مثل كلّ قمّة، وفي موقف يذكّر بأيام حكومة الرئيس تمام سلام، والخلافات في شأن موقف لبنان الرسمي من مقرراتها. جاءت تغريدات الوزير جبران باسيل عن البيان الختامي للقمة الإسلامية الأميركية، لتشير إلى أن هناك خلافاً لبنانياً بشأن تحديد السياسات الخارجية. لربما كان إعلان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز اختتام أعمال القمّة قبيل الوصول إلى كلمة الحريري، أمراً إيجابياً بالنسبة إليه وللبنان، لتجنّب إعلان أي موقف قد يحرجه داخلياً وفي حكومته خصوصاً. فيما لدى فريق رئيس الحكومة وجهة نظر أخرى، تؤكد أنه لو ألقى الحريري كلمته لكانت على قدر المسؤولية، وتلحظ هواجس الجميع، ولا تؤدي إلى خروج عن الاجماع الوطني. إذ كان سيشدد على عدم تدخل الدول الأجنبية بشؤون الدول العربية، في إشارة ضمنية إلى إيران. وسيطالب بتعزيز قدرات الجيش اللبناني، ليكون هو صاحب الكلمة الفصل في المسائل الأمنية والعسكرية، عوضاً عن حزب الله.
بعد وصوله إلى لبنان، غرّد باسيل: "لم نكن على علم بإعلان الرياض، لا بل كنا على علم أن لا بيان سيصدر بعد القمة. وقد تفاجأنا بصدوره وبمضمونه ونحن في طائرة العودة". أضاف: "أما وقد وصلنا إلى لبنان فنقول إننا نتمسك بخطاب القسم والبيان الوزاري وبسياسة ابتعاد لبنان عن مشاكل الخارج وابعادها عنه ضنا بلبنان وشعبه ووحدته".
غابت ردود الفعل الرسمية والعلنية عن هذا الموقف، باستثناء موقف رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي علّق قائلاً: "شاهد ما شافش حاجة". ذهب البعض إلى سؤال باسيل عن مدى تنسيقه مع رئيس الحكومة في شأن هذا الموقف، فيما البعض الآخر أبدى استغرابه من موقف باسيل بأنه لم يكن يعلم، لأن بيان القمة كان معروفاً وجرى تداوله قبيل يوم من انعقادها واختتام أعمالها.
تستغرب مصادر الحريري كلام باسيل، خصوصاً أن البيان النهائي لم يشر في أي من مندرجاته إلى حزب الله بالإسم على غرار كلمتي العاهل السعودي والرئيس الأميركي، إنما تحدّث بشكل مباشر عن مواجهة الأنشطة الإيرانية الإرهابية والتخريبية والهدامة بكل حزم وصرامة. هذه العبارة هي التي قد تكون استفزّت باسيل واستدعت منه ردّاً، لأن السياق المنطقي لتفسير هذه العبارة سيكون باستهداف حزب الله، لأنه يمثّل أحد أهم الأنشطة الإيرانية في المنطقة، من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن.
كان الحريري قد أعدّ كلمة مكتوبة لإلقائها في القمّة، وأكد قبل مغادرته على رأس الوفد اللبناني إلى الرياض أنه حريص على الوحدة الوطنية، وعدم تعرّضها لأي شرخ. وتقول مصادر متابعة إن كلمة الحريري كانت ستنطلق من التمسك بخطاب القسم والبيان الوزاري، وضرورة مواجهة الإرهاب، الذي كان لبنان السباق إليها، وهو سيستمر بذلك. ويقول الوزير غطاس خوري إن موقف الحريري لم يكن خارجاً عن إطار ما يتوافق عليه اللبنانيون، خصوصاً أن القمة لم تتطرق لمسألة سلاح حزب الله، لافتاً إلى أنه كان سيركز على مطالبة المجتمع العربي والإسلامي والدولي بالتكاتف لحل الأزمة السورية سلمياً تمهيداً لعودة النازحين والبدء بمشروع إعادة إعمار سوريا. ويعتبر خوري أن ليس بمقدور لبنان التحفّظ على قرارات القمة، ولا في شأن مكافحة الإرهاب، إلا إذا كانت هناك قرارات تُعنى بموضوع داخلي لبناني. ويعتبر أن عون شارك سابقاً في قمّة الأردن والخطاب الرسمي عبّر عن توافق اللبنانيين، والرئيس الحريري ذهب إلى القمة بالخطاب نفسه الذي يوافق عليه اللبنانيون".
وتفيد مصادر متابعة أن الحريري كان سيشدد على وجوب فصل الوضع اللبناني عن وضع المنطقة. بالتالي، الفصل ما بين حزب الله في لبنان، ونشاطه العسكري في سوريا، مع تسجيل اعتراض عليه، وإشارة إلى أن مسألة سلاح الحزب، حزء من أزمة إقليمية يجري حلّها بحلّ تلك الأزمة.
في مقابل ذلك، هناك من يضع تغريدات باسيل في خانة التبرير، بمعنى أنه يريد تبرير مشاركته في القمّة، لحزب الله، باعتبار أنه جرى استهدافه وتصنيفه إرهابياً في عدد من الخطابات الرئيسة. بالتالي، أراد إيصال رسالة مباشرة إلى الحزب بأنه لايزال على تحالف استراتيجي معه. الرد على القمّة وما ورد فيها، سيبقى في انتظار موقف واضح سيعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطاب سيلقيه بعد يومين.
وبمعزل عن هذا الجدل، فقد سجّلت بعض المواقف لمصلحة الحريري في القمّة. أولها، تخصيصه بمقعد في الصف الأمامي، رغم أنه رئيس حكومة وليس رئيس دولة؛ وثانياً، المصافحة الودّية جداً بينه وبين الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي طلب من الحريري العودة مجدداً. وسجّلت خلوة بينهما لدقائق. كذلك سجّلت خلوة جمعت الحريري وولي العهد وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، جرى خلالهما البحث في مختلف الأوضاع والتطورات.
وفيما غادر الوفد اللبناني الرياض مساء الأحد، بقي الحريري في المملكة، ليومين إضافيين، حيث عاد والتقى بولي ولي العهد، وجرى بحث في سبل تعزيز التعاون بين البلدين. وعلمت "المدن"، من مصادر متابعة، أن الفرج السعودي سيعود على الحريري "قريباً"، خصوصاً أن رئيس الحكومة تلقى وعوداً بعودة الدعم، وبحل أزمة شركة سعودي أوجيه نهائياً، وربما بعودة المال السياسي قريباً. وقد استُشف ذلك من إشارة حريرية إلى بعض المقرّبين منه، إلى أن الأزمة وصلت إلى خواتيمها وستحلّ قريباً جداً.