الآن الآن وليس غداً، أجراس عودة إعلام المستقبل فلتقرَع.
إنّها اللحظة الذهبية.
لسنوات طويلة كان عبء الإعلام يقيّد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومن بعده الرئيس سعد الحريري. كلما كتب أحدهم حرفاً في جريدة "المستقبل"، يتعامل "الوسط السياسي" على أنّها "رسالة" من الرئيس نفسه. وهذا ليس صحيحاً. وكلّما بثّ تلفزيون المستقبل صورة، يُحاسب عليها الرئيس الحريري نفسه، كما لو أنّه قام بالمونتاج بيديه.
هذا ما جعل إعلام "المستقبل" أقرب إلى الصحافة الحزبية. هذا ما أبعد المشاهدين والقرّاء. واليوم يبدو الوقت مثالياً ليتحرّر هذا الإعلام من القيود الوهمية التي وضعت في أيدي صانعيه، وهم على درجة كبيرة من الكفاءة والخبرة والقدرة.
هذا الإعلام الذي "رشّق" نفسه مؤخرا، بصرف مئات العاملين، يبدو في لحظة مؤاتية ليستعيد دوره في الصفّ الأول، متقدّما على الإعلام اللبناني، ومنافساً مجدداً على الساحة العربية.
إقرأ أيضًا: 20 نيسان: حزب الله أطلق نفير الحرب... وأسكت الراقصين
المطلوب أولا "رفع السقف"، و"إزالته" إذا أمكن. فلتسكتب جريدة "المستقبل" خصومها قبل مناصريها. فلتعطِهم المساحات الأكبر في التعبير عن الرأي. في انتقاد الرئيس الحريري ومشروعه، في صناعة "حوار" على صفحاتها، في استكتاب الشباب، من نجوم "السوشال ميديا" ونجوم الشارع الجدد، في الانفتاح على القوى الأخرى، إن في الساحة السنية أو في ساحات غيرها. بلا "حرج" من هذا الحزب أو ذاك الزعيم.
الكلفة بسيطة: كما خرج الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله متبرّئاً من جريدة "الأخبار" التي يقال إنّ الحرس الثوري الإيراني يشرف عليها، فليتبرّأ الحريري من إعلامه، لكلّ زعيم على حدة، ولكلّ حزب: "هذا إعلام يبحث عن الموضوعية وعن الخبر وعن الجديد وعن القرّاء، وعن الإعلانات، ولا علاقة لي بما ينشره". جملة بسيطة فليكرّرها الرئيس الحريري.
لا مزيد من نشر أخبار المناسبات الاجتماعية، ولا أخبار النواب والوزراء. فليفتحوا مكاتب إعلامية تسوّق أخبارهم في الصحف والمواقع والتلفزيونات. هذا الإعلام يجب أن يبحث عن القراء، لا أن يكون حزبياً.
وهذا إعلام يمتلك علاقات واسعة في الداخل والخارج، في الإدارات الرسمية والأجهزة الأمنية، ويمكنه صناعة الخبر أولا، ويمتلك كفاءات بشرية وقدرات تقنية يمكن أن تعيده إلى رأس السلّم الإعلامي والإخباري.
مرّ زمن كان تلفزيون المستقبل هو الوسيلة الإعلامية الأولى في العالم العربي. شاشة تضخّ الأحلام، وألوانٌ تزرع الأمل في نفوس اللبنانيين، ووجوهٌ توزّع الوعود الجميلة على العرب. بالحدّ الأدنى من البثّ السياسي، والحدّ الأقصى من "المشروع السياسي" المغلّف ببرامج إجتماعية وثقافية واقتصادية.
إقرأ أيضًا: ندوة الصدر: السعودية في الملعب الشيعي.. وحزب الله يرتعب
الحرب السياسية التي خاضها إعلام المستقبل بين العامين 2005 و2010، ثم بعد العام 2011، جعلته متقوقعاً، ثم جاءت الأزمة المالية وأطاحت به. ولطالما كانت قوى 14 آذار هي التي تحمل"الحقّ" وهي المظلومة، وانتصرت في أكثر من مكان، لكنّ إعلام حزب الله كان دائما يصوّر محوره منتصراً، حتى بعد هزيمة حرب تموز، حوّلها إلى انتصار... هذا لأنّ قوى 14 آذار لا تملك جريدة واحدة، ولا موقعا إلكترونياً واحداً، ومؤخرا لا تملك تلفزيوناً.
أضف على ذلك أنّ شاشات "الجديد" وmtv وlbci تعاني مؤخراً من "شحّ" في المصداقية، بسبب فوحان روائح الصفقات من جيوب مالكيها والمشرفين عليها، وخوضها، على حدة وضدّ بعضها البعض، حملات "شخصية" و"مالية".
في هذه الأثناء كان إعلام "المستقبل" يحافظ على عذرية فقدها الآخرون، إذ بقي خارج "حمى البرامج الجنسية". إستطاع التلفزيون أن يحافظ على "الرصانة" في حين غرق الآخرون بالابتذال المعلن.
اليوم عاد الرئيس الحريري إلى لبنان حاملا "مشروعاً اقتصاديا واجتماعياً"، وساعيا "لاستعادة الثقة"، كما هو شعار حكومته. عاد حاملا أحلام الاستقرار التي كان يحملها والده الشهيد، وموزّعا الابتسامات الصادقة ووعود الرخاء. وعد بإقرار سلسلة الرتب والرواتب، وإقرار قانون للانتخابات، وبالحرص على الاستقرار الأمني... وسط منطقة تحترق من المحيط إلى الخليج، هذا مشروع كبير واستثنائيّ. ويحتاج إلى إعلام يعكسه.
الآن الآن وليس غداً.