ونظراً لخطورة مجرد التفكير باحتمال انتهاء مبكر للمسيرة السياسية لترامب كرئيس لأكبر بلد في العالم، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، يستعرض مقال "ذي أتلانتيك" ظاهرة صعود دونالد ترامب ووصوله إلى الحكم، ويرى كاتبه ماكاي كوبينز، أن السؤال المطروح، بعدما استحقت ظاهرة ترامب لقب أكثر القصص السياسية دراماتيكية في التاريخ الأميركي الحديث، هو "كيف ستنتهي هذه الظاهرة"؟
وفي محاولة الإجابة عن السؤال المتعلق بنهاية ظاهرة ترامب، يشير كوبينز إلى أنه "بعد الأيام العشرة الأخيرة، الحافلة بكشف المزيد من المفاجآت في الصحافة، والفضائح المتتالية في البيت الأبيض، جاء إعلان وزارة العدل ليلة الأربعاء الماضي، عن تعيين مستشار خاص للتحقيق في التدخل الروسي في انتخابات 2016، بما فيها الشبهات المتعلقة بحملة ترامب. ما يؤكده هذا التطور أن واشنطن ستبقى تحت سيطرة الأزمات والقضايا المثيرة للجدل في المستقبل المنظور، لكن ماذا سيحصل بعد ذلك هو سؤال مفتوح".
وبعد سلسلة من المقابلات أجراها الصحافي مع جمهوريين في الكابيتول هيل، وحلفاء لترامب، وسياسيين، ثمة نقطة واحدة نالت موافقة الجميع وهي أن "مصير رئاسة ترامب لم يكن غير واضح كما هو عليه الآن". وبحسب الكاتب فإن تاريخ الرئاسات في الولايات المتحدة والسجل الخاص لترامب في الشأن العام، يقترح أربعة سيناريوهات مختلفة بشكل دراماتيكي، يمكن أن نشهدها في الفترة المقبلة.
السيناريو الأول هو المحاكمة، لقد كانت محاكمة ترامب فكرة خيالية تبناها الديمقراطيون حتى قبل وصوله إلى البيت الأبيض، وقد استبعدها معظم المراقبين السياسيين الجديين، على اعتبار أنها من أحلام اليقظة، أقله طالما بقيت الغلبة في الكونغرس للجمهوريين. وثمة سبب وجيه آخر للتشكيك، هو أن الرئيس الأخير والوحيد الذي وافق ممثلو حزبه في الكونغرس على محاكمته، كان أندرو جونسون، في عام 1867، وبعد مضي قرن ونصف أصبح الجمهوريون أكثر اتقاناً للعبة الحزبية في الكونغرس.
وعلى الرغم من أنه من المستبعد أن يشارك أعضاء الكونغرس الجمهوريون في إخراج ترامب من المكتب البيضاوي، فقد ظهر خلال الأسابيع الماضية أن المسألة لم تعد بعيدة المنال. فالقرار المفاجئ بإقالة مدير مكتب التحقيقات الفدرالي "أف بي آي"، جيمس كومي، والتصعيد المتسارع في الفضيحة عقب ذلك، لم يفتح الباب فقط أمام احتمال توجيه اتهامات لترامب بعرقلة العدالة، بل جعلت المشرّعين في الحزب الجمهوري محاصرين، وقد أرهقهم الاضطرار، طيلة الأشهر الماضية، إلى التعليق يومياً على القضايا المثيرة للجدل التي تسبب بها الرئيس. ما جعل عضو مجلس الشيوخ سوزان كولنز تتذمر أمام الصحافيين، قائلة "هل يمكننا الحصول على يوم واحد بدون أزمة؟ هذا كل ما أطلبه"، فيما رأى زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، أنه "مع دراما أقل في البيت الأبيض يمكن العمل على الكثير من القضايا ويمكننا التركيز أكثرعلى أجندة الكونغرس".
وفي حال عرقلت قضايا ترامب المثيرة للجدل الأجندة التشريعية لهذه السنة (كثر يتوقعون حدوث ذلك)، فإن بعض الجمهوريين سيبدأون بالتساؤل عن السبب الذي يجعلهم يقفون خلف الرئيس، خصوصاً عندما يرون أن أي شخص آخر سيخلفه سيكون أفضل. كما نقلت "ذي أتلانتيك " عن مستشار جمهوري كبير في الكونغرس، أنه "ما زال من المبكر الحديث عما إذا كانت المحاكمة إحدى خيارات الكونغرس"، مشيراً إلى أن "الأمر مرتبط بنوع الروائح النتنة التي تخرج من التحقيقات الروسية". لكن المسؤول الحزبي أشار إلى أن "مخاوف الجمهوريين تكمن في الانتخابات الفرعية المقبلة، ففي حال خسر الجمهوريون الانتخابات الخاصة في ولايتي مونتانا وجورجيا، فإن ذلك سيجعل أعضاء الكونغرس الجمهوريين أكثر انفتاحاً على مناقشة محاكمة الرئيسبدوره، يرى جمهوري آخر أنه "في حال استعاد الديمقراطيون السيطرة على مجلس النواب في الانتخابات النصفية عام 2018، قد يلجأ الجمهوريون للاتفاق مع الحزب الديمقراطي على محاكمة الرئيس والدخول في التسويات البعيدة عن الحزبية، كي يستعيدوا ثقة الناخبين وما خسروه من أصوات". وحسب وجهة النظر هذه فإن "لجوء الكونغرس إلى خيار محاكمة الرئيس يعتمد بدرجة أساسية على نتيجة الحزب الديمقراطي في الانتخابات المقبلة، ومدى قدرته على استعادة السيطرة على مجلس النواب".
