كتب رضا صوايا في صحيفة "الأخبار": "في مؤتمر الطاقة الاغترابية الذي حمل عنوان "طريق العودة إلى الوطن"، مطلع الشهر الجاري في البيال، وقّع رئيسا الجمهورية والحكومة أول مرسوم لاستعادة الجنسية اللبنانية.
بعدها بأسبوع، كان مئات اللبنانيين يبحثون عن "طريق للخروج من الوطن". فضمن فعاليات معرض بيروت الدولي للعقارات، في فندق الحبتور، قدمت شركات عقارية، أوروبية ولبنانية، عروضاً تمكّن المستثمر المهتم بالحصول على جنسية دول معيّنة شرط شرائه عقاراً أو قيامة باستثمارات محددة.
فبدءاً من نحو 250 ألف يورو فقط، يصبح المرء مؤهلاً للحصول على جنسية قبرصية، يونانية، برتغالية وغيرها الكثير... حتى الأميركية. وفي البرتغال، على سبيل المثال، يحتل اللبنانيون المرتبة الخامسة بين رعايا الدول الطامحين بالحصول على جنسيتها.
8 أيام فصلت بين لبنانين: لبنان فولكلوري، زجلي، نوستالجي لا يزال متمسكاً بمقولة "نيال اللي عندو مرقد عنزة بجبل لبنان"، ولبنان واقعي مستعد لأن يبيع حتى العنزة ليرحل ويساهم في اعمار دول أخرى كرمى للجنسية. الاستثمار هو الجامع المشترك بين المناسبتين. في البيال كانت "دعوة" للمغتربين للاستثمار في لبنان، وفي الحبتور كان المقيمون يرغبون بالاستثمار في الخارج. في البيال تلقوا "دعوة"، وفي الحبتور لم يكونوا بحاجة الى "عزيمة" للرحيل. كيف لا وهم يشاهدون المغتربين يُكرمون وهم يهانون يومياً. أوليسوا أيضاً مغتربين... في وطنهم؟
المشكلة ليست في المغترب ولا في المقيم، بل بالجنسية في حد ذاتها. إذا كان المغترب يريد إستعادتها، فالمقيم يريد أن يشعر بقيمتها. المغترب "ضمن" مستقبله بجنسية دولة تقدم له ما يشعره بانسانيته، ولا يضيره الاستماع لبعض أبيات المديح لانجازاته. أما المقيم فنصيبه من الشعر الرثاء على حاله.
تراقب وجوه المندوبين الاجانب للشركات العقارية المشاركة فتراهم منبهرين. معظمهم يزور لبنان للمرة الأولى. في العادة، مهمتهم الأساسية هي الكلام ومحاولة الاقناع بشتى الوسائل. في بلد الأرز كانوا في معظم الأحيان مستمعين. بالكاد نطقوا. لم يترك الراغبون بالجنسية البديلة من اللبنانيين سؤالاً إلا وطرحوه. تراهم متلهفين لمعرفة أدق التفاصيل للرحيل من دون أي عرقلة، وكأنهم حضروا وحقائبهم معهم.
بعد اللجوء السوري الذي اجتاح أوروبا يبدو أن لجوءاً لبنانياً قادم إليها. الفرق أن السوريين فروا قسراً من بلد مزقته الحرب، فيما الكثير من اللبنانيين يطمحون للرحيل طوعاً من بلد لم يعرف كيف يخرج من الحرب وفسادها وأمرائها.
تتذكر ملف الطاقة والحديث عن البواخر التي قد تأتي لتنتشلنا من الظلمة، لربما تبقي بعض الأمل للبنانيين.
يمكن أن تحضر بواخر الكهرباء، لكن الأكيد بأن الكثير من اللبنانيين يفضلون بواخر... للهجرة".