يتزامن انعقاد القمة العربية - الإسلامية - الاميركية في الرياض، للبحث في مكافحة الإرهاب والتصدي للتطرّف وتشجيع الاعتدال، مع «معركة قاسية» يقودها بعض الأحزاب والتيارات السياسية المسيحية تحت عنوان «استعادة الدور السياسي للمسيحيين وتثبيت فاعلية حضورهم في الحياة السياسية اللبنانية».
 

وفي حين تأتي القمة المذكورة واحدة من نشاطات ثلاث محطات مترابطة يتوقف فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في كل من المملكة العربية السعودية (المرجعية الإسلامية - السنية) والفاتيكان (المرجعية المسيحية - الكاثوليكية) وإسرائيل (المرجعية اليهودية)، يبدو اهتمام بعض المسيحيين اللبنانيين مركّزاً بعيداً من القمة والجولة اللتين أقلّ ما يقال فيهما إنهما توازيان في أهميتهما محطات تاريخية ساهمت في إعادة رسم نظام عالمي جديد، ودول جديدة، كما في مرحلتي ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وبعد سقوط جدار برلين والاتحاد السوفياتي والمنظومة الشيوعية الدولية.

وللمناسبة، ترتسم في الأذهان علامات استفهام عدة تحتاج الى إجابات وتوضيحات من جانب بعض «القيادات المسيحية» التي ترفع شعار «حقوق المسيحيين»، خصوصاً إذا كان رفع هذا العنوان صادقاً وبعيداً من «الترويج الإنتخابي والدعائي»:

1- أيهما يوفّر للمسيحيّين اللبنانيين دوراً فاعلاً في الحياة السياسية اللبنانية؟ عدد إضافي من «النواب المسيحيين الذين ينتخبون بأصوات المسيحيين» أم شراكة مسيحية لبنانية مع المسلمين والعرب والغرب في التصدّي للإرهاب والتطرف ونشر الإعتدال والحوار؟

2- أيهما يضمن للمسيحيّين اللبنانيين حضوراً وازناً في الحياة السياسية اللبنانية؟ الجلوس في غرف مغلقة لتفصيل دوائر انتخابية على قياس بعض الأشخاص والأحزاب أو الجلوس على طاولة «كبار المنطقة والعالم» للمشاركة في رسم الأدوار والمهمات في المستقبل الذي يتم العمل على إنتاجه في المطابخ الإقليمية والدولية؟

3- أيهما يؤمّن للمسيحيّين اللبنانيين مستقبلاً أكثر رسوخاً وأمناً واستقراراً في لبنان والشرق؟ حروب إلغاء انتخابية مسيحية - مسيحية، أو في أحسن الأحوال معركة أحجام نيابية بذريعة تأمين صحة التمثيل، أو الإنخراط في الدينامية الديبلوماسية والفكرية والديبلوماسية التي يتمّ الإعداد لها لإعادة إنتاج نظام إقليمي وعالمي جديد؟

4- أيهما يجعل من المسيحيّين اللبنانيين شركاء حقيقيّين وكاملين للمسلمين في رسم مستقبل لبنان والمنطقة؟ «حرب طائفية» ولو سياسية وإعلامية بحجّة انتزاع قانون انتخابات عادل من الشريك المسلم في لبنان، أو شراكة مع العرب والمسلمين والعالم من خلال الجلوس على طاولة القمة التي تسعى لرسم السياسات وتحديد الأدوار وتوزيع المهمات على المكونات الدينية والعرقية والثقافية للمنطقة؟

5- أيهما يجعل من المسيحيّين اللبنانيين حاجة للمنطقة والعالم في هذه المرحلة؟ قانون انتخاب ينتزع عدداً إضافياً من المقاعد النيابية في لعبة داخلية صغيرة، أو مشروع حضاري فكري ونموذج شراكة مسيحية - إسلامية في إعادة بناء دول المنطقة يحمله المسيحيون اللبنانيون الى القمة العربية - الإسلامية - الأميركية في الرياض كما سبق للبطريرك الحويك أن حمل باسم المسيحيين والمسلمين مشروع الدولة اللبنانية الحديثة الى مؤتمر فرساي للدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى في العام 1919؟

6- أيهما أفضل سياسياً ووجودياً للمسيحيين اللبنانيين؟ شراكة أكبر في المؤسسات الدستورية على قاعدة القبول بتنازلات تمسّ جوهر الشرعية اللبنانية المتمثلة بالدستور والنظام الديموقراطي والمرجعية الحصرية للدولة في كل القرارات؟ أو شراكة كاملة مع الشرعيتين العربية والدولية اللتين من دون اعترافهما لا قيام لشرعيات محلية ولا قدرة لهذه الشرعيات على الحياة بتفاعل سياسي واقتصادي وتنموي مع محيطها؟

إنّ عدم مشاركة المسيحيين اللبنانيين في مؤتمر القمة العربية - الإسلامية - الأميركية، وبمعزل عن كل ما سيق من تحميل مسؤوليات ومخارج وتبريرات ورمي كرات وعمليات تجميل واستلحاق، يعتبر خطأ استراتيجياً لبنانياً ومسيحياً، قد يمرّ وقت طويل قبل أن تتوافر الظروف الموضوعية الإقليمية والدولية المناسبة لتصحيحه ما لم يُصر الى مبادرة سريعة تتولّاها المرجعيات الروحية والسياسية المسيحية على المستويات الرسمية والقيادية والفكرية بالتعاون مع نظيراتها الإسلامية اللبنانية من أجل إحياء «النموذج اللبناني» في الشراكة المسيحية - الإسلامية على مستوى الدولة وتقديمه الى المراحل التنفيذية اللاحقة للقمة كنموذج صالح للتعميم على المحيط العربي الذي يبحث عن مخارج لمشكلة الشراكة بين مكوناته في إعادة بناء الدول التي دمّرتها الحروب، وصولاً الى المجتمعات الأوروبية والغربية الأخرى التي تبحث عن صيغة لتفاعل الحضارات وتكامل الثقافات يحمي التعددية والتنوّع من مخاطر التطرف والإرهاب الذي بات داخل أسوارها.