السيناريو الثاني هو الاستقالة، وخلال مقابلة مع وكالة "رويترز" الشهر الماضي، احتفل ترامب بمرور أول مائة يوم له في البيت الأبيض، بالتعبير العفوي عن عدم السعادة والأسى، بقوله "لقد أحببت حياتي السابقة. كنت أقوم بأعمال كثيرة، لكن العمل هنا أكثر من حياتي السابقة. كنت أظن أن الأمر سيكون أسهل". ويؤكد هذا الحديث ما توحي به الأجواء الداخلية في البيت الأبيض: ترامب الرئيس يعيش أوقاتاً بائسة".
ومنذ تسلمه الرئاسة ازداد استياء ترامب من تغطية وسائل الإعلام، وعبّر عن ملله من تلقي التقارير، وهو يتهرّب من الالتزام بأعراف البيت الأبيض عندما تسنح له الفرصة بذلك. حتى وسائل الإعلام الحليفة له ضاقت ذرعاً، حسبما قال رئيس تحرير أخبار "فوكس نيوز" إن "تصرفات ترامب المتمركزة حول ذاته هو، خصوصاً في الأسبوع الماضي، تثير سؤالاً جدياً حول ما إذا كان حقاً يريد أن يكون رئيساً". بناءً على ذلك من الممكن أن يسعى ترامب للخروج مبكراً، وانهاء فترته الرئاسية، لكن المقرّبين منه يقولون إن "الاستقالة غير مطروحة حالياً، خصوصاً إذا أدرك أنها ستبدو وكأنها إقالة".
في هذا الصدد، يرى جون دين مستشار الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون، أن "شخصية ترامب تلتقي مع نزعة نيكسون إلى إبداء الرغبة بالانتقام والظهور بمظهر الضحية، وليس في شخصيته العقلانية، أي خلطة من السمات تجعله يقاوم أي شكل من الاستسلام، حتى ولو كان لمصلحته الخاصة. ترامب قد يكره وظيفته، لكنه يكره كارهيه أكثر".
السيناريو الثالث هو، بحسب كاتب المقال ماكاي كوبينز، أن "يفاجئ ترامب الجميع ويقدّم أداءً مختلفاً في المرحلة المقبلة، فينقذ ولايته الرئاسية على غرار ما فعل الرئيس السابق بيل كلينتون بعد انطلاقة عهده المتعثرة. فقد حث مساعديه وموظفي البيت الأبيض على الالتزام بالتنظيم وعدم تسريب المعلومات للصحافة، مشكّلاً فريقاً قوياً مكّنه لاحقاً من تسجيل عدد من الانتصارات السياسية. فهل يستطيع ترامب أن يفعل ذلك؟ ربما، ونحن الذين كنا من قبل مخطئين في فهمه في السابق، نعرف جيداً مخاطر عدم تقديره". ويتابع المقال "في الواقع إن الأضرار التي ألحقها ترامب بنفسه لا يمكن إصلاحها، خصوصاً بعد إقالة مدير أف بي آي السيناريو الرابع هو "إيران غيت"، إذ ينوّه كوبينز إلى "احتمال ألا تأخذ التحقيقات المحيطة بترامب مسار تحقيقات ووتر غيت، التي أوصلت نيكسون إلى الاستقالة من منصبه". ويشبهها أكثر بـ"فضيحة إيران غيت والكونترا في عهد الرئيس الراحل رونالد ريغان، التي استمرت التحقيقات بشأنها لسنوات، من دون أن تؤثر على ولاية الرئيس وشعبيته، على الرغم من تورط مسؤولين من إدارته بالفضيحة".
ويضيف أنه "في هذه الحال ستتعثر أجندة ترامب على الأرجح، وقد تنخفض نسبة تأييد الأميركيين له قليلاً، لكن قاعدته الجماهيرية ستبقى داعمة له. وهو سيتابع ما تبقى من ولايته بالتغريد على تويتر عن الأخبار المزيفة وتسريبات أجهزة الاستخبارات. وربما يترشح لولاية ثانية ولكنه لن يفعل على الأرجح".
ويلفت كوبينز إلى أن "آلية العمل البطيئة في عمل المحقق الخاص تُحسب بالسنوات وليس بالأشهر". وينقل عن بروفسور في القانون الأميركي أن "المسار القضائي طويل ومعقّد ولا يمكن توقع نتائجه. ويرجّح أن يغتنم الجمهوريون في الكونغرس فرصة وجود محقق خاص في التحقيقات الروسية، للابتعاد عن هذه القضية وتجنب الاحتكاك مع البيت الأبيض والاكتفاء بدور المراقب عن بعد". في الخلاصة يقول الكاتب إن "ترامب يعبّر دوماً عن فخره في قصة صعوده السياسي، لكن بين أن تنتهي هذه القصة نهاية سعيدة باحتفال راقص أو نهاية قاتمة، فهو أمر خارج سيطرة الرئيس ".
(ذي أتلانتيك - العربي الجديد)