لقد كانت بمثابة رحلة طمأنةٍ بالنسبة للرئيس المحاصَر. روَّج فيها لعملية سلامٍ جديدة، وتحدَّث عن إعادة اصطفافٍ إقليمي لإرساء الاستقرار في الشرق الأوسط بعد حرب 1973. فاحتفى به القادة. واصطفَّت الحشود المُلوِّحة بالأعلام في الشوارع، حتى في دمشق، حسب ما ذكر تقرير لصحيفة "النيويوركر" الأميركية.
لكنَّ الرحلة لم تُغيِّر مصيره. فبعد شهرين، استقال نيكسون.
وفي عُطلة هذا الأسبوع، سيحاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب الهروب من اضطرابات رئاسته في جولةٍ إلى الشرق الأوسط. وسيتوقف، هو الآخر، في المملكة العربية السعودية وإسرائيل. ويتحدَّث أيضاً عن السلام في الشرق الأوسط، وعن اصطفافٍ إقليمي، لكن هذه المرة يجري الحديث عن تحالفٍ مُؤلَّف من إسرائيل والممالك السُنّية المُحافِظة المُتركِّزة في الدول الخليجية، بالإضافة إلى المصريين والأردنيين.
ويُتوقَّع أن يُحتفى به كذلك. وستُقدِّم المنطقة الأكثر تقلُّباً في العالم فرصةً لترامب ليُحوِّل انتباهه بعيداً عن واشنطن مدة أسبوعٍ على الأقل، رغم أنَّ الكشف عن إفشائه معلوماتٍ استخباراتية سرية (قدَّمها أحد الحلفاء) إلى الروس سيظل على الأرجح يطارده.
وفي وقت سابق قال الرئيس الأميركي إنه سيزور 3 دول في أول جولة خارجية له، من بينها السعودية وإسرائيل، في خطوة تنمّ عن نيته الخوض مباشرة في دبلوماسية الشرق الأوسط المعقدة.
وأضاف ترامب أنه سيزور أيضاً الفاتيكان في أثناء رحلته إلى الشرق الأوسط التي أُضيفت إلى جولة يحضر خلالها اجتماعاً لحلف شمال الأطلسي ببروكسل في 25 أيار وآخر لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى بصقلية في 26 أيار.
طموحات ترامب
ولدى ترامب، في أولى رحلاته الرئاسية الخارجية، طموحاتٌ غامِرة، ساذجة ومبالغ فيها على حدٍ سواء، مُحمَّلة برمزيةٍ دينية من الأديان الإبراهيمية الثلاثة. إذ سيزور مهد الإسلام؛ وموطن اليهودية؛ ومسقط رأس المسيح في بيت لحم؛ ثُمَّ بعد ذلك الفاتيكان.
وقال مستشار الأمن القومي الأميركي الجنرال هربرت ماكماستر للصحفيين، الجمعة 12 أيار: "ما يسعى إليه الرئيس ترامب هو توحيد أتباع جميع الديانات حول رؤيةٍ مشتركة للسلام، والتقدُّم، والرخاء". وقال مسؤولٌ رفيع في الإدارة إنَّ هدف ترامب هو "التأكُّد من عمل الأديان السماوية الثلاثة معاً".
ولا يُعَدُّ اختيار المملكة العربية السعودية كأول محطةٍ خارجية لترامب أمراً عادياً، وذلك بالنظر إلى موقفه من ذلك البلد خلال حملته الرئاسية. فقد شكا من أنَّ الولايات المتحدة تدعم المملكة بـ"نفقاتٍ هائلة"، و"أنَّنا لا نحصل على شيءٍ في المقابل"، وانتقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتفاقية الدفاع مع السعودية، معتبراً إياها تصبّ في صالح الرياض فقط. وقال ترامب في مقابلة خاصة مع رويترز إن "السعودية لا تعامل الولايات المتحدة بعدالة لأن واشنطن تخسر كماً هائلاً من المال للدفاع عن المملكة"، وفق لتقرير سابق لهاف بوست.
