دأب قدماء اليونانيين والهنود والصينيين على تخيُّل ما سيكون عليه مستقبل الإنسان بعد آلاف السنين من وجودهم.
لكن سلسلة جديدة عرضت على قناة ناشيونال جيوغرافيك تحدثت عن أنه خلال السنة المليون لن تبدو القارات على كوكب الأرض كما هي عليها الآن، وسيكون البشر مختلفين بشكل جذري، لدرجة أنه سيصعب مقارنتهم بالإنسان المعاصر.
خلال عرضها الأول، في 15 مايو/أيار 2017، على "ناشيونال جيوغرافيك"، تطرقت السلسلة العلمية الجديدة "السنة المليون" إلى التغييرات التي ستطرأ على البشرية في المستقبل، وضمن الحلقات الست التي ستُعرض، سيتم الكشف عن مدى إمكانية دمج التكنولوجيا في جسم الإنسان، وتمديد أمل الحياة بشكل ثوري.
فضلاً عن ذلك، ستعمد السلسلة إلى البحث في التأثيرات المحتملة لتكنولوجيا الواقع الافتراضي، فضلاً عن إمكانية استخدام أجهزة الكمبيوتر لدمج العقول البشرية، وتوفير مصادر جديدة للطاقة، بالإضافة إلى دراسة سبل خلق حياة في الفضاء الخارجي.
وستأتي السلسلة على ذكر مجموعة من العلماء المشهورين على غرار براين غرين، أستاذ الفيزياء النظرية في جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك، وقد نشر غرين عدة كتب تناولت نظرية الأوتار، وهو نموذج فيزيائي يبين أن الكون يتكون من أوتار دقيقة أحادية البعد، وقد طور غرين أيضاً نظرية رياضية من شأنها أن تثبت أن الكون يمكن أن يكون له أكثر من 3 أبعاد.
وذكر العالم أنه، وبعد مليون سنة، لن يكون شكل البشر كما هو عليه الآن، كما أن حياتهم ستكون مختلفة بشكل جذري، حتى إن الإنسان المعاصر لن يتمكن من التعرف عليهم، وقد صرح البروفيسور غرين لموقع live science بأن الإنسان المعاصر في حاجة إلى تقنيات عالية وتكنولوجيات متطورة؛ حتى يتمكن من فهم التغيرات الحتمية التي ستطرأ على حياة الإنسان خلال المليون سنة المقبلة.
وفي حال ألقينا نظرة فاحصة على ما كانت عليه الحياة خلال المليون سنة التي مضت، عندما لم يكن للإنسان الحديث وجود بعدُ في حين كانت أكثر التقنيات تقدماً على هذا الكوكب تقتصر على النار واستخدام الفأس، فسنتمكن تبعاً لذلك من تكوين فكرة واضحة حول ما ستؤول إليه الأوضاع في المستقبل.
التكنولوجيا تدخل جسد الإنسان
وأفاد غرين بأن هناك احتمالاً كبيراً بأن البشر سيتوصلون في المستقبل القريب إلى طريقة ناجعة تسمح لهم بدمج الآلات في صلب العقل البشري.
وقال: "إننا، بالفعل، وفي فترة زمنية قصيرة نسبياً، تمكنّا من تقليص الحدود الفاصلة بين الكائنات البيولوجية والكائنات الاصطناعية. في الواقع، لقد ظهر نوع جديد من المخلوقات الهجينة التي تتكون من جزء بيولوجي وآخر اصطناعي".
في الفيزياء، قد يتمكن الإنسان من إيجاد حلول لبعض المشاكل المستعصية، ولكن سيؤدي ذلك حتماً إلى ظهور تساؤلات جديدة، على حد تعبير غرين.
وأضاف غرين، قائلاً: "أعتقد أننا سنتمكن من فك شيفرة بعض الفصول الغامضة في الفيزياء، ومن ثم، ستتاح لنا فرصة فهم مقومات القوى الأساسية والمكونات الجوهرية للمادة، فضلاً عن توحيد كل المعادلات التي تصف ميكانيكا الكم والجاذبية ضمن نظرية موحدة".
بالنسبة للبروفيسور غرين، وعلى الرغم من هذه الاكتشافات المحتملة، فإن البشرية ستكون بعيدة كل البعد عن الحصول على أجوبة شافية لكل المسائل الشائكة المطروحة.
ومع نهاية كل فصل، سنشرع في طرح المزيد من الأسئلة التي سنعجز عن صياغتها؛ نظراً لأننا لا نملك المفاهيم اللازمة والضرورية لبلورتها.
ولعل أبرز مثال على ذلك، نظرية ألبرت أينشتاين للنسبية العامة؛ فبالنسبة لغرين فان أينشتاين قدم لنا وصفاً جديداً للجاذبية ضمن نظرية النسبية العامة في عام 1915؛ ما أتاح لنا سبل التطرق إلى التساؤلات الجوهرية حول أصل الكون.
وقد كان ذلك مستعصياً وغير مطروح في ظل المعطيات القديمة التي طرحتها نظريات الفيزياء التي وردت قبل أينشتاين.
الخيال العلمي في السنة المليون
وبعيداً عن العلم والعلماء، تضم هذه السلسلة العديد من مؤلفي الخيال العلمي، الذين تتمثل مهمتهم بالأساس في خلق عوالم مستقبلية مختلفة.
ومن بين هؤلاء المبدعين، تشارلز سول، الذي قال إنه وفي السنة المليون، ستكون معظم المشاكل التكنولوجية القائمة اليوم قد تم إيجاد حلول لها.
وأضاف سول أن هذه الفرضية لا تعني أن البشر سيتمكنون من التخلص من كل مشاكلهم بشكل جذري، ولكن محور المعضلات المستقبلية سيتغير على الأرجح؛ إذ سيرتكز اهتمام الإنسان على دور الذكاء الاصطناعي أو تداعيات حقيقة أن يعيش الإنسان في عالم تهيمن عليه التكنولوجيا.
وتعكس التكهنات التي يطرحها الخيال العلمي أحداثاً معاصرة؛ ففي زمن جول فيرن تطرقت روايات وقصص الخيال العلمي إلى تكنولوجيا الغواصات، وعندما برز أبطال الكتب الهزلية مثل "إكس مان" "والرجل الأخضر" لأول مرة، جسدت قصصهم القلق السائد تجاه قضية الإشعاعات النووية.
وفي الإطار نفسه، ذكر الكاتب سول أن مؤلف الكتب الهزلية وارن أليس قد بحث ضمن مؤلفاته في مسألة ما بعد الإنسانية والتطور المستقبلي للبشرية، حيث أقر بأن "الأفكار التي تطرحها قصصنا تعكس العالم الذي نعيش فيه".
من جهته، أشار براين غرين إلى أن العالم في سنته المليون سيكون بالتأكيد مثيراً للاهتمام، "ولكن للأسف، لن نكون هنا لنشهد ذلك".