لقد جرّب لبنان أنواعاً كثيرة من هذه القوانين ومعها تقسيمات إدارية إنتخابية مختلفة من المحافظة الى الدوائر الصغرى.
قانون الستين الصامد الى الآن إستنفذ غرضه مع الوقت، رغم التعديلات التي أُدخلت عليه أو سوف تدُخل.
أعتقد بأنه قد حان الوقت لإنتاج قانون إنتخابي جديد يحقق إنتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي ومجلس شيوخ يُعنى بالأمور المصيرية والطوائفية، كما نصّ عليه إتفاق الطائف.
إن إنتخاب مجلس نواب على أساس غير طائفي يؤمن بدء تأسيس دولة مدنية مثل أي دولة من دول العالم المتحضر، ويسمح بل ويفرض قيام أحزاب وطنية لا يكون ألكمُّ الأعظم من منتسبيها من لون طائفي أو مذهبي واحد كما هي حالنا الآن.
بالمقابل فإن مجلس الشيوخ يطمئن العائلات الروحية وخاصة المسيحية منها، التي يتناقص تعداد منتسبيها مع الأيام نسبة الى المسلمة، بأن لبنان سوف يظل محتفظاً بخصوصيته في العيش الواحد.
هناك ثلاث مشكلات تعترض إقرار هذا المشروع:
١-مشكلة تراتبية:
الدستور يطالب بإلغاء الطائفية السياسية عن طريق الهيئة الوطنية لكي يتم بعدها إو معها إنتخاب مجلس نوّاب خارج القيد الطائفي ثم إنشاء مجلس شيوخ.
٢- مشكلة آنية:
إقرار مبدأ النسبية على أساس دوائر كبرى أو وسطى وإجراء إنتخابات خارج القيد الطائفي.
٣- إقرار نظام لمجلس الشيوخ.
الحلول
أعتقد جازماً بأنه إذا صدقت النوايا فإن بإمكاننا حل هذه المشكلات الثلاث، وهي ليست مستعصية على الحل.
المشكلة الأولى : ما هو المانع من أن نتبنى المضي بإنتخاب المجلسين في وقت واحد، أي في الدورة المقبلة أو أقله الإتفاق مرحلياً ولمرة واحدة على إنتخاب مجلس النواب حسب القانون الحالي وعلى أن ينتخب مجلس الشيوخ في الإنتخابات التي تلي الإنتخابات القادمة؟
المشكلة الثانية: إقرار مبدأ النسبية على أساس المحافظات دوائر إنتخابية ( مع إمكانية إعادة النظر بالتقسيمات ) مفيد لكل الأحزاب اللبنانية والمجموعات السياسية ذات الشأن. فلا أجد مانعاً من إعتماده.
المشكلة الثالثة: وهي المتعلقة بإنشاء مجلس الشيوخ . إنها الأصعب، بطبيعة الحال. ولكن إذا فككناها الى عناصرها الأساسية وبحثنا مواطن الإشتباك، يمكننا إيجاد حل لكل هذه العناصر.
ا- رئاسة المجلس يمكن أن تكون من نصيب طائفة الموحدين الدروز او بالتناوب لنصف ولاية أو ولاية كاملة مع طائفة الروم الأرثوذكس. إن أي من هذين الخيارين يحتم إجراء تعديلات في مناصب نيابة رئاسة مجلس الوزراء ومجلس النواب، وهذا غير مستحيل.
ب- الصلاحيات يمكن أن تتضمّن عدة عناصر : جلسة مشتركة مع مجلس النواب لمنح الحكومة الثقة وإقرار الموازنة، على أن يناط به منفرداً الموافقة على القوانين النيابية التي ترعى الأحوال الشخصية وما يمت تحديداً الى قضايا الطوائف.
ج- تنظيمياً يكون مجلس الشيوخ مؤلفاً من ٣٤ ممثلاً مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، يتقاسمون التمثيل حسب المحافظات وكثافة أبناء كل طائفة أو مذهب، ويكون الإنتخاب فيه على أساس المذاهب. كما يتماهى إجرائياً مع ما هو متبع في مجلس النواب ( النظام الداخلي ).
إن إقرار هذه المبادئ وصوغها في القالب القانوني اللازم، هو بمثابة إستقلال جديد للبنان، يؤمن كل الخير لكل اللبنانيين، ويُسجّل إنجازاً تاريخياً لرئيس الجمهورية، لرئيس مجلس النواب ولرئيس الحكومة وكل القيادات التي تتولى تحقيقه.
وهذا يخدم مبدأ المناصفة الذي لا يمكن تكريسه على الأمد الطويل ومبدأ قيام الدولة الحديثة، دولة المواطنة.
دعونا نخرج من جلد طوائفنا لنلبس جلد الوطن.