وقد صرح البيت الأبيض بأنَّ السعودية تواصلت بعد فترةٍ قصيرة من الانتخابات مع جاريد كوشنر، وآخرين لم تُعلَن هوياتهم، لتُشجِّع ترامب على إجراء زيارةٍ مبكرة. وفي الرياض، سيلتقي ترامب الملك سلمان، ويعقد قمةً مع 6 من قادة دول الخليج، كما سيتناول العشاء مع عشراتٍ من المسؤولين البارزين في المنطقة. وسيبدأ في بناء تحالفه الجديد مع قادة الشرق الأوسط المحافظين أيضاً.
وقال ماكماستر: "سيبعث برسالةٍ قوية وموقَّرة، مفادها أنَّ الولايات المتحدة والعالم المُتحضِّر بأسره يتوقَّعون من الحلفاء المسلمين اتخاذ موقفٍ قوي ضد الأيديولوجية الإسلامية المُتطرِّفة، الأيديولوجية التي تعتمد على تفسيرٍ مُحرَّف من الدين من أجل تبرير الجرائم ضد الإنسانية جمعاء".
في إسرائيل
وفي إسرائيل، سيكون ترامب على موعدٍ للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وذلك لمناقشة أولى خطوات عملية السلام المُتجدِّدة. ويتمتع الرجلان بصلاتٍ وثيقة، جزئياً عن طريق عائلة كوشنر التي كانت مُنخرِطة منذ فترةٍ طويلة في القضايا الإسرائيلية.
وخلال زيارةٍ له إلى الولايات المتحدة قبل عدة سنوات، مكث نتنياهو في منزل كوشنر، ونام في حجرة نوم جاريد. (وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، بقي جاريد، الذي كان مراهقاً آنذاك، في قبو المنزل خلال هذه الفترة). ورُغم كل الصلات، تفيد الصحافة الإسرائيلية بأنَّ نتنياهو غاضبٌ من ترامب، الذي لم يظهر سوى القليل من الإشارات على فهمه للتاريخ أو الدبلوماسية، بسبب ما قد يطلبه ترامب منه.
ومن المُقرَّر كذلك أن يسافر ترامب إلى بيت لحم، مسقط رأس المسيح، التي تقع الآن ضمن الضفة الغربية، للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وكان الرجلان قد التقيا في وقتٍ سابق من هذا الشهر في واشنطن حين عبَّر ترامب عن ثقته بقدرته على تحقيق السلام بين إسرائيل والعرب. وقال في مؤتمرٍ صحفي مشترك: "إنَّه شيءٌ أعتقد بصراحة أنَّه قد لا يكون صعباً كما اعتقد الناس".
الاستقبال الأكثر فتوراً
وقد يحظى ترامب بالاستقبال الأكثر فتوراً في الفاتيكان. فمنذ البداية أثنى ترامب على انتخاب البابا فرانسيس عام 2013. وكان قد غرَّد يوم عيد الميلاد عام 2013 قائلاً: "البابا الجديد هو رجلٌ متواضع، مثلي تماماً، وهو ما قد يفسّر سبب إعجابي الكبير للغاية به!".
غير أنَّ كلاً من الرئيس، الذي جنى المليارات من عمله في مجال العقارات، والبابا، الذي تجنَّب الإقامة في القصر البابوي ليعيش "حياةً عادية" في أحد بيوت الضيافة الخاصة برجال الدين، لديهما روى مختلفة بوضوح عن العالم. فخلال الحملة الرئاسية الأميركية غرَّد البابا قائلاً: "الشخص الذي يفكِّر فقط في بناء الجدران، أينما تكون، وليس في بناء الجسور، ليس مسيحياً". ووصف ترامب هذا التعليق بأنَّه "مخزٍ".
(هافينغتون بوست)