وتقول الصحيفة: "كان لبنان في فترة الحرب الأهلية الممتدة بين عامي 1975 و1990 ساحة مفتوحة لكل أجهزة المخابرات العالمية، كانت شوارع بيروت مقسمة بين الميليشيات والمجموعات المسلحة المختلفة منها مجموعات يسارية مدعومة من الاتحاد السوفييتي، وقومية مدعومة من سوريا والعراق وليبيا التي كانت تسيطر على بيروت الغربية، بينما سيطرت مجموعات مسيحية، المدعومة من الغرب والولايات المتحدة الاميركية وكانت على تنسيق مع إسرائيل، على بيروت الشرقية.
في تلك السنوات يروي تجار منطقة الحمرا ظهور متسوّل أخرس بشكل مفاجئ في شوارع بيروت، ونتيجة الانفلات الأمني في لبنان لم يخطر ببال أحد من سكان المنطقة، الاستفسار عن هوية المتسول وكيفية ظهوره، وكانت حالته المزرية والصعبة دافعا للاستعطاف من قبل الأهالي. ووصفه أحد تجار بيروت على أنه كان كريه الرائحة ومتسخ الوجه واليدين، ويلم يكن بحاجة للحذاء ويمشي حافي القدمين، وله شعر ولحية بيضاء".
تتابع الصحيفة: "لم يترك المتسول الأخرس زقاقاً إلا وبات فيه ليلاً، كان عفيف النفس ولا يطلب الكثير بحسب التجار، حسن الأخلاق مع الصغار قبل الكبار، واستطاع المتسول الذي عرفته بيروت كلها أن ينال ثقة سكان بيروت وتجارها ولقبه الجميع بـ"الأخرس". لكن مع بداية الاجتياح الإسرائيلي للبنان اختفى المتسول عن الأنظار، هذا الأمر دفع بعض سكان بيروت لإطلاق حملة للاستعلام عن مصير المتسول خصوصا مع اشتداد الحرب والقصف الإسرائيلي لبيروت.
لكن مع اشتداد ضراوة الحرب، ووصول الجيش الإسرائيلي وعملائه إلى بيروت الغربية ومنطقة الحمرا، ظهر المتسول فجأة مرة أخرى في أزقة بيروت الخائفة والمختبئة من الرصاص والقصف، هذه الحالة دفعت الكثيرين للاهتمام بأنفسهم ونسوا المتسول الأخرس على الطريق".
وتضيف الصحيفة: "يروي التجار أنه في يوم من أيام الاجتياح، اقتربت دورية عسكرية إسرائيلية من المتسول المستلقي على الأرض في منطقة الحمرا وعندما أصبحوا على بعد خطوتين منه انتصب قائما ورفع رأسه الى الأعلى وأدى التحية العسكرية ورد العسكري بتحية وقال له "باسم جيش الدفاع الإسرائيلي أحييكم سيدي العقيد وأشكركم على تفانيكم في خدمة إسرائيل فلولاكم ما دخلنا بيروت".
فردّ المتسول "لقد تأخرتم قليلا" وصعد السيارة العسكرية واختفى، وشكلت هذه الدقائق صدمة وذهول في شوارع بيروت التي حولت وجوه بعض تجارها ومثقفيها إلى وجوه مصدومة وشاحبة من جراء كشف المتسول نفسه أمام الجميع، الذي كان يجالس مثقفين فلسطينيين ومسلحين من منظمة التحرير والحركة الوطنية اللبنانية، استطاع تجميع كم هائل من المعلومات الخطيرة والمهمة التي ساعدت إسرائيل عسكريا على اجتياح بيروت".