تختلط السياسة بالدين عند الحديث عن إيران وقضاياها ولا يمكن فصل العقيدة الدينية التي تتبناها الجمهورية عن الممارسة السياسية والمصلحة الإستراتيجية.
فالجمهورية الإسلامية في إيران ومنذ إنتصار الثورة الإسلامية فيها عام 1979 على يد آية الله الخميني وهي تتبنى مفردات وأدبيات سياسية مبررة بعقيدة دينية قائمة على نصرة المستضعفين في الأرض ومواجهة الإستكبار.
وإختزلت إيران الثورة باكرا هذا الإستكبار ب " الشيطان الأكبر " أميركا فتحول شعار " الموت لأميركا " إلى عقيدة أساسية لا يقل أهمية عن ولاية الفقيه نفسها وأصبحت شرطا للدخول في نادي الساسة الإيرانيين بنظام الجمهورية الإسلامية.
إقرأ أيضا : الإيرانيون ينتصرون لكرامتهم ضد الشاهنشاهية الجديدة !!
الإنتخابات الإيرانية الأخيرة:
ضمن هذا السرد تتجلى أهمية النتيجة التي حققها السيد حسن روحاني بالأمس والذي فاز بولاية ثانية من الرئاسة الإيرانية لأن الفوز تحقق أمام مرشح محافظ هو السيد إبراهيم رئيسي الذي ينتمي إلى معسكر الإمام الخامنئي والذي بدوره يتبنى الشعارات الإيديولوجية الكبيرة التي ترفعها إيران منذ إنتصار الثورة.
ومن راقب المعركة الإنتخابية والمناظرات الرئاسية يدرك أن فوز روحاني له دلالات كبيرة وواسعة على صعيد نظرة الشعب الإيراني لبعض شعارات النظام التقليدية.
فإبراهيم رئيسي كان مختلفا وناقدا لسياسة روحاني المنفتحة على الغرب والمجتمع الدولي ويؤمن ب "الإقتصاد المقاوم " ويعادي أميركا ويتبنى السياسة القائمة على الإيديولوجيا المتطرفة والأهم أن الحملة التي شنها مقربون من الحرس الثوري الإيراني والإمام الخامنئي ضد روحاني أعطت المعركة بعدا مصيريا للنظام نفسه قائم على سؤال جوهري موجه للشعب الإيراني : هل أنت مع التعاون مع أميركا أو الموت لأميركا؟
وجاء جواب الشعب بالأمس على هذا السؤال بأنه مع الإنفتاح والتعاون والإبتعاد عن هذه المفاهيم الإيديولوجية المتطرفة.
وفي أول تصريح لروحاني قال:" هو إنتصار على التطرف ودعوة للإنفتاح على العالم ".
فأهمية إنتصار روحاني والذي سبق وأن وقع إتفاق نووي مع المجتمع الدولي هو أنه شكل إستفتاء على الغضب الذي يبديه الإيرانيين إتجاه سياسات النظام القائم.
إقرأ أيضا : تحقق توقع لبنان الجديد: روحاني رئيسا لولاية ثانية
عدم المراهنة على تغيير حقيقي:
هذا النظام القائم يتربع عليه الولي الفقيه وهو يسمح بمساحة معينة من التعبير والإنتخاب كما حصل بالأمس فبالأخير معظم الصلاحيات هي بيد المرشد وصلاحيات رئيس الجمهورية محدودة.
لذلك بالبداية لم تكن المعركة معركة تغيير نظام بل معركة إتجاه مستقبلي للنظام تحت حكم ولاية الفقيه، معركة بين رؤيتين الأولى إصلاحية للنظام وتقبل الأمور بواقعية وثانية محافظة ومقدسة لشعارات الماضي وتؤمن بسياسات غيبية لا واقعية.
هي معركة بين جيلين من أبناء الثورة، كلاهما مؤمنان بولاية الفقيه وسياسة التوسع خارج إيران وبناء مشروع إيراني لكن واحد منهما يؤمن بتحقيق ذلك عبر إلغاء المحيط العربي والإسلامي ومحاربة العالم خصوصا أميركا وآخر مؤمن بإنجاز ذلك عبر شراكة مع هذا المحيط تكون فيه لإيران الكلمة العليا وبمساعدة أميركا وهو أقرب لتجربة الشاه لكن تحت ظل ولاية الفقيه.
إقرأ أيضا : روحاني: الشعب الايراني اختار طريق التوافق مع العالم
فمخطىء من يضع روحاني ضد ولاية الفقيه أو النظام ومخطىء من يعتقد أنه لا يتبنى سياسات توسعية، هو يؤمن بكل ذلك لكنه بنفس الوقت يخاصم ولي الفقيه والحرس الثوري ولا يتخلى عن مكتسبات الثورة الأساسية أي ولاية الفقيه.
من هنا تظهر نتائج الإنتخابات معركة أحجام حاول فيها المرشد كسر روحاني ومعسكر الإصلاحيين خلفه ففشل وإضطره الأمر لإستخدام التكفير والتخوين والتهوين.
وقد يكون الشعب الإيراني قد ضاق ذرعا من النظام نفسه وهذا أمر غير مؤكد حتى اللحظة وبحاجة لدراسات جانبية لكن مؤشر المشاركة الواسعة تثبت أن الإيرانيين راضون عن النظام لكنهم رافضون للقيمين عليه، فالمشاركة الواسعة التي تخطت 70% وإنتصار روحاني هي رسالة بالدرجة الأولى من الشعب لخامنئي ستقلقه بالتأكيد.
فعلى مدى سنوات هاجم خامنئي الإتفاق النووي وشهر بالإصلاحيين وإستصغر إنجازاتهم ومع هذا حققوا فوزا مهما وقبل الشعب بهم.
لذلك يحلو للبعض أن يقول أن الشعب الإيراني صوت ضد المرشد خامنئي لا ضد رئيسي ويحلو لهؤلاء القول أيضا أن الإيرانيين رفضوا مرشح الموت لأميركا ويريدون الإنفتاح على العالم.
فهل المستقبل سيؤمن أمان وسلامة ولاية الفقيه كنظام في إيران؟ أم أن الفرصة التي أعطاها الشعب للإصلاحيين ومن خلفهم ولاية الفقيه هذه المرة قد تتحول إلى ثورة حقيقية تطيح بالنظام نفسه مستقبلا؟
وإلى أي مدى سيستمر نجاح دعاية الإصلاحيين على تظهير صورة إيران على أنها ثورة في الإقليم وجمهورية في العالم ؟
كل هذه الأسئلة مرتبطة بسياسات روحاني الجديدة، فهل سيستمر بمعركته ضد الحرس الثوري أو أن كلام الإنتخابات تمحوه وقائع الأرض والميدان؟