الخياران يُدخِلانه في نفق كلُّه مطبّات خطِرة. لذلك، هو يكتفي بالمبادئ العامة: مع المقاومة... ومع القانون الدولي. فهل يستطيع الصمود في «المنطقة المحايدة» في المرحلة المقبلة؟سيتكفّل الرئيس سعد الحريري بالإخراج اللازم في قمّة ترامب والزعماء المسلمين. وهو مزوَّدٌ مخزوناً من النصائح والتحذيرات والمعلومات التي يجب اعتمادها ليخرج لبنان من القمّة في خير.
بين أركان السلطة، الحريري هو الأكثر ارتياحاً من الحملة الأميركية و«شبهة» التعاون مع «حزب الله»، حتى الآن على الأقلّ. فهو ليس حليفاً سياسياً لـ«الحزب»، كما عون والرئيس نبيه بري. لكنّه شريكه في السلطة، ورئيس حكومةٍ نِصفُ أعضائها تقريباً هم من «الحزب» والخط السياسي الداعم له.
وفي بيانها الوزاري تتبنّى الحكومة خيارات «المقاومة» بأشكال مختلفة. وقد يؤدّي التوسّع الأميركي في تفسير مبرّرات العقوبات على «حزب الله» إلى شمولها الدولة اللبنانية بكلّ أركان مؤسساتها الدستورية!
وفي أدراج الكونغرس مشروع لتعديل قانون العقوبات الذي وُلد في العام 2015، الرامي إلى تجفيف مصادر تمويل «الحزب»، والذي بدأ أساساً بكوادر حزبية أو متعاونة معروفة في لبنان والخارج.
وتقود التعديلات المقترحة، في حال إقرارها، إلى أن تشمل العقوبات حلفاء «الحزب» السياسيين من حركة «أمل»، ومن «آخرين». وفي هذا التصنيف الأخير يبدو القلق طبيعياً لدى «التيار الوطني الحر»، بدءاً برئيس الجمهورية.
ويعني التوسّع، استتباعاً، أنّ قسماً كبيراً من السياسيين والمسؤولين والإداريين سيكون في وضعٍ صعب، بسبب الرقابة المشدّدة على أرصدته المالية. وتالياً، سيكون القطاع المصرفي اللبناني بكامله في وضعٍ دقيق، لأنّ القوى المستهدفة بالعقوبات شريكة في معظم المصارف اللبنانية، بموجوداتها وأصولها. وهذا ما قد يهدّد استقرار القطاع.
ولم تنجح الوفود السياسية والتقنية المتلاحقة التي يرسلها لبنان إلى واشنطن، للمفاوضة وشرحِ المخاطر والتبريرات، في وقف الاندفاعة نحو التعديل. وأساساً لم يتراجع الأميركيون -في عهد أوباما- في منع إقرار قانون العقوبات الأول، فلماذا يقومون بذلك في عهد ترامب؟
وصحيح أنّ أعضاء الوفود التي اختيرَت للمفاوضة يتمتّعون بمقدار من الثقة في الأوساط الأميركية والدولية، ويمثلّون عون وبري والحريري، إلّا أنّ المهمة المطلوبة أكبر من وساطات النواب ياسين جابر وألان عون وباسم الشاب ومحمد قباني ومستشار جمعية المصارف السفير السابق في واشنطن أنطوان شديد.
ولم يطمئنّ عون إلى أنّ وفد «التاسك فورس» الذي زارَه أخيراً في بعبدا يمكن أن يضطلع بدور في الحؤول دون إقرار الكونغرس للعقوبات الجديدة. أولاً، لأنّ العديد من أركان هذا الفريق يعتقدون بضرورة الحدّ من نفوذ إيران و«حزب الله»، وثانياً لأنّ الدور الذي يمكن أن يضطلع به الوفد في الولايات المتحدة محدود نسبياً، في مقابل الخيارات الاستراتيجية التي تتبنّاها الإدارة الأميركية.
وربّما يكون حاكم مصرف لبنان رياض سلامة هو الأقدر على القيام بمهمة الحدّ من الأضرار، نظراً إلى خبرته الطويلة ومعرفته بالملف. وحتى «حزب الله» مضطرّ إلى تكليف سلامة هذا الدور، على رغم الفتور الذي أصاب العلاقات بين الطرفين بعد إعلان الحاكم حتمية التزام لبنان قانونَ العقوبات الأميركي في العام 2015.
فـ«الحزب»، على رغم اعتراضاته، يرتاح ضمناً إلى أنّ موقف سلامة زاد في رصيده لدى الأميركيين، ولذلك سيكون هو الأفضل للمفاوضة وتخفيف الأضرار. ومن هذا المنطلق، يأتي الإجماع السياسي على التجديد للحاكم. وربّما كان ذلك بمثابة «الكأس المرّة» التي لا بدّ من أن يتجرّعها عون الذي كان راغباً في التغيير في موقع الحاكمية.
لا شيء يؤكّد أنّ عون مستهدَف شخصياً بالعقوبات الأميركية التي قد يجري إقرارها في الكونغرس. لكنّ التسريبات التي ظهرت في هذا الشأن، في الصُحف الأميركية، أوردت إسمَه. ولذلك، هو يدرس التداعيات المحتملة على «التيار الوطني الحرّ» وعدد من كوادره وأرصدتهم المالية، ومنهم أقرب الأقربين، وصولاً إليه شخصياً. وإذا حصل ذلك، فسيكون الرئيس و«التيار» والدولة اللبنانية ككل في موقف صعب.
وفي الأساس، كان «حزب الله» يريد من عون وأركان «التيار» والقوى الاغترابية المسيحية في الولايات المتحدة أن يضطلعوا بدور الوسيط للتخفيف من الهجمة الأميركية عليه. ولذلك، يتعاطى «الحزب» بكثير من الليونة والدقّة مع عون في الملفّات السياسية الداخلية. وبالتأكيد، سيتضرّر «الحزب» إذا أصبح «التيار» نفسُه مشمولاً بالعقوبات، لأنه سيفقد الوسيط الموثوق فيه.
من هذا المنطلق، يعمل عون على تأجيل الأزمة قدر المستطاع. وسيكون مثالياً أن يعقد ترامب والإيرانيون تسويةً تُنهي «الكباش» الحادّ. لكن الاتجاه يبدو معاكساً حتى الآن. وفي أيّ حال، إنّ واشنطن تعتبر «حزب الله» منظّمة إرهابية منذ 1995، والعقوبات المالية عليه سابقة لعهد ترامب.
عون محشور، وتستشري أزمتُه مع تطوّر النزاع الإقليمي. وكما في كلّ الملفات الأخرى، هو يراهن على الوقت أو على المصادفة. فهل من مكان لمزيد من المعجزات؟