يصف سايمن هندروس، الخبير الأميركي في شؤون الخليج العربي، الرحلة الأولى للرئيس الأميركي إلى الخارج بأنها رحلة طموحة إلى حدّ كبير على مستوى كل من الجغرافيا (الرياض والقدس وبيت لحم وروما وبروكسل وصقلية) والسياسة (الإرهاب، وإيران، والسلام في الشرق الأوسط، وحلف “الناتو”، والاقتصاد العالمي).
ولكن بغض النظر عن أهمية الزيارة ودلالاتها، يأمل الخبير الأميركي روبرت ساتلوف، وهو المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، في أن لا تتوقف الإدارة الأميركية عند المنحى الرمزي للزيارة، فاليوم سيتسنى لترامب فرصة نادرة في السعودية، وإسرائيل ولاحقا في بروكسل، حيث سيشارك في قمة لحلف الناتو لتوجيه دفة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والجمع بين الدول التي تسعى إلى الاستقرار، نحو اتجاه يعزز المصالح المشتركة لهذه البلدان.
قال السيناتور الديمقراطي كريس مورفي عن زيارة ترامب للسعودية ولقائه مع زعماء دول إسلامية “بالتأكيد هي زيارة مهمة، لكن لا أتوقع أن تأتي بنتائج مهمة”، بدورها لا تتطلع الرياض وقادة الدول المشاركة في القمم التي تستضيفها على خلفية الزيارة، إلى تغييرات كبيرة وجذرية، وقد تعلموا الدرس جيدا من سنوات حكم أوباما، لكنها أيضا ستضع على طاولة الرئيس الأميركي، المعروف بصراحته العالية، والتي قد تكسر القواعد الدبلوماسية أحيانا، مقترحات واتفاقات تفيد الطرفين ومن شأنها أن تضع المنطقة على بداية طريق الاستقرار.
وقد تكون جولة تستمر تسعة أيام وتتضمن زيارات للسعودية وإسرائيل والفاتيكان وحلف شمال الأطلسي مهمة صعبة على أي رئيس، لكن بالنسبة لترامب الذي تحاصره التساؤلات في الداخل بشأن صلة إدارته بروسيا وإقالته لمدير مكتب التحقيقات الاتحادي جيمس كومي، فقد تكون الجولة أكثر إرهاقا لا سيما وأنها الأولى له منذ توليه منصبه.
وردّ وزير الخارجية الأميركية على القلق والشكوك اللذين سيستقبل بهما ترامب خلال جولته، مؤكدا أن الشرق الأوسط والعالم ينتظران بترقب كبير أول جولة خارجية يقوم بها الرئيس دونالد ترامب.
تغيير مواقف
نفى تيلرسون المخاوف من أن الأزمات التي تلاحق ترامب داخل بلاده ألحقت ضررا بمكانته الدولية، قائلا إن رحلته الخارجية هي مؤشر على عودة الدور القيادي الحيوي للولايات المتحدة. وأضاف أن حكومات الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا تضررت من “الإهمال والرفض التام” لمخاوفها في ظل الإدارة الأميركية السابقة.
الخبراء يعتبرون أن الفرصة مهيأة لمناقشة تشكيل تحالف قوي مع الولايات المتحدة للحد من تدخلات إيران ومواجهة الإرهاب
وصرح للصحافيين بأن تلك الحكومات “مستعدة لإعادة الحوار مع أميركا… وهذا هو هدف هذه الزيارة، أي التعبير عن رسالة أن ‘أميركا عادت’، لكن أميركا العائدة ستجد منطقة مختلفة وحلفاء طوروا عقيدتهم الدفاعية وأصبحوا يبادرون بالهجوم ويستخدمون الأسلحة التي يدفعون مقابلها المليارات”.
لا شك في أن الرئيس الأميركي يفتقد للاطلاع السياسي الكبير بشأن الملفات في المنطقة والسياسة الخارجية عموما، لكن تغير مواقفه في بعض الملفات بعد تسلمه سيما لمنصبه تكشف أنه “مستمع جيّد”.
ويقول بين فيشمان، المدير السابق لمكتب شمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس باراك أوباما للفترة ما بين 2009 و2013، “إن القادة الأجانب يضطلعون بدور مهم في تعليم الرئيس دونالد ترامب السياسة الخارجية”.
