أثارت تصريحات رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري خلال مؤتمر للتركمان عقد الأربعاء في العاصمة العراقية بغداد، جدلا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية.
وقال الجبوري إن المشاريع التي ترتكز على الدعم الخارجي ستفشل في تقسيم العراق، في إشارة إلى خصومه السنة من دعاة الأقلمة.
وأضاف أن وحدة العراق تمثل التزاما غير قابل للنقاش، ملوّحا باستعداده للتصدي إلى دعاة الإقليم.
وعكست إشارات الجبوري المستوى الحاد الذي بلغته الخلافات السياسية السنية الداخلية.
وتخوض الأطراف السياسية الرئيسية التي تمثل المكون السني في العراق صراعا داخليا حادا، ربما تحدد نتائجه مصير المناطق المحرّرة من تنظيم داعش.
ولا يبدو أن هذه الأطراف تصغي للنصائح التي تقدمها منظمات ودول بشأن ضرورة توحّدها في مشروع واضح، إذا ما أرادت ضمان حضورها في المشهد العراقي في مرحلة ما بعد داعش.
وتنقسم الأطراف السياسية السنيّة حاليا إلى مجموعتين، الأولى تحاول الإبقاء على جميع المناطق ذات الأغلبية السنية ضمن دولة مركزية، في حين لا تمانع منح المحافظات صلاحيات إدارية لتسيير شؤونها.
وتضم هذه المجموعة، الحزب الإسلامي العراقي بأمينه العام إياد السامرائي ونائبه الجبوري رئيس البرلمان، وحركة الحل بزعامة جمال الكربولي، ورئيس ديوان الوقف السني عبداللطيف الهميم، إضافة إلى وزراء ونواب وشيوخ عشائر ورجال دين من محافظات الأغلبية السنية.
وتقوم وجهة نظر هذه المجموعة على أن بقاء المناطق السنيّة تحت الحكومة المركزية هو الضامن الوحيد لديمومة اقتصادياتها البسيطة.
ويعتقد متابعون لشؤون الأحزاب السياسية السنية أن تشبّث هذه المجموعة بالدولة المركزية يعود إلى ضعف انعدام قواعدها الشعبية في المناطق ذات الغالبية السنية، لذلك تحاول تعويض هذا النقص بصلة وثيقة مع الحكومة في بغداد.
وتحتفظ هذه المجموعة السياسية بعلاقات وثيقة مع الأحزاب الشيعية الحاكمة، غير أن منتقدين لهذه المجموعة يقولون إن صلتها بالأحزاب الشيعية صلة تبعية وليست شراكة.
وتتهم شخصيات رئيسية في هذه المجموعة، على غرار رئيس البرلمان الجبوري ورئيس ديوان الوقف السني الهميم، بالخضوع لتأثير زعيم حزب الدعوة نوري المالكي، بل يتحدث منتقدون عن علاقات فوق العادة بين هاتين الشخصيتين ومكتب المرشد الإيراني علي خامنئي.
الخلافات بين سنة العراق بلغت مستوى عاليا الأسبوع الجاري، على وقع تحضيرات لعقد مؤتمر جديد في العاصمة البلجيكية
أما المجموعة الثانية فتطالب بإعلان محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وأجزاء من محافظات ديالى وكركوك وبغداد، إقليما أو أقاليم منفصلة في إطار نظام فيدرالي يضمن استقلالا إداريا وماليا شبه تام.
وتضم هذه المجموعة معظم الشخصيات المعارضة للحكومة العراقية أو تلك الملاحقة قانونا، أو التي لديها علاقة متوترة مع الأحزاب الشيعية على غرار رجل الأعمال المثير للجدل خميس الخنجر، والقيادي السابق في هيئة العلماء المسلمين جمال الضاري، ووزير المالية السابق رافع العيساوي، وزعيم ائتلاف متحدون أسامة النجيفي، ومحافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، ومالك مجموعة قنوات الشرقية سعد البزاز، وزعيم جبهة الحوار صالح المطلك.
ويتفق معظم شخصيات هذه المجموعة على ضرورة حصول المناطق السنية على حق كامل في إدارة شؤونها في إطار نظام فيدرالي يضمن صلاحيات واسعة للإدارات المحلية.
وتعتمد هذه المجموعة في تنشيط نفوذها السياسي على علاقات وثيقة مع محيط العراق العربي ودول الخليج وتركيا، فضلا عن القبول الذي يحظى به العراق في الولايات المتحدة والغرب عموما.
وتسعى هذه المجموعة إلى ترجمة الدعم الإقليمي والدولي إلى أدوات للضغط، يقود في النهاية لحصول المناطق السنية على حق إدارة نفسها بنفسها. وحاولت دول عربية وأجنبية، مرارا، تقريب وجهات النظر بين المجموعتين، وكادت أن تفعل ذلك في مؤتمر رعته أنقرة خلال مارس الماضي، لكن الخلافات داخل كل مجموعة وبين المجموعتين قضت على فرص تقاربهما.
وبلغت الخلافات بين المجموعتين مستوى عاليا الأسبوع الجاري، على وقع تحضيرات لعقد مؤتمر جديد في العاصمة البلجيكية يحضره ممثلون عنهما خلال الشهر الجاري أو مطلع الشهر القادم.
ولم تمر سوى ساعات معدودة على كلمة الجبوري حتى جاء الرد من النجيفي زعيم ائتلاف متحدون قائلا إن “إيران ترفض الأقاليم، وكذلك مقلدوها من سياسيي الصدفة”، في إشارة على ما يبدو إلى تصريحات الجبوري.
وكتب النجيفي في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر أن “لا استقرار للعراق إلا بتشكيل الأقاليم الإدارية وليس الطائفية”، محذرا من أن “عدم احترام الدستور، كل الدستور، سيفتح أبواب المجهول على مستقبل البلد”.
وتابع “اتركوا للشعب قرار حق تقرير مستقبله بحرية من دون جعل أنفسكم أوصياء متعالين على حقه”.
أما شقيقه أثيل محافظ نينوى السابق، فيعتقد أن حديث الجبوري موجه للاستهلاك الإعلامي، إذ أن تشكيل الأقاليم حق يكفله الدستور العراقي لجميع المحافظات.
ويقول النجيفي إن البرلمان العراقي الذي يرأسه الجبوري لا يملك حق الاعتراض على رغبة سكان أي محافظة في إجراء استفتاء بشأن الخيار الفيدرالي.