تمهيد: لم تفصل انتخابات الرئاسة الإيرانية عن القمة الأميركية الإسلامية سوى ساعات محدودة، وتميل نتائج هذين الحدثين الهامّين في منطقة الشرق الأوسط إلى الاتساق والتقارب أكثر ممّا تُشير إلى التباين والاختلاف، على عكس ما يذهب إليه معظم الباحثين والمتابعين.
إقرأ أيضًا: حقوق المسيحيين الضائعة..الانحطاط السياسي والابتذال الثقافي.
أولاً: أوجه الاتساق...
أُعيد انتخاب الشيخ حسن روحاني رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما هو متوقّع، وليس خلافاً لإرادة المرشد الخامنئي كما كان شائعاً وظاهراً للعيان، فالمُرشد على درجة عالية من الرشاد، بحيث يعلم علم اليقين، أنّ المرحلة القادمة على إيران والمنطقة لا تحتمل مزيداً من المجازفات المصيرية والخطرة على سلامة إيران ونظامها وشعبها واقتصادها، فالشيخ روحاني كان وما يزال خشبة الخلاص للنظام الذي كان على حافة الانهيار الاقتصادي والسياسي، لولا جهود روحاني والطيب الذكر باراك أوباما، والتي تُوجّت بالاتفاق النووي، وكان بطلا هذا الاتفاق روحاني وظريف كما هو معروف، لذا فإنّ فوز روحاني هو فوز الاعتدال وتوجيه رسائل إيجابية للعالم أجمع، وهو فوزٌ للشعب الإيراني الذي يستحقّ جرعات كافية من الإصلاح والانفتاح، والتوقّف عن تصدير "الثورة" وتبذير الثروة، ويستحق أن ينعم بثرواته الطبيعية تعويضاً عن سنوات الحصار والتّضيّيق.
هذا في الجانب الإيراني، أمّا في الجانب السعودي الأميركي، والقمة الإسلامية، فإذا كانت هذه القمة صادقة وجادّة في القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه واستئصال شأفته، فها هي نتائج الانتخابات الإيرانية تصبّ في طاحونة هذه القمة بفوز مرشح الاعتدال والانفتاح، وخسارة الحرس الثوري وكافة القوى المتشددة واليمينيّة،، لذا يمكن التأسيس (بدرجة مقبولة ومعقولة) على أنّ محاربة التطرّف الذي تمثّله القاعدة وداعش، وكافة الفصائل المتزمتة والأصولية، بات هدفاً واحداً، وإن على المستوى النظري والايديولوجي عند جانبي الصراع السعودي الإيراني.
إقرأ أيضًا: الوزير الجراح يداوي جروح رئيس الحكومة ويلحق بأبي خليل
ثانياً: أوجه التباين...
تبقى صفقة الأسلحة الضخمة التي فازت بها الولايات المتحدة هي العلامة الفارقة في القمة السعودية الأميركية، فهل كانت المملكة بحاجة لهذا الكمّ الهائل من التّسلُح لمواجهة النفوذ الإيراني؟، وهل يُكافح هذا النفوذ في المنطقة العربية بالسلاح؟ هاهنا علامة تعجُّب بعرض إصبعين، فإيران اخترقت مسام الجسم العربي منذ أكثر من ثلاثة عقود، بالسلاح طبعاً، لكن، وقبل السلاح، كانت الجهود المضنية والحثيثة لرعاية التنظيمات العقائدية والجماعات الجهادية (سُنّةً وشيعة)، دون إغفال أفرادٍ من السياسيّين ورجال الدين، مع بذل الأرواح والأموال التي تعادل الأرواح، في حين كانت المملكة ومعها مصر والجزائر وتونس والسودان عاكفة على رعاية الفكر التكفيري والإرهابي، الذي راح يقارع أميركا في أفغانستان ومن ثمّ في نيويورك وباريس ولندن وألمانيا والدنمارك وهلمّ جرّا، فإذا تنبّهت اليوم إلى ضرورة نشر ثقافة الاعتدال والانفتاح والتسامح، فهذه مؤشّرات طيّبة ومفيدة، خلاف صفقات السلاح المشبوهة، أمّا مصائب إيران في الداخل والخارج، فما زالت بإنتظار مُرشد آخر يخلُف الحالي، تكون يدُه قاسية على تيارات المحافظين والمغامرين والمتطرفين، فيفتح صفحة جديدة مُتصالحة مع الجوار العربي، يبدأها بالانسحاب من المناطق الساخنة في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وهذا ما زال في علم الغيب، وكل ما نرجوه في القريب القادم، أن تبقى التباينات بين العرب وإخوانهم الإيرانيّين في منأى عن الصراعات الدموية، وأن تكون أخفُّ كلفة بشرياً واقتصادياً وعمرانياً، وفي النهاية، دينيّاً، هذا إذا بقي للدين مكانة في النفوس والضمائر.