ويستحضر كأمثلة على ذلك موقفه من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، وأيضا التغيير الطارئ على حديثه بشأن حلف شمال الأطلسي الذي سبق وأن قال عنه إن “الناتو عفى عليه الزمن”، لكن البيت الأبيض أكد على إثر لقاء ترامب بالأمين العام لحف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أن “ترامب يتطلّع إلى لقاء نظرائه في حلف شمال الأطلسي، للتأكيد من جديد على التزامنا القوي تجاه الحلف وبحث القضايا المهمة له، خاصة تقاسم المسؤولية بين الحلفاء ودور الحلف في محاربة الإرهاب”.
ويقول فيشمان إنه “من الواضح أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس الصيني شي جين بينغ والأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ قد أثروا على مواقف ترامب من النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وسوريا وكوريا الشمالية وحلف الناتو. وقد حذّروه جميعهم من التحولات الجذرية في السياسة ومن الواضح أنه أصغى مليا إليهم”.
ترامب في أوروبا والشرق الأوسط في أول زيارة خارجية
وتعطي هذه الأمثلة مبررا لأهمية القمم التي ستعقد على خلفية زيارة ترامب للمملكة العربية السعودية، وتعكس أيضا استيعاب الرياض لملامح الإدارة الأميركية الجديدة بما جعلها تحول زيارة الرئيس الأميركي إليها إلى قمة متعددة الأبعاد والمواضيع، ومناسبة ليلتقي فيها أكبر عدد ممكن من القادة والمسؤولين العرب والمسلمين لتوضيح وجهات النظر ومحاولة التقريب بينها قدر الإمكان.
ويقارن روبرت ساتلوف بين زيارة باراك أوباما للقاهرة في 2009 وزيارة ترامب التي تنطلق اليوم من الرياض، مشيرا إلى أن رحلة ترامب الأولى إلى الخارج من الرياض والقدس، في إشارة تهدف إلى الإظهار للشرق الأوسط والعالم أجمع على السواء بأن حقبة باراك أوباما في السياسة الخارجية قد أصبحت شيئا من الماضي.
وفرت السعودية لترامب فرصة عقد اجتماع ضخم مع الملوك والزعماء العرب والمسلمين، بدءا من سلطنة بروناي في جنوب شرق آسيا، إلى النيجر في أفريقيا، وصولا إلى تركيا. ووصف الباحث في معهد المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية آدم بارون الدعوة التي وجهتها الرياض إلى القادة والزعماء العرب والمسلمين بأنها “مؤشر على الريادة الإقليمية للسعودية وتظهر مدى قدرة المملكة السنية على جمع قادة مسلمين تحت سقف واحد مع ترامب”.
وقال روبرت ساتلوف “كان أوباما توجه في خطابه إلى نفسه بدلا من المسلمين الذين يفوق عددهم المليار نسمة في العالم، فإن ترامب سيخاطب قادتهم وبشكل مباشر وبخطاب يتوقع أن يكون واقعيا وعمليا، سيطالب فيه ترامب الدول الإسلامية بالاضطلاع بدورها في الحرب على الإرهاب، فيما سترد هذه الدول بدورها أنها قادرة على ذلك ومستعدة للتحالف شرط أن يكون هناك توازن في السياسات وفي التعامل مع مختلف مسببات عدم الاستقرار والفوضى في المنطقة”.
في رده على سؤال حول المطلوب من القادة العرب والمسلمين خلال تلك القمم، قال الكاتب القطري جابر الحرمي “من المهم أن تكون هناك لغة واحدة يتحدث بها القادة العرب والمسلمون خلال لقائهم ترامب ليؤكدوا موقفا موحدا حيال قضايا العالمين العربي والإسلامي“.
روبرت ساتلوف: زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط قد تطلق عجلة أمور كبيرة
في المقابل، يرى روبرت ساتلوف أن على ترامب الاستفادة من اجتماعه مع القادة المسلمين في الرياض لاقتراح شراكة جديدة تتصدى للثنائي المتمثل بالتطرف الإسلامي الذي يهدد السلام والأمن في العالم، أي الجهادية السنية لتنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة وما شابههما من التنظيمات الفاعلة الفرعية والحركات والجماعات ذات الفكر المماثل من جهة، وبائتلاف الدول والميليشيات والوكلاء الذي تتزعمه إيران من جهة أخرى.
