تتركز الأنظار هذه الفترة على شرقي سوريا حيث تبرز ملامح تنافس قوي بين النظام السوري وحلفائه من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة ثانية، ويعتقد الكثيرون أن هذا الشطر سيكون المحدد لمصير البلاد
 

يتلمس المتابع للنزاع في سوريا اهتماما متزايدا للقوى المتصارعة على شرقي سوريا والنقطة المشتركة هي قتال تنظيم داعش، الذي يبقى تفصيلا مهما في سياق أجندات أشمل.

ويمتاز شرق سوريا بموقع جيوسياسي مؤثر ليس فقط على الصراع الدائر في هذا البلد بل ومنطقة الشرق الأوسط ككل، حيث تتقاطع حدوده مع كل من العراق والأردن، فضلا عما يحويه من ثروات طاقية تغطي أكثر من ثلثي حاجيات هذا البلد قبل الأزمة، كما أن عبره يمر نهر الفرات.

وتخلق أهمية الموقع تنافسا بدت تتضح معالمه بين النظام السوري وحلفائه من جهة وبين الولايات المتحدة الأميركية من جهة ثانية.

ويبدو أن النظام السوري وحلفاءه خاصة الإيرانيين، يجدون ضرورة في الخروج من مربع “سوريا المفيدة” بالتوجه إلى هذا الشرق الذي لطالما كان مهملا من قبلهم على مر الست سنوات من عمر الصراع. ويرون في اتفاق أستانة 4 الذي وقعت عليه كل من تركيا وروسيا وإيران ويقضي بتخفيف التصعيد في شمال سوريا أساسا، فرصة للتقدم صوب هذا الشطر.

وبدأ النظام والميليشيات الإيرانية الداعمة له بالتحرك على أكثر من محور للوصول إلى الهدف المنشود وتحديدا محافظة دير الزور، وترجم ذلك التقدم من جهة حماة وحمص وأيضا ريف دمشق.

ودفع هذا الحراك داعش إلى توجيه عناصره لاستهداف مواقع النظام بزخم أكبر نادرا ما حدث، حيث شن التنظيم هجوما على قريتين في محافظة حماة أدى إلى مقتل 50 شخصا، بينهم 15 مدنيا، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وأسفر الهجوم بحسب رامي عبدالرحمن عن مقتل 15 مدنيا في قرية عقارب، بينهم خمسة أطفال. كما تسبب الهجوم في مقتل 27 مقاتلا من قوات الدفاع الوطني ومسلحين قرويين موالين للنظام.

وتمكن تنظيم الدولة الإسلامية خلال الهجوم من التقدم والسيطرة على قرية عقارب وأجزاء من قرية المبعوجة المجاورة.

ويتقاسم الجيش السوري والفصائل المعارضة وتنظيم الدولة الإسلامية السيطرة على محافظة حماة المحاذية لست محافظات سورية بينها الرقة وحمص المجاورتين لدير الزور. ويتواجد تنظيم الدولة الإسلامية أساسا في الريف الشرقي فيما تسيطر الفصائل المعارضة على مناطق في الريف الشمالي.

ويهدف هذا الهجوم إلى إحباط حركة النظام المتجهة صوب الشرق الذي يعتبره تنظيم داعش فضاءه الحيوي حيث يسيطر على الرقة ومعظم أجزاء محافظة دير الزور.

وإن يبدي النظام السوري حماسة أقل بخصوص الرقة لعدة اعتبارات لعل من بينها أن التحالف الدولي هو من يتولى العمليات هناك بدعم على الأرض من قبل تحالف قوات سوريا الديمقراطية وبالتالي خوضه لمعارك هناك ستكون خاسرة، يرى أنه لابد من استثمار الفرصة للسيطرة على محافظة دير الزور المجاورة.

وتحتل المحافظة أهمية خاصة في شرق سوريا باعتبار أن لها حدودا طويلة مع العراق، فضلا عن أنها تقع على تماس مع البادية السورية التي ترتبط بحدود مع الأردن، وهناك مسعى إيراني خاص لوضع اليد عليها لضمان استمرار الإمدادات لميليشياتها التي تقاتل في سوريا.

وتتطلع إيران إلى تحقيق هدف أعمق هو تشكيل حزام أمني يصلها بلبنان المطل على البحر الأبيض المتوسط.

وفي خطوة لتسريع تحقيق هذا الهدف أي السيطرة على دير الزور حركت إيران من الجهة المقابلة أي العراقية ميليشيات الحشد الشعبي التي حققت تقدما في محافظة نينوى بالقرب من الحدود السورية، في الآونة الأخيرة.

وأجرى مبعوث عراقي الخميس زيارة إلى دمشق حيث التقى الرئيس السوري بشار ألأسد لبحث التعاون العسكري المباشر ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

وقالت الوكالة العربية السورية للأنباء إن مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض بحث مع الأسد “الخطوات العملية والميدانية للتنسيق العسكري بين الجيشين على طرفي الحدود في ضوء الانتصارات التي يحققها الجيش العراقي في الموصل”.

ويرى مراقبون أن هذه الزيارة رتبها الجانب الإيراني الذي يبدو المتحكم في القرار السياسي في العراق، لتسريع عملية السيطرة على الحدود السورية العراقية.

ويلفت هؤلاء إلى أن الولايات المتحدة تتابع بانتباه هذه التحركات، وقد بدأت فعليا في التحرك لقطع الطريق أمام إمكانية السيطرة الإيرانية على دير الزور وبشكل عام على الحدود العراقية السورية.

ويستدلون على ذلك بعملية الإنزال التي قامت بها قوات أميركية فجر الأربعاء في مدينة البوكمال الاستراتيجية القريبة من حدود العراق.

وشهدت البوكمال وريفها مؤخرا عمليات قصف جوي مكثفة وأنشطة عسكرية أخرى للتحالف الدولي، تعزز المسعى الأميركي للحيلولة دون تحقق الهدف الإيراني.