حدثان بارزان شهدتهما منطقة الشرق الأوسط خلال الأيام القليلة الماضية ولم يفصل بينهما سوى يوم واحد ويمكن التأسيس عليهما لإنتاج استراتيجية جديدة للمنطقة وتهدف إلى محاربة التطرف ومحاصرة الإرهاب والحد من إنتشاره الذي تعاظم خلال العقد الماضي وترددت أصداؤه في كافة أرجاء المعمورة لدرجة بات يشكل خطرًا على المجتمع الدولي وتهديدًا للسلم العالمي.
وهذان الحدثان وإن لم يكن هناك من رابط مباشر بينهما ولكن من حيث نتائجهما فقد تساهم هذه النتائج في التخفيف من حدة التوترات التي إجتاحت المنطقة بخلفيات طائفية ومذهبية وأدت إلى إشعال حروب في العديد من دولها لأسباب بدت في الظاهر وكأنها مطالب إجتماعية ومعيشية ولكنها في الحقيقة كانت إنفجارًا للإحتقان الذي زرعت بذوره الأولى الأنظمة العربية في نفوس شعوبها بعدما مارست الحكم بطريقة ديكتاتورية وتعسفية وقائمة على القمع والظلم والإعتقال العشوائي.
إقرأ أيضًا: إيران من فوق غيرها من تحت
والحدث الأول تمثل في إعادة إنتخاب الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني لولاية ثانية وهو الرئيس المعروف بالإعتدال وإن بدا أنه يقف في النقطة الوسط بين المحافظين والإصلاحيين، وقد أثبت الإيرانيون من خلال نتائج هذه الإنتخابات الرئاسية أنهم شعب يحب الحياة ويبحث عنها ويسعى إليها فقد انهكته الحروب وسياسة تصدير الثورة وتمويل ثورات الخارج التي حرمته من أبسط مقومات الحياة الكريمة ووضعت ثلث الشعب الإيراني تحت خط الفقر وأقامت جدرانا عالية من العداوة والاحتقان مع باقي شعوب العالم وخاصة شعوب الجوار، فقد شبع من لغة التكفير والترهيب ومن شعارات العداء للمجتمع الدولي ولم يعد لديه من القوة ما يساعده على الإستمرار في السير في مواكب تشييع الشهداء وإقامة مجالس العزاء فقد تعب من أجواء الحزن والكآبة والموت المحتوم في ساحات لا ناقة له فيها ولا جمل.
فقد حان الأوان للشعب الإيراني أن يستريح استراحة المحارب فراح يبحث عن حياة مستقرة وآمنة وهو يحاول أن يجد منفذًا للتفاعل مع غيره من باقي الشعوب في أربع رياح الأرض، فوجد ضالته بالتعبير عن رأيه في المفصل الإنتخابي لرئاسة الجمهورية فاختار الرئيس الأقل تطرفًا في المؤسسة الدينية والذي يمكن الرهان عليه لفتح أبواب الحوار مع الخارج واستخدام لغة العقل والمنطق وتحت سقف الشرائع السماوية والمواثيق الدولية بالرغم من أن المساحة المتاحة للرئيس روحاني لا زالت محدودة ودون طموح الشعب وهي محاطة بأسوار العنف الديني الذي يتغذى بثقافة حراس الثورة وينمو ويترعرع تحت ظلال ولاية الفقيه الذي لا ينطق عن الهوى إنما هو وحي يوحى بإعتباره نائب الإمام الغائب ويقوم بأعماله طيلة فترة غيابه وحتى ظهوره وإنتهاء غيبته الكبرى .
فالشعب الإيراني بغالبيته العظمى عندما إنتخب روحاني فإنه يعبر عن رفضه للتطرف وللإرهاب وينحو بإتجاه الإعتدال.
والحدث الثاني وتمثل بزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية والتي جاءت بعد يوم واحد من الحدث الإيراني وتحت شعار مكافحة الإرهاب وتمخضت هذه الزيارة عن ثلاث قمم شهدتها العاصمة السعودية قمة أميركية - سعودية، وقمة أميركية - خليجية، وقمة أميركية - إسلامية وعربية، بحيث أنتجت هذه القمم واللقاءات التي تمت بين المسؤولين الأميركيين وقادة وزعماء عرب وإسلاميين توافقا على محاربة الإرهاب بكل أشكاله ومن أي مصدر أتى وتم التركيز على تجفيف ينابيع تمويله ومحاصرة مصادر نشوئه وإنطلاقه.
وفي كلام الرئيس الأميركي إتهام واضح لإيران بأنها إحدى الدول التي تغذي وتمول ميليشيات وتنظيمات وأحزاب وصفها بالارهابية وتمارس نشاطها في العراق وسوريا واليمن والبحرين واليمن.
إقرأ أيضًا: فشل إيراني في إدارة الأزمات الخارجية
وفي الجانب الإقتصادي للزيارة فقد تم التوقيع بين كبرى الشركات الأميركية والدولة السعودية وباقي دول الخليج على إتفاقيات واستثمارات وصفقات قدرت بمئات المليارات من الدولارات.
وفي محصلة الزيارة تم التوافق على إنشاء تحالف دولي وعربي وإسلامي لمكافحة الإرهاب.
وأشارت لا بد منها وهي أن هناك خيط يربط بين الحدثين، فزيارة ترامب جاءت تحت عنوان مكافحة الإرهاب والتطرف والتشدد والتكفير، وكذلك فإن نتيجة الإنتخابات الرئاسية في إيران بدت وكأنها صفعة ضد النهج الثوري الذي تبنته القيادة الإيرانية ومارسته في سياساتها الخارجية انطلاقًا من تصدير ثورتها ودعمها لجماعات يمكن وصفها بالإرهابية والتطرف والتشدد والتكفير.
من هنا فإنه يمكن القول وبالفم الملان ان هناك رابط ولا بخيط رفيع وربما غير منظور للكثيرين وينطلق من الوجدان الإنساني بين زيارة ترامب إلى السعودية وإنتخاب روحاني لولاية ثانية في إيران والهدف هو محاربة الإرهاب والتطرف والتشدد والتكفير وإعتماد سياسة تقوم على الإعتدال والتعاون وحسن الجوار.