تسويق أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يسرق أموال العرب والمسلمين، من خلال صفقات المليارات السعودية التي وقّعها، لهي فكرة ذكية جداً، و"ملّيقة" باللهجة اللبنانية، أي تدفع إلى التجاوب والتفاعل والموافقة. وهي عمّت خلال الساعات الـ24 الماضية ووقع فيها كثيرون من العاقلين. لكنّها فكرة ناقصة وكاذبة ومخادعة وقاتلة في آنٍ معاً.
من بين تعليقات الممانعين، وكارهي السعودية المختبيئن في ثياب ليبرالية، والحاقدين عليها لأسباب مذهبية، ومختبئين في تعليقات ليبرالية، والمستفيدين من منظومة إيران الإعلامية، المختبئين في ثياب العشق والوله بالعرب والحرص على أموالهم... ومن بين تعليقات مدّعي الغضب من "سرقة ترامب لأموال المسلمين"، والمطالبين بـ"الإنفاق على التعليم والتطوير بدل شراء الأسلحة من أميركا"، والحالمين "ببناء مدن بأموال النفط"... من بين كلّ هؤلاء، أكثر ما لفتني تعليق لشاب شيعي يسارويّ: كتب التالي: "السعودية تشتري سلاحاً ب٣٥٠ مليار دولار، لو قسّمت هذا المبلغ على العرب و عددهم ٤١٥ مليونا لحصل كل ّ منهم على ٨٧٥ دولارا، و لو زدت عليهم الفرس و الأتراك و كل مسلمي هذا العالم التعيس باعتبار عددهم ١.٥٤ مليار نسمة، لحصل كلّ منهم على ٢٢٧ دولارا. لو قسمت هذا المبلغ على كل مقيم على هذا الكوكب، لحصل كلّ منّا على ٤٧ دولاراً، وهنا في بيروت هيئة العلماء المسلمين لم ترَ ما يستدعي منها الانتفاض إلا مؤتمر جمعية حلم".
إقرأ أيضًا: عودة إعلام المستقبل إلى الطليعة: الآن الآن وليس غداً
أولاً معظم هذه المليارات لن تذهب إلى شراء الأسلحة. صفقة يتيمة لتجميع 150 طائرة هيلكوتبر "بلاك هوك S – 70"، قيمة الصفقة 6 مليارات دولار فقط. ومعظم الأموال ستذهب إلى تطوير الصناعة العسكرية السعودية مع شركة "رايثيون" لصناعة الطيران والأمن، ومع "جنرال دايناميكس" لتصنيع ودعم المركبات القتالية المدرّعة، وصناعات غير عسكرية مثل مشاريع مع "جنرال إلكتريك" و"دوا كيميكال"، و16 إتفاقية بقيمة 50 مليار دولار لتطوير شركة "آرامكو"، و18 مليار دولار مع "موتيفا إنتربرايز" التي تملكها "آرامكو" و40 مليار دولار مع "بلاكستون" للاستثمارات العامة...
ثانياً: لم يقل لنا هذا الناشط وأقرانه كم أنفقت إيران في حربها المفتوحة على العرب خلال السنوات العشرين الأخيرة. إيران التي تقاتل في أكثر من 6 دول عربية، وافتخر أحد قادتها، علي رضا زاكاني، بأنّها "تسيطر على 4 عواصم عربية"، هي الشام وبغداد وبيروت وصنعاء. كم أنفقت إيران لتحتلّ حواضر العرب الأساسيا والتاريخية، فتعيّن الرؤساء وتقيلهم، وتحكم بميليشياتها. الجواب بسيط، ويكرّره مراراً الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله: لقد أنفقت إيران مئات المليارات لاحتلال دول عربية، وتنفق مئات غيرها لاحتلال دول جديدة، وتخطط لاحتلال السعودية على ما أعلن نصر الله في خطابه الأخير، متوعّداً ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأنّ "المهدي سيخرج من مكة".
والحال هذه، فإنّ مليارات ترامب "ملاليم" أمام ما أنفقته إيران وما ستنفقه لاحتلال السعودية والبحرين واليمن ولبنان والعراق وسوريا... والعالم كلّه، بانتظار المهدي.
ألا يحقّ للسعودية أن تنفق بعض المليارات للدفاع عن نفسها؟ أين تخطىْ؟
رؤية الأمير بن سلمان التطويرية لحظة أكثر من ثلثلي المليارات الـ350 للتطوير وبناء المصانع، وليس للرشوة أو لشراء أسلحة لا تُستعمل. السعودية تخوض جرباً دفاعية على حدودها، الحوثيون يقصفون جدة والرياض، ماذا ستفعل السعودية؟ تنتظر قاسم سليماني ليرفع رايته في الحرم المكيّ؟
وئام وهاب قال عبر تويتر: "لو صرفت السعودية مليارات السلاح على الجائعين والعرب وعملت على الإنماء في الوطن العربي، لاشترت قلوب ملايين العرب ولما احتاجت لسلاح لا يُستعمل". جملة وهاب تبدو غارقة في التجهيل المقصود وفي الكذب الذكي. فالسعودية لا تشتري السلاح كي لا يستعمل، بل لأنّ الرياض نفسها، حيث حطّ ترامب، وقبل ساعات من وصوله، استهدفتها إيران عبر صاروخ حوثيّ، أسقطته دفاعات سعودية اشترتها من الولايات المتحدة.
إقرأ أيضًا: 20 نيسان: حزب الله أطلق نفير الحرب... وأسكت الراقصين
هذه صفقة رابحة إذا. السعودية تنفق على السلاح الدفاعي وليس الهجومي, تدافع عن نفسها من إيران التي تدفع راتب وئام وهاب ورواتب "الجبهة المجازية" التابعة لحزب الله، والتي استهدفت زيارة ترامب إلى السعودية وألّبت الرأي العام ضدّها في لبنان، وحاولت فعل ذلك خارجه.
هذا يثبت مرّة جديدة كم أنّ السعودية ضعيفة في الإعلام، عربياً ولبنانياً، خصوصاً على وسائل التواصل الاجتماعي. وهي لا تعير هذا الضعف أهمية، رغم أنّه أكثر أهمية من إنفاق المليارات على قناة العربية أو على السلاح. الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي تحديداً، هي السلاح الأعتى والأكثر قوّة وفاعلية وتأثيراً وحسماً في الدول العربية، خلال السنوات الماضية، وتلك الآتية.
مليارات ترامب السعودية "ملاليم" أمام ما تنفقه إيران لقتل العرب وتشريد السوريين وتهجير العراقيين وتدمير اليمن وتخريب البحرين ومحاولات الانقلاب الفاشلة في الكويت، وتأليب السعوديين ضدّ قيادتهم، وتحويل مصر إلى قاعدة عمليات لإرهابها... هذا ما يجب أن يقوله الإعلام السعودي... هذا ما يجب أن تردّوا به.