كان لافتاً في مقابلة شبكة ”سي أن بي سي“ الأميركية مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، اختيار الأخير وصفاً خاصاً لمعركة الحفاظ على الاستقرار المالي: إنها رقصة مع الذئاب.
لم تكن هناك أي مواربة في حديث سلامة المتزامن مع زيارة وفد نيابي ومصرفي الى الولايات المتحدة لمحاولة اقناع أصحاب مشروع قانون عقوبات جديد ضد حزب الله وحلفائه، بالعدول عن بعض فقراته نظراً لمخاطره على الوضع المالي للبلاد.
بل كان الحاكم صريحاً في حديثه. عبّر عن قلقه وأمل بالتخفيف من مسودة القرار. لكنه شرح أيضاً أصل مخاوفه. لبنان بلد يستمد 15% من ناتجه المحلي، أي اقتصاده بالكامل، من تحويلات المغتربين. وهذه تأتي بالعملات الصعبة وتُساعد على تلبية حاجات البلاد. ارتفاع الودائع يُساعد الحكومة على تمويل العجز المتواصل في الموازنة (10% من الناتج المحلي).
في المقابل، تُمثّل العقوبات تهديداً لكل ما سبق. وسلامة يخشى تحديداً عزل لبنان مالياً، إذ رغم أن ”لدينا حكومة قوية ورئيساً قوي، فإن قلقنا هو على علاقاتنا مع العالم الخارجي. للبنان، من المهم جداً أن يبقى نظامنا المالي مرتبطاً بالأسواق المالية“. هنا التحدي. كيف يُطبق لبنان قوانين يضعها نواب في الكونغرس الأميركي، وتُعاقب حزباً يُشارك في الحكومة الائتلافية، وفي الوقت ذاته الحفاظ على الحاجات والاستقرار الماليين؟ هنا الرقصة مع الذئاب، بحسب سلامة.
إلا أن الحاكم أعفى كالعادة المصارف من أي مسؤولية عن الواقع الاقتصادي، وتحديداً العجز الضخم للموازنة. طبعاً، هناك تضخم في حجم مؤسسات الدولة، نظراً الى اعتماد زعماء الطوائف على التوظيف لإرضاء الناخبين. لكن ماذا عن الأرباح الخيالية للمصارف، وتحديداً الهندسة المالية الأخيرة للحاكم؟ أليست هذه الأرباح جزءاً من قصة عجز الموازنة والعبء المترتب على الاقتصاد؟ لماذا يُصر سلامة على مكافأة المصارف، لا جلبها لطاولة التفاوض مع الحكومة للتخفيف من العبء على الموازنة، بدلاً من زيادة العجز؟ في المقابل، حزب الله بحروبه وتهديداته وتأزيمه العلاقات العربية للبنان شريك أيضاً، وكذلك خصومه الغارقين في إهمال الشأن العام والفساد.
بكل الأحوال، قلق سلامة في محله. وما يزيده خطورة أن صُنّاع القرار السياسي في وزارة الخارجية الأميركية أو حتى الإدارة غير مرتبطين بالعقوبات. هي صناعة الكونغرس الأميركي، وتحديداً من تصميم عضو في مجلس النواب عن ولاية شمال كارولينا اسمه مارك ميدوز.
يُمثل ميدوز (57 عاماً) نموذجاً مُصغّراً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ينتمي الى يمين الحزب الجمهوري، ويقتنص كل فرصة متاحة لتسجيل مواقف أكثر تشدداً من زملائه. قبل أيام، سارع الى إنتقاد مستشار الأمن القومي الأميركي ماكماستر بعد اعتباره حائط المبكى جزءاً من الأراضي المتنازع عليها. أكد اسرائيليتها. سبق ذلك أن زار هذا النائب مدينة الخليل المحتلة وأشاد بقدرة الجيش الاسرائيلي على ”ضبط نفسه“.
ميدوز على رأس مجموعة ”فريدوم كوكس“ النيابية التي قادت عملية سحب الضمان الصحي من ملايين الناس في الولايات المتحدة. وهو مُعارض أيضاً للإجهاض ومؤيد بقوة لحق حمل السلاح. كما صوّت ضد قانون حماية المرأة من العنف. كلما قرأ الواحد منّا عن شخصية صانع قانون مكافحة تمويل حزب الله، كلما تساءل لماذا لم تُرسل الحكومة اللبنانية سلاحها الأنجع، ومسؤولها الأكثر قرباً لهذا الخطاب: وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل. بيد أن باسيل لن يرقص بين الذئاب، بل قد يسير بينهم.