على خطى نيكسون؟
دفعت مجموعة من المواقف إلى المقارنة بين الرئيس الـ37 للولايات المتحدة ريتشارد نيكسون والرئيس الـ45 دونالد ترامب، بدءا من الاستراتيجية في التعامل مع الصين وروسيا وصولا إلى قضية التواصل مع روسيا التي تهدد مستقبل ترامب في البيت الأبيض. وتلاحق أصداء هذه القضية ترامب عشية جولته الخارجية، والتي فرضت بدورها مقارنة جديدة بينه وبين نيكسون.
وفي سنة 1974 زار نيكسون المملكة العربية السعودية وهو في أوج فضيحة ووتر غايبت، وراهن في ذلك الوقت على السياسة الخارجية وما ستخرج به زيارته إلى الرياض ليقلل من الضغط الذي يواجهه بسبب تلك الفضيحة. واستنجد نيكسون في تلك الرحلة، التي قادته أيضا إلى سوريا، بملف السلام في الشرق الأوسط والاستقرار في المنطقة التي مازالت متأثرة بتداعيات حرب أكتوبر 1973. رغم ذلك، لم يكن أمام نيكسون غير الاستقالة، التي جاءت بعد تلك الرحلة بشهرين.
اليوم، يبدأ ترامب أول زيارة خارجية له وهو يواجه في الداخل فضيحة بشأن تعامله مع تحقيق في تعاملات حملته الانتخابية مع روسيا. وسيعمل على تحقيق أكبر قدر من المكاسب التي يمكن أن تخفف عليه ضغط الداخل، خصوصا على مستوى الصفقات الاقتصادية، حيث ستشكل الصفقات والاستثمارات التي تم الإعلان عنها فرصة لخلق الوظائف وتحقيق الوعود الاقتصادية التي وعد بها.
وقد أعلنت وكالة بلومبيرغ عن تخطيط أرامكو السعودية لتوقيع ما لا يقل عن عشر اتفاقيات مع مجموعة من الشركات الأميركية. ويعقد السبت في الرياض منتدى سعودي أميركي لرؤساء الشركات التنفيذيين من المنتظر أن يتم فيه توقيع عدد من الصفقات في مجالات الدفاع والكهرباء والنفط والغاز والصناعة والكيماويات.
كما تصدر تراخيص جديدة لشركات أميركية للعمل في المملكة. وقال البيت الأبيض إن المملكة دخلت المرحلة الأخيرة من التفاوض على صفقة سلاح قيمتها 100 مليار دولار. ويستبعد المتابعون أن يلاقي ترامب مصير نيكسون، لأن المرحلة الراهنة على المستوى السياسة الخارجية أساسا، تتطلب رئيسا كترامب ويبدو أن أجندة زيارته الخارجية الأولى يمكن أن تضمن له حصانة، في ظل حديثه عن السلام في الشرق الأوسط وإعادة التنظيم الإقليمي والحرب على الإرهاب، وفي وقت يعاني فيه الحلفاء الأوروبيون من خطر التفكك، فيما توفر روسيا مظلة لإيران، سيتوجه للحلفاء الخليجيين من أجل تبني مشاريع مضادة للتهديدات الإيرانية والإرهابية ومحاولة تدارك الأحداث في سوريا مقابل دعم أميركي للحلفاء في اليمن والعراق لحصار النفوذ الإيراني.
ومن المتوقع أن يلقى ترامب استقبالا حارا من الزعماء في السعودية وإسرائيل، لكن التساؤلات بشأن وجهات نظره من اتفاق إيران النووي والتزامه تجاه أمن حلف شمال الأطلسي والتشكك في اتفاق باريس للمناخ قد تؤجج التوتر خلال اجتماعات مع نظرائه الأوروبيين في بروكسل وصقلية. مع ذلك يرى روبرت ساتلوف أن التقدم الحقيقي يمكن أن يحرز إذا عزز ترامب خبرته الفريدة في “فن الصفقات”.