت القاتل على أبواب استحقاقات خطرة جداً.
إذا عمد «المحور الإيراني» إلى إسقاط الحكومة، فسيردّ حلفاءُ السعودية بتعطيل التسويات الممكنة لأزمة قانون الانتخاب. هذا يعني أنّ إسقاط المجلس النيابي سيكون هو الردّ الطبيعي على إسقاط الحكومة. وعندئذٍ، سيصبح لبنان مشلولاً تماماً، في الفراغ الكامل، بلا سلطتيه التشريعية والتنفيذية، أي الخراب!
هذا السقف العالي غير مسموح به على الأرجح، ولا مصلحة لا لحلفاء السعودية ولا لحلفاء إيران في بلوغه. كما أنّ الأميركيين يضعون ثقلهم في اللعبة للحفاظ على الاستقرار اللبناني، مهما اشتدّت الأزمة، ولهم «مَوْنة» على القوى الداخلية لهذه الغاية.
إذاً، سيناريو الخراب لن يتحقّق على الأرض. ولكن، في المقابل، هناك جراحة يريد الأميركيون والسعوديون وحلفاؤهم إجراءَها في الشرق الأوسط، قد يتم إنجازُها بنسب مختلفة من النجاح، وهي تقضي بـ»قصقصة» أجنحة إيران في المنطقة، من اليمن إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا.
الأرجح أنّ القسم اللبناني من هذه الجراحة سيكون دقيقاً جداً، حتى يمكن تشبيهُه بالجراحة في الدماغ، ولا يمكن السماح فيها للخطأ أو المصادفة لأنّ أضرارها ستكون جسيمة.
لماذا تتميَّز هذه الجراحة - في لبنان- بمقدار من الخطر والدقّة الإستثنائية؟
ليست المواجهة التي يمضي بها أركان «إعلان الرياض» عادية، بل هي تعبِّر عن تغيير استراتيجي لقواعد النزاع في الشرق الأوسط. فالرئيس دونالد ترامب بات اليوم يقود مجموعة العالم السنّي، وسيرعى قيادة قوة سنّية من 34 ألف جندي، كقوة احتياط، هي في الواقع بديل من القوات الأميركية في المنطقة. وستقلّص واشنطن من تورّطها المكلّف في نزاعات المنطقة، وخصوصاً في العراق وسوريا، وتترك للمسلمين السنّة - برعايتها- أن يعالجوا شؤونهم بقواهم الذاتية.
والهدف هو قطع أواصر النفوذ الإيراني. ولهذه الغاية، تتمّ اليوم عمليات السيطرة على الحدود السورية مع كل من العراق ولبنان والأردن. فالخط المفتوح من طهران إلى بغداد سينقطع عند الحدود مع سوريا. وبعدما انسحب «حزب الله» من الحدود اللبنانية مع سوريا، بات التواصل مقطوعاً أيضاً مع الداخل اللبناني.
هذا يعني عزل إيران داخل إيران، علماً أنّ الإيرانيين يخشون قيام الأميركيين بتسليح ميليشيات وعشائر سنّية في عدد من دول المنطقة لمواجهة القوى المدعومة إيرانياً، بل إنّ هناك شكوكاً في أن بعض الميليشيات قد يتم تحريكها في المناطق الإيرانية التي تعيش فيها أقليات عربية سنّية.
ربما تشعر إيران بأنها تخوض «معركة حياة أو موت» على مستوى نفوذها الإقليمي. واستتباعاً، قد يخوض حلفاؤها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان معركة حياة أو موت أيضاً. وهذا هو التحدّي الذي يخوضه «حزب الله» في لبنان.
تنازل «الحزب» عن الحدود الشرقية للجيش لأنه يريد تجنّب المواجهة. في المرحلة التالية، سيُقال له: «إذاً، لم يعد لك ممرّ إلى الداخل السوري، وعليك أن تنسحب». وسيكون ذلك امتحاناً ثانياً.
وإذا فعل، فسيُقال له: «لم يعد لك دور في سوريا، فالجيش يُمسك بالحدود وهو يزداد قوّةً وتسليحاً، ويقوده رئيس للجمهورية حليف لكم ويشكّل تطميناً لهواجسكم. ولم يعد لكم دورٌ في الجنوب، لأنّ القرار الدولي 1701 ينفَّذ بنجاح منذ سنوات، و«اليونيفيل» تحظى بدعم دولي كبير، ولم يعد لكم دور هناك». وقد يُصار إلى ترتيب ملف مزارع شبعا، ضمن التسويات المطروحة في سوريا.
عنذئذٍ، سيُقال لـ«الحزب»: «إذاً، ما مبرِّر اقتنائكم للسلاح. لقد آن الأوان لتتخلّوا عنه».
في هذه الخاتمة يكمن تفكيرُ المحلِّلين الذين يتابعون اليوم تحوّلات المواقف الأميركية والهجمة على إيران. وإذا لم تُفتَح نافذة لتسوية بين واشنطن وطهران، فستكون كل الاحتمالات واردة على الساحة اللبنانية. فليس سهلاً على قوي ومعتاد على الانتصارات، كـ«حزب الله»، أن يوضع أمام خيار الحياة أو الموت!